الامتحانات..المعاناة والأمل

الامتحانات ..المعاناة والأمل

محمد مرسي

يقبل الصيف بحرارته ويقترب موعد امتحانات نهاية العام الدراسي، فتنتاب البيوت حالة اضطراب وقلق وترقّب ربما صاحبها شيء من توتر الأعصاب، وكأن موعد الامتحانات كان مفاجأة للجميع.

ومن هنا تتكرر نفس الأسئلة: كيف نذاكر؟ وكيف نخفف من الضغط العصبي في هذه الأيام؟ وما هو السبيل للوصول لأفضل طرق المذاكرة والتحصيل؟ إلى غير ذلك من علامات الاستفهام التي ترسم ملاح الحيرة على وجوه أبنائنا الطلاب، وكذا أولياء أمورهم، مما حدانا للتوجه إلى الخبراء والمختصين لتبديد هذه المخاوف والاسترشاد بما يؤدي ـ بإذن الله ـ إلى أفضل النتائج في تلك الامتحانات ..



في البداية يحدثنا الداعية والباحث الشيخ مصطفى الأزهري عن بعض النصائح المطلوبة لتحقيق النتائج المرجوة فيقول:

أولاً: يجب أن نعدّل ـ من الأساس ـ نظرة أبنائنا الطلاب إلى التحصيل العلمي، وأن نرسخ فيهم أن "طلب العلم فريضة على كل مسلم"؛ فيتساوى في بنائهم النفسي والفكري أداء الصلاة مع العكوف على الكتاب للتحصيل، وذلك بالضرورة يُنشئ في نفوس الأبناء الشعور بالمعنى العميق لمفهوم العبودية لله في تحصيل المذاكرة، وذلك في ظني هو من أكبر الدوافع النفسية للأداء والتحصيل، كما أنصح الطلاب بالارتباط بالقرآن الكريم؛ خصوصاً في هذه الأيام قبل بدء المذاكرة، وكذلك الاستمتاع بصلاة الفجر، ثم بداية استذكار الدروس مع أنفاس الصباح الطيب المبارك، كما أنصح الوالدين بعدم توتير أجواء البيت بشد أعصاب الأبناء والإلحاح على المذاكرة، مع التقليل ما أمكن من لهجات العصبية، مع استخدام الألفاظ السهلة في التعامل، وتخفيف العبء النفسي على الأبناء بأن يسمعوهم الدعاء لهم بين الحين والآخر.

خطة المذاكرة في الامتحانات

تقول الدكتورة فؤادة هدية أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس: إنه مهم للغاية من الناحية النفسية للطالب أو التلميذ المقبل على امتحانات نهاية العام أن يضع الطالب خطة عمل يجب أن يتمسك بها- وبمرونة- حتى لا يُصاب بالإحباط والضيق، وذلك لأنه في الغالب لن يستطيع تنفيذ خطة عمله نظراً للمذاكرة، وأحياناً ينشغل التلاميذ باللعب ومشاهدة التلفاز.
وهناك بعض الطلاب يضعون جدول المذاكرة حسب درجة استيعابهم للمواد الدراسية، فهناك طالب قادر على الحفظ، وهناك آخر قادر على الفهم ولا يستطيع الحفظ، فكل منهما يضع جدوله بناء على درجة معرفته لظروفه ووقته ودرجة استيعابه أيضاً، وعموماً فإن المذاكرة الجادّة تكشف للطالب مدى مناسبة خطة العمل التي وضعها، وكلّما كان الطالب نشيطاً كان أكثر إنجازاً مما يعطيه دفعة إلى الأمام، أما من يؤجل تنفيذ خطة عمله من يوم إلى آخر فستجده يقع في فخ كسله وإهماله، وتسرقه الأيام القليلة المتبقية على الامتحان؛ مما يصيبه بالارتباك، ولذلك أنصح الطالب بأنه إذا وضع خطة للمذاكرة فعليه أن يطبقها دون أن يقسو على نفسه، وأن يجعل وقتاً للفسحة والراحة يتخلل الأوقات التي تفصل بين كل مادة وأخرى.


وتشير الدكتورة فؤادة إلى أن هناك من الطلبة أو التلاميذ من يضع جدولاً للمذاكرة لتسكين ضميره؛ فهو لا يقوم بتنفيذ خطته على الإطلاق معتبراً مجرد وضع هذا الجدول يخلصه من مسؤولية المذاكرة، وفي الغالب سنجد أن هذا الطالب يعاني من صعوبات نفسية أهمها: قلق المذاكرة ورهبة الامتحان، ويعاني أيضاً من انخفاض في تقدير الذات؛ فإنجاز العمل يعتمد على ثقته بنفسه، وعدم مقارنة مجهوده بمجهود الآخرين من رفاقه؛ لذا أنصح الطالب بألاّ ينظر إلى غيره أو يستمع إلى أحد -ربما يكون يكذب عليه - في مدى إنجاز مذاكرته، وأنصحه بألاّ يدع الوقت يمر وهو يفكر كيف سيذاكر، فكلما مر الوقت وهو يجتر أفكاراً سلبية بأنه لن يستطيع إنجاز شيء في المذاكرة ازدادت المشكلة وتعقّدت أكثر، ويجب ألاّ يخشى التلميذ المذاكرة، وإذا كان خائفاً من مادة ما فعليه أن يسرع إلى فتح كتابها والتغلب على خوفه ورهبته من هذه المادة، وعلى الأهل أيضاً مساعدة أبنائهم على إنجاز خطة العمل التي وضعوها.

