الاستطاعة والإبداعية الداخليتان لدى الرجل

(المرأة في الرجل)... هذا ما يُعرّف به الجزء المؤنث من شخصية الرجل، وهو تعريف ينبذه كثير من الرجال بصورة مسبقة، لأنه يبرز ظلاً خفيفاً من "إضفاء الأنوثة" وذلك أمر يصعب عليهم احتماله، لكن هناك سوء فهم، فالجزء المؤنث من شخصية الرجل هو " قطبه المؤنث"،



 وذلك أمر لا علاقة له بالضعف بل على العكس، إن ذكاء الرجل وعقله دون جزء مؤنث مرتب ودون طاقته الكامنة لن يكون سوى ثمرة جافة، حتى ولو كانت براقة أحياناً فهي جافة مع ذلك!

ما الجزء المؤنث من شخصية الرجل؟؟ إنه الكمون الداخلي، وهذا الجزء يضم شبكة الإحساسات، إنه رادار الرجل، وإن إحساسه بالحياة إيجاباً أو سلباً يتم بواسطته، وثمة ما هو أكثر، فالرجل إنما يبني نفسه أو يدمرها بواسطة جزئه المؤنث، ومع ذلك في تسع حالات من عشر لا يعلم شيئاً عن هذا الوضع ولا يعرف سبب ذلك.
أيضاً يُحدث الجزء المؤنث من شخصية الذكر ما يكفي من المآسي (حب مفاجئ يترك مكانه مرارة، صنوف من الحب الأحمق الهدام، رجال يضيعون في "حب" عبث، أسر تتكون من زوجين وعشيقة....إلخ)، لذلك يستحق التوقف طويلاً رغم صعوبة فهم كل هذا فهماً عقلانياً.
إن "الأم" هي المكونة الأولى للجزء المؤنث، إنها المرأة الأولى التي تلوِّن القطب المؤنث للصبي، وهي الصورة الأنثوية الأولى. و موقف الأم العميق اتجاه الحياة سيكون موضع التقاط الطفل، وسيكون الجزء المؤنث بالمقابل متأثراً بموقف الصبي إزاء أمه تأثراً قوياً. فهل يحس الصبي بأمه على أنها قوة مطلقة؟ إيجابية؟ ذات تأثير سلبي؟ سلبية؟
وهكذا يتشكل الجزء المؤنث من شخصية الصبي الذي تتداخل نفسه مع نفس الأم. وتظهر وجوه نسائية أخرى عديدة، فمنها وجوه الأخوات والقريبات، وثمة وجوه المعلمات المحبوبات أو المرغوبات، وأيضاً بنيات الحب الطفولي اللواتي لا ينساهن الإنسان أبداً. ولكن التأثر الرئيسي يظل دائماً تأثير الأم. ولابد من التأكيد بأن سلوك الرجل اتجاه "الحياة" و"النساء" و"الحب" مرتبط بتكوين جزئه المؤنث تكويناً جيداً أو رديئاً.
أولاً- الرجل ذو الجزء المؤنث السلبي
من هذا الرجل؟؟ إنه على الغالب ضحية أم "ملتهمة"، مهددة وطاغية وخانقة، حيث يقتضي عليه دوماً تقديم الضمانات اللازمة قبل أن يمضي بعيداً (باتجاه حياة الرشد)
رجل ذو جزء مؤنث متخثر وغامض، نلاحظ أن اعتدال مزاجه منسي منذ زمن طويل، صاحب نزوة شبيه بعض الشبه بطفل سريع الغضب. ويغطي كل شيء لديه سلوك متصلب، مظهره الرجولي بمغالاة يخدعه ويخدع الآخرين، سريع التهيج، فظ وحقود... لكن الدموع تعلو عينيه لأتفه الأمور.
إنه مستبد عن طيب خاطر اتجاه امرأته وأولاده، ولكنه يصبح بسرعة كبيرة ذا عذوبة تثير الظن. لديه خوف من أن يكون "موضع الخديعة " لذلك لديه نزعة مكتسبة إلى "خداع" الغير بفضلها يصبح على الغالب رجل أعمال ممتاز.
لديه مظاهر من الرجولة الزائفة، وهو العدو اللدود للنساء مادام يخافهن، ولكنه يبهرهن بتقديم آيات الاحترام والتبجيل وأشكال المجاملات الأخرى. وهو سيبحث عن النساء الخفيفات اللواتي لا يخافهن كثيراً، ولكنه يسرع في الانسحاب أمام امرأة كاملة وجميلة. هذا الرجل فقد اتصاله الحقيقي مع قوى الحياة والحب، فالحياة بالنسبة إليه ضرب من التهديد، وخوفه من الآخرين كبيراً. لقد أسقط أمه على كل شيء!! والحقيقة أن جزءاً مؤنثاً سلبياً يفصل الرجل عن أكثر وظائفه الداخلية أهمية وهي: الأمل.
ثانياً- الرجل ذو الجزء المؤنث الإيجابي
نلاحظ هنا مرحلتين:
المرحلة الأولى: الجزء المؤنث الإيجابي غير المندمج بالشخصية.
صورة المرأة ليست خطرة ولا مهددة ولا غامضة، إنها تصبح عذبة ورومانسية وذات حنين حزين. قد يكون الرجل ابن لامرأة حنون وعطوف ولكنها هائمة في معنى الحياة بافتقاد ما.
الجزء المؤنث من شخصية الرجل يظل لاشعورياً ومدفوناً في الشخصية، وبوصفه لاشعورياً يبدأ الإسقاط، ولا بد من التكرار بأن الإسقاط هو إعطاء الآخرين خصائص غير موجودة إلا في إحساس المرء اللاشعوري.
إنها مرحلة البحث اللاشعوري عن الذات، هذا الرجل يبحث عن نفسه ويجازف أن يجدها خارج ذاته لا داخلها، حيث يحس في أعماقه أن حبه الكبير موجود في مكان ما.
والجزء المؤنث من شخصية الرجل يضفي المثالية على المرأة التي تم الإسقاط عليها، فإذا تطابقت هذه المرأة مع المثال، أصبحت حقاً تلك التي كان ينتظرها الرجل منذ الأزل!! وإذا كانت لا تطابق الإسقاط، فذلك هو الانهيار السريع، انهيار "الحب الكبير" مع الآلام الداخلية الشديدة التي يفترضها ذلك.
إذا نجح الرجل في تطهير نفسه من الإسقاطات فإنه يفلح عندئذ في أن يجعل جزءه المؤنث يصعد باتجاه المرحلة الثانية.
 
المرحلة الثانية: الجزء المؤنث الإيجابي الذي يسيل مع الشخصية ويندمج بها.
الأم التي تهب الحياة أعطته وعد الحياة!! إنه الرجل المنبسط المفعم بالقيم الأساسية للحياة بما لديها من ضروب الكمون والوعود، والجزء المؤنث لا يجري إسقاطه، وإنما يصبح جزءاً لا يتجزأ من الشخصية يشارك في كل انبعاثات النفس المتجددة. ونرى صورة الأنوثة في استطاعتها وإبداعيتها الكليان.

المصدر: موقع نساء سوريا