التحليل النفسي للخرافة: هل النمط الخرافي في الشخصية هو أنثوي فقط؟

هنادي الشوا  

يجمع الكثير من العاملين في ميادين علم النفس على الاعتراف بالدور الهام الذي تضطلع به الوسائل الدفاعية الأولية للإنسان في مساعدة الكثير من الناس على تخطي رغباتهم وحاجاتهم المعاقة ودوافعهم المحبطة،


وذلك من خلال توظيف هذه الحيل لتسمو بتلك الرغبات المكبوتة وتخرجها من ساحة اللاشعور إلى الشعور بأبهى الحلل، ودون أدنى خجل من البوح بها رمزياً أو في صورة، ربما، معاكسة للمحتوى، أو تبرير لا يخلو من القصور والنزوع إلى الاتكالية، أو تخيلات شعرية كتصعيد لرغبات جنسية تتنافى مع المرغوبية الاجتماعية، ونزوعات يعوزها الكثير من القدرة على الإنجاز، أو حتى نكوص في محاولة بحث عن دافع الحاجة إلى المكانة.. والكثير الكثير من الحيل التي لم نأت على سردها، وإنما على آلية تأثير توظيفها السافر والمغلوط على الشخصية: أي كيفية التأثير على معايير الحكم لظواهر وحالات لم يفسرها العلم، أولا يشرع الدين تداولها، لنجد أن هناك جواباً معلباً جاهزاً للتداول تم تحضيره في غرف المشعوذين!

