الانفعالات والانعكاس الجسماني لكبتها

إكراه ضد الذات: درجت العادة في هذه الأيام أن نخفي ونقمع مشاعرنا وانفعالاتنا، دون أن نسمح لعواطفنا الحقيقية بالظهور. بل إننا مضطرون، بدلاً من ذلك، لأن نلبس قناعاً، وربما أكثر – أن نبتسم باستمرار (Keep smiling). هكذا تتم تربية الطفل على أساس منعه وحرمانه من التعبير عن انفعالاته:



"لا تبكِ"، "لا تصرخ"، "لا تركض"، "لا تضج"، "كن هادئاً ولا تشاغب"، "لا تصعِّر وجهك" ؛ بل ويمنعونه من "إظهار" غضبه، وعنفوانه وعلى العموم أي شكل من أشكال العنف.

 

كل انفعال – عبارة عن طاقة. وحسب قانون حفظ الطاقة، هي لا تختفي ولا تنتفي، وإنما تتحول فقط إلى شكل آخر للطاقة.

 

لذلك، يمكن قمع المشاعر والانفعالات ومنعها من التظاهر، ولكنه مستحيل القضاء عليها. بل إنها تظلّ حية في أعماق الإنسان، دون أن تتظاهر، ودون أن تختفي إلى أن تجد سبيلاً للتعبير عن ذاتها في الخارج.

 

الانفعالات Emotions

 

ما هو الانفعال؟ إن كلمة emotion تفترض الفعل (فالوصلة e – تعني "نحو الخارج، في الخارج"، motio – حركة)، وبهذا المعنى إن الانفعال e-motion ("حركة نحو الخارج") – عبارة عن تظاهر عام وشامل لجميع أشكال الحياة.

 

كتب شارلز داروين في عام 1872 في كتابه "التعبير عن الانفعالات عند الإنسان والحيوانات": "إن الحركات المعبّرة لعضلات الوجه والجسد ذات أهمية بالغة لراحتنا".

 

و في وقت لاحق اكتشف سيغموند فرويد أنه يمكن بلوغ الأثر العلاجي فقط بعد معايشة الانفعال. فالجسد يعيش كل انفعال على طريقته. فالفرح والسعادة – "تنعش الصدر"، والأسى أو الحزن – "يسبب انقباضاً في الصدر" , والقرف – "يسبب شعوراً بالغثيان فتكاد تتقيأ أمعاءك"، والخجل – يؤدي "إلى الاشتعال ويرافقه شعور بالحرقة واللهب في منطقة الحجاب الحاجز". وأما الخوف – "يُهبِطُ القلب ويكمش البطن".

 

والانفعال يتطلب تعبيراً عنه بصورة دائمة عن طريق حركات عضلات الوجه (وظيفة عضلات الوجه"، والإشارات (غالباً بواسطة عضلات اليدين وزنار الكتف) وكذلك حركات الجذع (عضلات الجسم ككل).

 

ولكن للتعبير عن الانفعال لا بد من توفر الطاقة التي يضمنها التنفس العميق. لذلك إن التعبير الطبيعي والعفوي عن الانفعالات والمشاعر يحتاج لحالة حرة ومرنة في عضلات الوجه ومجمل الجسم. وهذا بدوره يتطلب تنفساً حراً ومريحاً وعميقاً.

 

إقرأ أيضاً: ما هي الانفعالات وأنواعها؟ وما مدى تأثيرها على الصحة

 

كبح الانفعالات

 

في حال لجأنا إلى كبح التظاهر الخارجي لانفعالاتنا، أو حاولنا إخفاءها عن الناس، فإننا نحقق ذلك بفضل محاصرتنا لتظاهرها بواسطة عضلاتنا فقط. أي إننا بحصارنا لحركات عضلاتنا إنما نحن نتدخل في العمل الطبيعي لجسدنا بالذات. وإذا كان شعور ما قوياً جداً، ومن ثم قمنا بقمعه خلال مرات كثيرة ولفترات طويلة، فإن هذا سيؤدي إلى تشكل حصار عضلي، وهذا بدوره يسبب اضطراباً لمجمل نشاط القسم الموافق من الجسم، وليس التعبير عن ذلك الشعور المحدد بعينه فقط.

 

ويجري قمع الانفعال عن طريق تشنج العضلات وحصار تلك المقاطع من الجسد، التي تقابل الانفعال المقصود.

 

وفي كثير من الحالات تجري محاصرة لا التعبير عن الانفعال المحدد فقط، وإنما القدرة على الانفعال بشكل عام، وذلك نتيجة لانخفاض إمدادات الجسم بالطاقة – من جرّاء تدني التنفس العميق لصالح التنفس السطحي. وهذا غالباً ما يصحبه استعداد لمختلف أنواع الزكام وما شابهه.

 

 

 

ويقوم في أساس حصار التنفس خوف غير مُدْرَك من تلقي مثل هكذا تيار من الطاقة، الذي يخترق جميع التكتلات العضلية، مما سيسمح للانفعالات بالخروج إلى الخارج.

 

عواقب كبح الانفعالات

 

ماذا يحدث لدينا عندما نكبح أنفسنا ونقوم بتقييد التعبير عن مشاعرنا وعن مكنوناتنا؟

 

إن ذلك سوف يؤدي، دون أن نلحظ ذلك، إلى ما يلي:

 

- نشأ العصابات، 

 

- يتكون إحساس ثقيل كما لو أنك تعيش حياة غير طبيعية،

 

- نفعل ما لا نريد ونقوم بما لا نرغب،

 

- نعيش المعاناة مبررين ذلك بأن الجميع، كذا، "هكذا يعيشون"، وأنه "ليس باليد حيلة" الخ.،

 

- لا يحصل أقرباؤنا وأهلنا على ما يلزم من حب ولطف، لأننا ببساطة لا نجيد التعبير عنهما،

 

- "نبلع الإهانات" بدلاً من أن نردّ عليها...