دور الأسرة

أما عن دور الأسرة في تدعيم الجو النفسي لأبنائهم أثناء الاستعداد للامتحانات فتقول الدكتورة كاميليا عبد الفتاح ـ أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس: إن العلاقة بين الآباء والأمهات وأولادهم يجب ألاّ يشوبها التوتر والضغوط التي تنتج عن المذاكرة معهم، فليس دور الأم أن تكون المعلمة؛ فهذا أخطر شيء، ويمكنها أن توجه ابنها من بعيد، وتتصل بالمدرسين، وهناك دراسة قامت بها باحثة على أمهات مصريات يذاكرن لأولادهن سجلت بعض الحالات أنها تذاكر لابنها وبينهما "الشبشب" الذي يتحدث وقت اللزوم، وذلك بالطبع يتسبب في خلل في العلاقة، ويجب أن تنسحب الآن تدريجياً من أمام الطفل، وتضع بديلاً لها كأن تقول له: عد للمدرسة لتشرح لك مرة أخرى الدرس مع متابعته، وتؤكد له ضرورة اعتماده على نفسه، وتدربه على طريقة المذاكرة السليمة.


وتضيف الدكتورة عزة خليل ـ المدرس بكلية البنات جامعة عين شمس قسم تربية الطفل: إن أكبر ورطة هي مساعدة الأولاد في المذاكر والتدخل فيها، وذلك يجعلهم يعدون الأمر "مشكلة ماما وبابا" لا يذاكر دونهما، وذلك أمر خطير. فهل سيستمر الأهل في المذاكرة لهم في الجامعة؟ فمن البداية لا بد أن أعوّده على المذاكرة معتمداً على نفسه، وأتابعه، وأضع له مواعيد ومعايير

فمثلاً: لو لم يُنه واجباته واستذكاره قبل التاسعة ألومه بأن ينام في الموعد المحدد وعدم أداء واجباته هي مسؤوليته، ويتوجب عليه مواجهة معلمته عندما تسأله عنها، ولا أساعده إلا إذا واجه صعوبة أو عدم فهم، وأباشره من حيث نظافة الكراسة والخط واستكمال اللازم، وبالطبع المذاكرة للأولاد أمر يحوّل البيت إلى جحيم من حيث الضغوط التي تتعرض لها الأم والأب، فيفقدان أعصابهما، ويؤثر ذلك سلباً على الأبناء، فيفقدون التركيز، ويختنقون من المحاصرة التي يتعرضون لها، وقد يؤدي ذلك إلى الإخفاق الدراسي، وعدم الرغبة في المذاكرة، أو يستفزوهم من ناحية أخرى ليردوا لهم ما قاموا به من سلوك انفعالي، وضغوط عليهم للاستذكار، وذلك يعكس سوء العلاقة، والطريقة السليمة هي المتابعة مع المدرسة، وإذا اكتشفت الأم عدم أداء ابنها الواجب تلزمه بعمله، وتؤكد له أنها سترى ما فعل، ويجب ألاّ تتحول البيوت إلى مدارس؛ فلكل دوره ومسؤولية الأم والأب هي المتابعة وليس التدريس.

الاعتماد على النفس

وفي إطار توجيه الأسر أبناءها إلى الاعتماد على النفس، والخروج من شرنقة الاتكاء على الوالدين، يرى الدكتور محمود حمودة أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر أن من الأفضل أن تنمي الأسرة في طفلها الاعتماد على النفس في كل أمور حياته، وتقليل اعتماده عليهم حتى لا تضعف ثقته بنفسه، ويصبح متشككاً في قدراته الذهنية، وأنه لا يستطيع إنجاز الدرس بعيداً عن أهله، وعلى الأم والأب البدء بوضع ابنهما من الحضانة على الطريق الصحيح، واتخاذ دور الموجه والمرشد، وليس دور المشارك الفاعل حتى لا يتحول الطفل إلى مفعول به مسلوب الإرادة مستسلماً للوضع بواسطة الآخرين، ويترتب على ذلك عدم الشعور بالمسؤولية تجاه مستقبله، ويصطدم فيما بعد بالعقبات الدراسية، ولذلك فيجب أن نعدّ أبناءنا لمواجهة مستقبلهم، ونحترم عقولهم، وننمي لديهم الاستقلالية، وإلاّ ستكون العواقب وخيمة؛ فهناك عدة نماذج لضحايا هذا النظام الخاطئ، مثل طالب الثانوية العامة الذي لا يستطيع المذاكرة إلا بوجود أمه إلى جانبه، على الرغم من أنها قد تكون أمية لا تعرف القراءة ولا الكتابة، وتضطر إلى النوم على المقعد حتى يذاكر، وإذا تركت الحجرة لا يستطيع المذاكرة، وذلك لأنه اعتاد عليها، ولم يكن في داخله الدافع الذي يكفي لكي يثابر، ويذاكر من أجل مستقبله.

 

نوافذ

أولادنا -الامتحانات ..المعاناة والأمل