فمن هو المسؤول عن تزكية قابلية تصديق العرافين؟
من هم الأشخاص الأكثر عرضة لتقبل التفكير السحري؟ وما الأساس العلمي للسحر؟
كيف يتم التمييز بين المصاب بعصاب الوسواس القهري والشخص الاستهوائي؟
ما علاقة التخيل بالتفكير السحري وما هي البيئة التي يجد فيها المشعوذ ضالته؟
والكثير من الأسئلة التي لابد من الإجابة عليها كي ننقل الإنسان من هذا الدرك المعتم ونرفعه إلى مستويات أرقى في التفكير البشري.
أولاً لابد من الوقوف لتوضيح معنى (الشخصية الإستهوائية)، وهي تشير إلى من استهوى الشيء. وهنا في هذا المجال قد يختلف المعنى الاصطلاحي عن الدلالة اللغوية للكلمات.س فحين نقول أن فلان استهوته الفكرة، فإننا لا نقصد بذلك أنها أعجبته، ولكن حينما يواجه الإنسان موقفاً مشكلاً، ويقف عاجزاً عن صياغة الفرضيات حول تبرير وجوده أو معقوليته، فإنه يلجأ إلى العلم. ولكن ما الذي يحدث إن لم يجد تفسيراً علمياً؟ أو تفسيراً مقنعاً له ومتفقاً مع بنيانه الإدراكي (التفسير في الطرف الآخر)؟! هنا تبدأ المشكلة، حيث أن هذا الطرف الآخر يفتقد إلى المنهجية العلمية. ولكنه، رغم ذلك، يعطي التفسير حتميته من خلال المصادفة وحدها!
وهنا نعود مجدداً إلى اتهام المدرسة الإجرائية الأشراطية من خلا ل التدعيم للاستجابات العشوائية والتزامل الجزافي بين فعل ما، وأقصد هنا (طقوس خرافية)، وبين التدعيم (ظاهرة الحمل بالمصادفةً في الريف) التي تكلمنا عنها سابقاً، وهذا الاشراط هو نفسه المسؤول عن لجوء الكثير من الناس مع اختلاف انتماءاتهم الطبقية إلى الساحر ليعّرف لهم ما هو مبهم فمسؤولية تزكية هذه القابلية تعود إلى إغفال متعّمد أو غير متعّمد لدور العقل في معالجة الموضوع أي إلى تجربة اشراطية إجرائية أُحدثت بالمُصادفة التدعيم المنشود.
مثلاً قد يعتقد بعض الأشخاص من النمط البارانوي أنهم "قدم رزق" لدى دخولهم للمحال التجارية ويسردون الكثير من المواقف التي حدثت فعلاً لدرجة أن البعض قد يستخدمه كوجه خير لزيادة الرزق. والأمر ذاته يحصل لدى الكثير من الناس فنسمع أحدهم حينما يتعكر صفوَ يومه فيتساءل عن أول شخص قد رآه صباحاً. وكلا الحالتين للأسف متداولة لدرجة أن الفكرة أحياناً قد تستهويك لدرجة التصديق.
وحتى نكون موضوعيين لا يوجد شخصية استهوائية تماماً. ولكن غرابة الموقف تنعكس على شدة وطول فترة سيطرة الفكرة الاستوائية ولأننا أصلاً نعيش في مجتمع تعتبر فيه كل من (الحسد – العين – الرصد – التلبس الشيطاني –الخ) جزءاً من اللاشعور الجمعي.
كيف يفسر التحليل النفسي التفكير السحري:
يذهب أنصار التحليل النفسي إلى أن التفكير السحري يحدث في بداية الطفولة حينما يستشعر الأطفال القوة والقدرة في أعضاء جسدهم وإتيانهم لحركات جديدة، أما الراشد فيلجأ إلى التفكير السحري في صورة نكوص قد سببه صراع بين رغبة جامحة للمعرفة وعجز جامح عنها فيبدأ بالتخيل والذي هو أسلم عاقبةً من التفكير السحري الذي ينتج عن فشل أخيلة وأحلام اليقظة التي يرى بعض المحللين النفسيين أنها هي الأخرى ضرب من التمني صادرة عن التفكير السحري (الحفني-ص- 64) ولغة التفكير السحري تتميز عن لغة التفكير التخيلي بعدم منطقيتها ورغم ذلك نستخدمها دون أن نعي حقيقتها. فنحن عندما نلعن شخصاً ما فإننا نكرر ما كان يفعله الإنسان البدائي حيث كان يعتقد أن مجرد لعن العدو يستجلب عليه الشر والموت.
وقد ينكص بعض المصابين بالعصاب الوسواسي القهري أو الفصام إلى هذا التفكير السحري فقد يبقى مريض الفصام التخشبي ساكناً لساعات لا يتحرك والمعنى الرمزي لذلك هو أمنيته في أن ينتهي العالم ويتوقف عن الحركة. كما أن البعض منهم يعتقدون بإمكانية استجلاب الموت لشخص ما لمجرد أن يفكروا أنه ميت. وسكونهم لا يعني فراغ مخيلتهم على العكس يكونوا مشغولين بتصور الأشياء وكأنها حدثت بفعل ساحر.