 

فالطاقة المحاصرة "تدور وتدور" في داخل جسدنا بانتظار الفرصة التي تسمح لها بالخروج والتعبير عن ذاتها.

 

و يبقى المرء يشعر بدفقات الانفعالات غير المعبَّر عنها لكنه يقاومها. وفي النتيجة يجد الجسد نفسه، بدلاً من تقديم المتعة والسعادة، مضطراً لتقديم الألم والمعاناة، و"يبدأ باكتساب" الأمراض (النفسجسمانية). هكذا يبتعد الإنسان عن جسده ويخونه (وهذا هو الاسم الذي أطلقه الطبيب النفساني المعروف لاوين على كتابه: “ Betrayal of the body "– خيانة الجسد"). وما الذي يمكن أن يلحقه الإنسان بجسده سوى المرض، وذلك في حال تجاهل عقله لجسده الخاص؟

 

أجسادنا تعكس معاناتنا

 

مثال: إن الشعور بالضيم والاستياء يسبب "ضغطاً" في الصدر بغض النظر سواء أظهر المرء استياءه للناس أو لم يُظهره. وبعد مرور بعض الوقت، وفي حال استمر الشعور بالضيم دون أن يتم التعبير عنه، يمكن أن ينشأ ألم بين لوحي الكتف. قد يذهب المريض إلى المعالج الفيزيائي وسوف تخفف جلسات التدليك درجة الألم ولكن بشكل مؤقت. وقد يتم تشخيص غير دقيق للمريض "انقراص في الفقرات الظهرية". ولكنه لن يشعر بالتحسن الجدي وسيبقى الألم طالما لم يزيل الحصار الصدري لديه.

 

مثال آخر: إن الرقابة الدائمة والشديدة من قبل العقل على الانفعالات تؤدي إلى تشكل حصار رقبي. والرقبة " المضغوطة " بدورها سوف تؤدي إلى التحدب وستسبب آلاماً في الرقبة وأمراضاً في المجاري التنفسية العلوية بما في ذلك الرشح والزكام. وقد يتأذى الصوت أيضاً. فهل ستساعد هنا المعالجة الفيزيائية؟ ومن جديد سيتم تشخيص غير صحيح "انقراص الفقرات الرقبية". مع العلم أنه بمقدور هذا الإنسان أن يتعلم التعبير عن مشاعره وعن انفعالاته وأن يمتنع عن ضغط "صراخه وبكائه" (لهذا يقال "ثمة شيء تعسر في الحلق")...

 

ماذا يقترح العلاج النفسي ذات التوجه الجسدي؟

 

إن معرفة الوحدة بين النفس والجسد لا تسمح في مجال العلاج النفسي ذي التوجه الجسدي بتشخيص الأسباب السيكولوجية للأمراض الجسمانية وحسب، بل وتسمح بإزالتها أيضاً. فالمعروف أنه يمكن إزالة الحصار العضلي، وأن بالإمكان تدريب الإنسان على التعبير عن مشاعره وانفعالاته الخاصة المكبوتة.

 

لا يمكننا جعل الحركات سهلة ورشيقة بمجرد أن نجلس على المقعد أو في كرسي وثير ونحن نتحدث عن معاناتنا ومشاكلنا. إن مثل هذا الحديث ضروري ومفيد، ولكن من الضروري أن تتم محاربة التوتر العضلي المزمن مع ما يرافقه من فقدان في اللياقة والرشاقة وذلك أثناء الحركة.

 

"إن جميع الانفعالات تنتمي إلى الجسد. أما العقل فيعترف بها فقط" – د. لورانس

 

صعِّر وجهك

 

نقترب من المرآة. نتفحص باهتمام ملامح الوجه التي تشكلت عير السنين. ما هي الانفعالات التي تعكسها؟ هل الحاجبان مرتفعين؟ من الدهشة أم بدافع الخوف؟ وربما هما مقطبان؟ من الاحتقان والغيظ؟ هل زاويتا الفم منخفضتين؟ بسبب الحزن والغصة؟ أم أن الابتسامة ارتسمت لسنوات على الشفاه؟ وهل تبتسم العينان حينذاك؟ أم الشفتان فقط؟ وربما إن العينين مفتوحتان على اتساعهما؟ من الخوف؟ وهل الشفاه مقلوبتان للخارج؟ من القرف؟ أم بسبب التوتر هما مذمومتان وقد تحولتا إلى خط رفيع؟ من الغل والسخط؟ وهل الوجنتان منفوختان؟ كما عند الطفل الذي يكاد ينفجر بالبكاء؟ أم أن الوجه ضمر وتدبب وتقلصت عضلاته؟ من الألم والمعاناة؟ لنعاين... هل هو تعبير عن وجه الشخص الذي يريد أن يكشر عن أنيابه؟ وربما أن ينتحب؟

 

لنبقى منتبهين لأنفسنا...

 

"على كل إنسان، وبهدف المحافظة على الصحة النفسية، أن يصعِّر وجهه (يتجقم بالعامية) لصورته في المرآة لا أقل من ثلاث دقائق يومياً. وحدهم البلهاء وكل القاصرين عقلياً غير قادرين على تصعير الوجه". أ. يانوف