الادارة فن لا يعترف به العرب المعاصرون

 

إن موضوع الإدارة لافت للنظر لسببين على الأقل,الأول: أن كثيرين من المهتمين بالشأن العام يعتقدون ويصرحون بأهمية فهمنا – كعرب – للإدارة الحديثة كخطوة ضرورية للتنمية المنشودة.


 

الثاني: أن العالم كله من حولنا يضج بالكتب والندوات والمؤتمرات الت يتؤكد أهمية الإدارة الحديثة.
ويقول بعضنا للبعض الآخر إن هناك نمطاً من الإدارة اليابانية هو الذي كان,ولازال,خلف المعجزة الاقتصادية التي حققتها اليابان,وإن هناك إدارة كورية (جنوبية),وهناك إدارة في دول النمور الاسيوية,هي التي حققت القفزة الاقتصادية والتنموية لهذه النمور,بل إن دولاً في الغرب على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا يتحدث سياسيوها وأهل الصناعة فيها عن الأهمية المركزية للإدارة.
بل وأخال أن الحديث المتشعب عن والطويل الذي نسمع أصداءه في بلداننا العربية,عن (الخصخصة) في المشروعات الإنتاجية والخدمية ,أساسه (الإدارة).
لذا فإن عدم التفاتنا الى نشر كتب أو مقالات عن الإدارة في العصر الحديث,هو قصور ينبغي مواجهته,لامداراته,فالمواجهة قد تكون أول مؤشرات الإدراك أو أوضح علامات الاتجاه اليه.
واليوم يدخل المتسابقون السياسيون في الغرب الانتخابات الكبرى تحت شعارات تتلخص في مضمون الإجابة عن سؤالين :حكومة كبيرة ومتشعبة,أم حكومة صغيرة تدير المهم من أمور المجتمع وتترك الباقي للإدارة الخاصة ؟ والجميع – أو من يريد أن ينجح على الأقل في تلك الانتخابات – يختارون شعار تقليص دور الحكومة الكبير,والتوجيه الى الدعوة بأن تكون اختصاصات الحكومة في الأمور الأساسية لتوجيه دفة المجتمع.بل ,إنك موافق معي على أن انهيار فكرة الادراة المركزية هي في صلب عملية انهيار الدول الاشتراكية,فقد تراكمت أثقال ونقائض تلك الادارة المركزية,الى درجة ضغطت على أنفاس المواطنين دون أن تقدم لهم في المقابل انتاجاً أو خدمات يوازنون بها احتمالهم تلك المركزية,فتخلصوا نهائياً منها ولو بالقفز الى المجهول.
نقص الاهتمام بمفهوم الإدارة لدى النخبة العربية ظاهر للعين,فالإدارة,ولو أن لها أقساماً تدرس فيها في الجامعات وتتناولها بعض الدوريات المتخصصة,إلا أنها تكاد تقتصر على المتخصصين,فلا وجود لمعلومات مبسطة عنها منشورة في الصحف السيارة,ولا هي بالموضوع المتناول بشكل عام في المجلات والكتب,كما أن المنشور عنها في كتبها المتخصصة أو مجلاتها هو بلغة تكاد تكون غير مفهومة إلا لخاصة المعنين بها أكاديمياً,إضافة الى عسرها التعبيري لكثرة الترجمات الجامدة والحرفية بينها,وقلة الإبداع والابتكار باللغة العربية في مجالها.
وسواء كنت تعمل في نطاق أسرتك – كربة البيت – أو في وظيفة حكومية أو في بقالة صغيرة أو مستوصف أو مدرسة أو في أي مكان وبأي نشاط فأنت تدير قواعد نجاحك في الإدارة – سواء كانت لمؤسسة صغيرة أو مصنع كبير – هي تقريباً القواعد نفسها,والإدارة إدارتان ,إدارة بشر وإدارة موارد,وإدارة البشر مقدمة على إدارة الموارد ,ولكن الاثنتين تكملان بعضهما بعضاً.