ما يهمنا هنا هو تفسير العلاقة بين الوسائل الدفاعية وبين التفكير السحري حيث أجمع العاملين في التحليل النفسي على وجود علاقة بين الاعتقاد بالسحر والشخصية القاصرة (الاعتمادية) التي تعاني من عدم الكفاءة، فتغالي في الاعتماد على التفكير السحري (لتعويض) النقص الذي تعانيه أو تلجأ إلى (الإسقاط) في محاولة لإرضاء الذات، والذي ثبت أن اللجوء إليه بشكل متكرر يؤدي إلى فصام الشخصية، وخاصة لدى الشخصيات الإستهوائية، ولذلك يعد الإيحاء الإيجابي هو ذلك الموجه إلى الشخص الاستهوائي، وذلك لأن الإيحاء هو الأساس العلمي للخرافة، وهذا الذي جعل هؤلاء أكثر ارتياداً للمشعوذين، وهم عادة لا يحتاجون إلى السحر الحقيقي والرقى وإنما إلى مجرد الاقتناع من خلال إيحاء الساحر لهم بجدوى سحره، وهذا كافي لإحداث التغيير، فالطالب الذي يستعين بالساحر ليتنبأ له بأسئلة الامتحان فإنه سيواجه أحد أمرين:
أولاً: إما أن تتم المصادفة فعلاً ويأتي مما تنبأ به الساحر، ويتحقق هنا الاشراط الإجرائي وينجح الطالب ويصبح سلوكه خرافي استهوائي.
ثانياً: وإما أن يخبر الساحر الطالب بأنه سينجح فيدفعه إلى المذاكرة وذلك لأنه أوحى له بأنه متميز. وهذا سيدفعه إلى الدراسة إما لأنه يجب أن يلتزم بتعاليم الساحر، أو لأنه جعله يتعايش مع النجاح من خلال الخيال الذي يؤدي إلى استثارة العضوية للبحث عما يحقق لها السعادة، ويكون النجاح هو النتيجة المنطقية غير المدركة من جانب الطالب بسبب سيطرة التفكير السحري على أنها نتيجة لتغيير عادته الدراسية وتخيله للحظة النجاح.
وفي حياتنا الاجتماعية يحتل الإيحاء مكانة مهمة ولكن المشكلة تكمن في أن البعض منا يفضل أن يكون (موحى إليه) بدلاً من (موحي). وهنا تأتي أهمية الإيحاء الذاتي والذي لا تجيده الشخصية القاصرة، لذلك تلجأ بحكم سمتها الاعتمادية إلى من يوحي إليها. ومن ذلك ما نراه في امرأة تذهب إلى المشعوذ كي تمنع زوجها من التزوج بسواها فيصبح مجرد إيحاء المشعوذ لهل بان هذا لن يتم ويعطيها (الرقى،التمائم...) وبعض السلوكات الجديدة، فإن ما قد يحصل مرده إلى التخيل وحده، فبمجرد اقتناعها بعدم تزوجه يكون كافياً لجعلها تحس أنها الأنثى الوحيدة، وهذا يفرض عليها بشكل منطقي تغيير سلوكها معه الذي لا تدركه من جانبها أيضاً على إنه السبب، لأن المشعوذ أوحى لها بعدم نفعية سلوكها إلا مقترناً مع الرقى والتمائم.
تجربة كهذه أو تلك، لبت الرغبات بمحض الصدفة، تؤدي إلى تزكية الشخصية الإستهوائية.
وينبغي علينا أن نذكر بكثير من الموضوعية أن الدين الإسلامي قد سبق العلم بأشواط حينما خص الله تعالى العامل بالسحر بمرتكب الكبيرة وحينما حرم التطير، إتيان العرافين واعتبره شركاً يخلد صاحبه في النار ليس لأن السحر يضر بمن يقع عليه بل ويتجاوزه إلى من قام به وهذا ماكنا قد أ ثبتناه في أن الاستهواء يمهد لفصام الشخصية، ولن نستغرب ذلك إذا وقفنا قليلاً أمام صورة (الفلق) فحينما قال الله تعالى أصدق القائلين: (من شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد) وحينما أمرنا في بداية السورة بالتعوذ أقرنه بكلمة (شر) لأنه لايريدنا أن نعتقد بمصداقية النفث في العقد والحسد لأن هذا يتنافى مع الإلوهية ولكنه قصد التعوذ من النفس الشريرة التي تنفث وتحسد وما توحيه للآخرين من إمكانية القدرة على التغيير وجلب الشر وهذه إشارة صريحة من الله تعالى ببطلان قدراتهم التي عرضها في موضع أخر حينما قال بسم الله الرحمن الرحيم (لو اجتمعت الإ نس والجن على أن يضروك بشيءً لم يضروك إلا بما شاء الله) وما يشاؤه الله من ضرر لعبده هو نتيجة لإضرار العبد لنفسه ولغيره كما تحتمل أن كلمة ماشاء الله هي النهي عن التعامل بالخرافة والدليل على ذلك لم يقل الله تعالى (لن يضروك أبداً) مع أنه قادر على دفع الضرر ولكنه استبدلها ب (لم يضروك بشيء الإ بما شاء الله لك) لأنه يعلم أن الصدفة أحياناً تجمع بين قدره لعبده وتكهن الساحر ولذلك قال بما شاء الله أي بما قدر وهذا يعني أن هذا قدره وليست قدرات الساحر الاستثنائية التي أوحى لك بها والدليل على صدق هذا الكلام هو اعتبار السحر كبيرة مرتكبها مشرك لأنه صّدق تلك القدرات الاستثنائية التي لم يرد فيها نص في القرآن أو السنة وهكذا نجد أن الفرق شاسع بين التخيل والتطير وبين الخيال الإبتكاري والخيال الخرافي هذا الأخير النتيجة المنطقية لقصور الشخصية وسوء استخدام الوسائل الدفاعية.ش

المصدر: موقع نساء سوريا