البحار والأنهار تموت اختناقاً

يساهم الإنسان في تلويث المياه الساحلية بشكل كبير، فالمواد الكيماوية التي يستخدمها في السماد ومساحيق الغسيل والتي ينتهي بها المطاف إلى البحار والأنهار، تعمل على نمو الطحالب التي تتحلل وتمتص قدراً كبيراً من الأوكسجين.



يرغب الإنسان دائماً في نباتات وارفة منتجة وفي ملابس نظيفة ويحتاج من أجل نظافة ملبسه إلى الفوسفات الموجود في جميع أنواع مساحيق الغسيل، كما يعمل النتروجين والأسمدة المحتوية على النترات على زيادة نمو النباتات والأزهار والحبوب. لكن كمية هذه الأسمدة المستخدمة تزيد في أغلب الحالات عن حاجة الأرض الفعلية لها، كما أن الإفراط في استخدام مساحيق الغسيل يشكل عبئاً على البيئة. فالفوسفات الموجود في مساحيق الغسيل والنتروجين الموجود في الأسمدة، واللذان ينتهي بهما المطاف إلى مياه البحار والأنهار، يزيدان من نمو الطحالب بشكل كبير.

 
صراع الطبيعة
وتتغذى هذه الأحياء المتناهية في الصغر على المواد الغذائية التي تجدها في البحار، وتتكاثر بكميات كبيرة لتنتج عوالق نباتية تعرف بالبلانكتون، وهي كائنات حية دقيقة تعيش في المسطحات المائية وتعد من أهم وأوفر الموارد الغذائية للكائنات البحرية. لكن للأسف، هذه الكائنات سرعان ما تموت، وتقوم الميكروبات بتحليل الطحالب النافعة. وتكرار هذه العملية، يتسبب في امتصاص كميات كبيرة من الأوكسجين من المياه، قد تصل أحياناً إلى امتصاص كل كميته الموجودة في الماء. وتحدث هذه العملية سواء في مياه البحيرات والأنهار أم البحار والبحيرات، الأمر الذي يعد بمثابة الحكم بالإعدام خنقاً على الأسماك والسرطانات التي تعيش فيها.
 
اتساع رقعة المياه الميتة
ويؤكد روبرت دياز، أستاذ علوم البحار في معهد فيرجينيا لعلوم البحار في دراسة نشرها مؤخراً، أن رقعة المياه التي تعاني من نقص الأوكسجين تزداد في مختلف القارات. ويرى دياز أن اتساع رقعة "مناطق الموت" في البحار بات يُشكل تهديداً للبيئة البحرية. وأحصى في دراسته وجود أكثر من 400 منطقة تعاني من نقص الأوكسجين، تساوي مساحاتها مجتمعة مساحة بريطانيا كاملة.
 
الإنسان سبب المشكلة
ويتفق أغلب العلماء على أن الظاهرة، التي ترجع أسبابها إلى الإنسان، تتفاقم بدءاً من فصل الصيف وحتى الخريف، وتوجد أكبر مناطق الموت هذه في بحر البلطيق. وفي هذا السياق توصل روتغر روزنبرغ، أستاذ الأحياء البحرية في جامعة غوتبورغ السويدية في دراسة جديدة إلى أن ربع البحار تعاني من انخفاض كمية الأوكسجين المذاب في مياهها، ويزداد هذا النقص إلى درجة تصعب معها إمكانية عيش الأسماك والقشريات.
ويقول روزنبرغ أن هذه الظاهرة تنتشر في عمق البحار بداية من عمق 80 متراً، وهو ما أدى إلى تراجع أعداد سمك القد الأطلنطي بشكل كبير. فحين تضع الإناث بيضها في وقت التكاثر، تنزله إلى العمق حتى تجد نسب أكبر من الملوحة، وهذه المناطق بالتحديد تعاني من نقص الأوكسجين. لذلك فإن هذا النوع من السمك يواجه مصاعب جمة في البقاء على قيد الحياة في ضوء هذا الظاهرة.
 
الاحتباس الحراري يزيد من تفاقم المشكلة
من ناحية أخرى، فإن ظاهرة الاحتباس الحراري تزيد من تفاقم هذه المشكلة، فنسبة الأوكسجين المذاب في الماء تقل بارتفاع درجة الحرارة. وقد اكتشفت هذه المعلومة نتيجة لدراسات أجراها العلماء الفنلنديون، الذي يرون أن حل مشكلة البحار الميتة يبدأ من القطاع الزراعي في المقام الأول، من خلال منع تسرب الأسمدة الزراعية إلى مياه الأنهار والبحار.
 فولكر مارسيك

المصدر: مجلة المياه