لقد خضنا – نحن العرب – حروباً عديدة في العقود الأربعة الماضية وكان مافشلنا فيه هو إدارة الجيوش,فأنت تقرأ اليوم مذكرات القادة,وقصص الزعماء,فتعرف أن الجيش الذي حارب كانت تنقصه الذخيرة أو الحروب.
ثم تقرأ عن معاهدات السلم التي وقعت وتقرأ عن نقائصها وثغراتها وكل ذاك مرجعه نقص في إدارة مفاوضات السلام!.
وتقرأ عن فشل المؤسسات في تحقيق أهدافها الصناعية والخدمية والتعليمية والاعلامية,وهو نقص اساسي في إدارة تلك المؤسسات من حيث البشر أو الموارد,أو كليهما معاً.
وأن أكبر معوق لنجاح الإدارة في مؤسساتنا العربية هو عدن اعترافنا بأهمية دور هذه الإرادة,وقد قيل :عندما تقلل من قدرات عدوك يهزمك.وقد قللنا من أهمية الإدارة حتى هزمتنا.
هناك تجارب عديدة توضح مدى مساهمة الإدارة في إنجاح أي مشروع سواء كان صناعياً,أو خدمياً أو سياسياً,ولكن عوامل ذلك النجاح هي عوامل مغموسة – إن شئت القول – في ثقافة ذاك المجتمع الذي تحقق فيه نجاح ذلك المشروع وفي فترة زمنية بعينها.
ذلك أن نجاح الإدارة فيه شيء من الإبداع النابع من ظروف المجتمع في تلك الفترة الزمنية المرجعية.
فأنت إن قرأت كتاباً في الإدارة الناجحة في بلد مثل الولايات المتحدة أو اليابان لن تستطيع,مهما اوتيت من قدرة على النقل,ان تنجح تلك التجربة بحذافيرها في مجتمعك,لسبب بسيط هو ان ظروف مجتمعك تختلف في عناصرها عن ذلك المجتمع الذي نقلت من المبادىء الناجحة.
نعم تستطيع أن تنقل الفكرة مع تحويرها ومواءمتها مع العناصر الثقافية في مجتمعك.خذ مثلاً التمرينات الرياضية المشهورة التي يقوم بها العمال والموظفون صباحاً في معظم المؤسسات اليابانية,وهي هناك تؤدي الى وظيفة شحن الطاقات وتهيئتها قبل البدء في يوم العمل,مع أناشيد قصيرة لرفع الروح المعنوية.
مثل هذه الممارسة يرفضها ثقافياً العامل أو الموظف العربي,كما يمكن أن يحدث عندما ننظر اليها نحن في هذه المنطقة من العالم ونعتبرها – على الارجح – محاولة قد لاتأتي بمردود إنتاجي ما.
إذن ,هناك قيم في المجتمع إيجابية وأخرى سلبية تخدم أو تعوق الإدارة,وعلينا أن نبحث عنها,ونطور وسائل فعالة لتقليل القيم السلبية وتعزيز القيم الايجابية,او بناء قيم ايجابية جديدة تجاه العمل والإنتاج تقود الى تحقيق النتائج المرجوة,وتلك العملية هي ابتكار وزيادة في الإدارة.
طريق افضل في الإدارة العربية,هي على سبيل المثال لا الحصر: أن الانسان – أي انسان – لديه رغبة ايجابية – سواء كان مقدم الخدمة أو متلقيها – في ان يكون جزءاً من نظام ناجح,كيف يمكن أن نستفيد من هذه الرغبة,التي تكاد تكون طبيعية,في تقديم ادارة افضل؟ وهناك قيم حب المشاركة,فالإنسان يريد أن يساهم في السلطة – أيا كانت – في اسرة أو وظيفة أو مجتمع,ومن يحرم من المشاركة اما ان ينتظم في تيار مضاد لتلك السلطة,أو يعتريه شعور بعدم الاهتمام والاهمال,لذلك فإن مشاركة العاملين – في سلطة المؤسسة – تمثل قيمة إيجابية لإنجاح نشاطها,والمشاركة في الإدراة لا تعني تمثيلهم في مجلس الإدارة,بقدر ماتعني مخاطبة إيجابية لمشاعرهم تعزز من سلوكهم الإيجابي وتحفزهم على النهوض بالأدوار المحددة لهم في المؤسسة العامة أو الخاصة,وبذلك يشاركون في إنجاح أهدافها.
المصدر: شباب عالنت