الاختلاف لا يفسد للود قضية

 

عادة ما نسمع هذه الحكمة ولكن بزيادة: الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وقد آثرت حذف ما حذفت لأنني لا أتعرّض لقضية اختلاف في الرأي وحسب ولكن للاختلاف في الطبيعة ذاتها، وأقصد طبيعة الرجل والمرأة. إن علم النفس والاجتماع وغيرهما من العلوم يقولون إن المرأة و الرجل مختلفان وأن أوجه الاختلاف بينهما كثيرة وفي مجالات متعددة.



 

ولعل هذا الاختلاف هو الذي يسبب في كثير من الأحيان الصدام بينهما، ونحن نريد في هذا المقال أن نقول أن الاختلاف بين الرجل والمرأة لا ينبغي أن يكون مدعاة للصدام المستمر، فنحن لا نريد صداماً أصلاً، وإذا حدث لا نريد له أن يستمر أو أن يصبغ الحياة، لأنه من المفروض أن العلاقة بين الرجل والمرأة هي علاقة السكينة والرحمة والود. قال تعالى : "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون." الروم 21، فكفانا صدام وكفانا شقاق وكفانا طلاق، وكفانا خراب للبيوت، وضياع للأولاد، وشقاء للعائلات، وتحطيم للمجتمع!

 

إننا نريد بادىء ذي بدء – أن نفهم هذه الاختلافات التي بيننا فهماً جيداً وعميقاً، ونريد أن نقر هذه الاختلافات وأن نتعلم كيف نتعامل معها بشكل إيحابي، وهذا هو لب الموضوع. كيف نكون مختلفين، وكيف لا يفرق بيننا هذا الاختلاف، يقول أحد علماء علم الاجتماع أن أحد أكبر الفروق بين الرجل والمرأة هو كيفية التعامل مع الضغوط. فبينما يزداد الرجل تركيزاً وانصرافاً، تصبح المرأة مرتبكة ومنفعلة.

 

يختلف ما يحتاجه الرجل ليشعر بالتحسن عما تحتاجه المرأة في مثل تلك الأوقات، يشعر الرجل بالتحسن عندما ينجح في حل مشاكله، بينما تشعر المرأة بالتحسن عندما تتحدث عن مشاعرها. عدم تفهمنا هذا الاختلاف وعدم تقبلنا له، يسبب خلافات نحن في غنى عنها في علاقتنا. ثم يدعونا صاحب هذا الرأي – إلى أن نلقي نظرة على مثال شائع يقول فيه: عندما يعود الرجل إلى البيت يريد أن يسترخي مثلاً – بقراءة الجريدة، محاولاً بذلك أن يصرف ذهنه عن مشاكل يومه التي أحاطت به. وكذلك تكون زوجه التي تريد هي أيضاً الاسترخاء من عناء يومها ولكنها تفعل ذلك بتصريف انفعالاتها بالحديث عن تلك المشاكل التي واجهتها في يومها هذا.

 

فنحن الآن أمام طرف صامت يقلب الجريدة، وطرف يتحدث ويريد من الآخر مشاركته في حديثه. فيبدأ التوتر نتيجة لهذا الاختلاف في المواقف يخيم على الأجواء، فالرجل يري أن امرأته تتحدث كثيراً وتشغله بمشاكل هو في غنى عن الاستماع إليها، خصوصاً في هذا التوقيت الذي لا يحتمل فيه إلا الراحة، والمرأة تشعر أن زوجها يتجاهلها ولا يلقي لها ولا لأحاسيسها بالاً.

 

إن حل هذه المشكلة لا يعتمد على مدى حب كل طرف للآخر، وإنما على مدى فهم كل منهما للآخر. إذا لم يستوعب الرجل حقيقة أن المرأة في حاجة للتحدث عن مشاكلها لكي تشعر بالتحسن، سيستمر في اعتقاده أن زوجه كثيرة الكلام، وأنها لا تراعي مدى الإرهاق الذي هو عليه، وأنها أنانية تريد أن تسحبه إلى مشاكلها بغض النظر عن حالة التعب التي هو فيها، وسيرفض نتيجة لهذا الاعتقاد الاستماع إليها وستزداد الأمور سوءا بينهما، كذلك المرأة؛ إذا لم تدرك أن الرجل يتعامل مع الضغوط بالانسحاب للتركيز وإيجاد الحلول فستستمر في حديثها وستستمر في اعتقادها بتجاهل وإهمال زوجها لها، بل لعلها تذهب إلى أبعد من ذلك وتحاول دفعه إلى الكلام معها دفعاً، وهو الأمر الذي سيزيد الطين بله.

 

وأنتقل إلى قضية اختلاف أخرى بين الرجال والنساء وهي قضية الحديث بلغتين مختلفتين؛ ولا أريد أن يستغرب قارىء أو قارئة المقال من هذه القضية الخلافية. إن الرجال والنساء يستخدمون لغة لها نفس الكلمات ولكن طرق استعمالها تعطيها معاني مختلفة، فالتعبيرات متماثلة لكن المضامين مختلفة، فالمرأة تلجأ للتشبيهات والاستعارات والتعميمات لتعبر عن مشاعرها في حين أن الرجل لا يفعل ذلك، فالكلام عنده معلومة والمعلومة إما تكون صحيحة أو غير صحيحة، فإذا قالت المرأة مثلا: إننا لا نخرج أبداً، فهي لا تقصد أبداً معناها الحرفي المعلوماتي، ولكنها تعبر عن إحساسها بالضيق وحاجتها للتنفيس والترويح ومشاركة زوجها.

 

أما أبداً بالنسبة للرجل فمعناها كمعنى معلوماتي. بتاتاً. ولذا فإنه يبادرها إذا لم يكن ذلك صحيحاً، بل خرجنا الأسبوع الماضي. وبالطبع سترد عليه بأنني لا أقصد لم نخرج بتاتاً بل إننا في حاجة للخروج وأن خروجنا قليل وهو لن يترك هذه الفرصة حتى يرد عليها: إذاً قولي ذلك، قولي إننا في حاجة إلي الخروج ولا تقولي إننا لا نخرج أبداً، لأن ذلك يشعرني أني مقصر في حقك وأنني لا أراعيكي، رغم أني أحاول ذلك جاهداً.

 

ولأن الموضوع لا ينتهي عند هذا الحد فلن تلبث ترد عليه بقولها: خلاص انتهينا لن أقول لك أي شيء بعد ذلك لا خروج ولا دخول ولا غيرهما، وإن أردت أن أقطع لساني لتستريح فسوف أفعل، دا أنت إنسان غريب! وتتأزم المواقف وتتصاعد إلى المدى الذي يعرفه الجميع! عبارة ثانية أؤكد بها المعنى وهي عبارة المرأة: الجميع يتجاهلني... إن هذه العبارة معناها الحرفي للرجل، أنه لا أحد على الإطلاق يهتم أو يتعاطف معي. أما بالنسبة للمرأة فمعناها أنني أحتاج إلى مزيد من الاهتمام والتعاطف. وشتان الفرق بين المضمونين.

 

إن المرأة باستخدامها هذه التعميمات تدفع الرجل لأن يكون رد فعله عدائياً وغير متعاطف، لأنها تنقل إليه حالة إحباط وعدم رضا، لا يفهم سببها، فما العمل؟ على الرجل أن يتفهم هذه الحقيقة في المرأة وعليه – بالتجربة – أن يسجل الترجمة في قاموسه، وأن يراجع هذه الترجمة المرة تلو المرة حتى لا يصعّد الموضوع، ولا يبادر زوجه بما يستثيرها، وعلى المرأة كذلك أن تحاول أن تعبر عن احتياجاتها ومشاعرها بطريقة أقصر وأوضح، فمثلا إذا أرادت الخروج، أن تقول "يا حبذا لو نخرج اليوم سوياً" وإذا أرادت مزيد اهتمام أن تقول "إنني أحتاج إليك" وينبغي ألا تقول: إننا لا نخرج أبداً، أو أن الكل يتجاهلني.

 

إن هذه الأمور رغم أنها تبدو بسيطة إلا أنها تعبر بصدق عن الاختلاف الذي لو لم نفهمه حق فهمه ونحسن التعامل معه فسيفسد للود ألف قضية، وللحديث بقية بإذن الله تعالى... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

عمرو خالد يكتب لمجلة المرأة اليوم بتاريخ 6 أغسطس 2005