الاب.. وإهتمامه بالحاجات الحياتية

يمكن العثور على جذور العديد من الاضطرابات الانحرافات في النقص أو ما عنه بالإفراط والتفريط.  فالإنسان هو ذلك الكائن الذي تحيطه الحاجات والميول. وبذل البعض جهودا مدروسة وصحيحة من أجل توفير تلك الحاجات، ولكن البعض الآخر ليس كذلك.



ويمكن للأعراض الناشئة بسبب التوفير الخاطئ للحاجات أن تؤدي إلى حدوث انحرافات مختلفة وظهور بعض النواقص الأخرى. لذا فإن من وظيفه الأب هو ان يبذل جهده لتوفير هذه الحاجات.

مجالات الإهتمام: ثمة اهتمامات عديدة في المجال الحياتي ينبغي على الأب أن يلتفت إليها، لكننا سنشير فيما يلي إلى بعض منها:

1- إهتمامه بالمأكل:

تقع على الأب وظيفة الاهتمام بغذاء الطفل. وأول خطوة هي اهتمامه بطفله الرضيع حتى يستخدم ثديي أمه، بل وفرض الإسلام على الأب أن يقدم الأجر للأم فيما لو طالبة بذلك. ويساهم الغذاء في بناء روحية الطفل وسماته الأخلاقية، حيث أن قابلية القيام بالأعمال الصالحة تعتمد كما يشير القرآن على اللقمة الحلال والطعام الطاهر.

فالغذاء يؤثر على البناء الجسمي والذهني للإنسان، وان النقص في بعض المواد الغذائية يؤدي إلى حدوث قصور وتخلف حتى في الذكاء أيضا. وقد أكد الإسلام على الأب بضرورة إشباع عين الطفل وقلبه، وأن يطعمه من مختلف الفواكه الموجودة لكي يمنع انحرافه ونظره إلى أيدي الناس، أو أن يخسر الولد نفسه من خلال لقمة يتناولها عند الآخرين فيستسلم لهم، وهنا أمثلة عديدة على ذلك.

2- الإهتمام بالملبس:

إن جميع الآباء يهتمون بتوفير الملبس لأولادهم ويجب أن لا ننسى بأن الإسلام أكد على ذلك كثيرا. وتكون الملابس في سنوات الطفولة المبكرة وسيلة لوقاية الجسم من البرد والحر والمحافظة على صحة الطفل. لذا ينبغي أن تكون الملابس الداخلية بيضاء كي تكشف عن النظافة أو عدمها. ومنذ انتهاء السنة الثالثة لا بد أن يكون الاهتمام بالملبس وفق ذوق الطفل لأن ذلك سيشعره باللذه. ويؤكد الإسلام على ضرورة أن لا يؤدي الملبس إلى انحراف المرء ذاته أو قيامه بحرف الآخرين.

ويرفض في نفس الوقت استخدام ملابس الذكور للإناث وملابس الإنات للذكور. ويحذر أيضا من استخدام تلك الملابس الضيقة اللصيقة بالجسم سواء للذكور أو للإناث لتأثيراتها الأخلاقية والحياتية السيئة. ويجب على الوالدين أن لا يختارا لباس الطفل طبقا لذوقهما، فيلبسانه ثوبا يثير السخرية أو لا يليق به، وعليهما أن يسعيا لأن ترتدي البنت منذ صغرها حجابا مناسبا حتى لا تتنفر منه في السنوات القادمة.

3- الإهتمام بالنوم والاستراحة:

يمكن من خلال النوم تحقيق الراحة والسكون. وتعتبر الاستراحة من العوامل المهمة في استعادة القوى والقابلية على ممارسة العمل. ويشعر الإنسان بالأذى والاضطراب بسبب عدم النوم أو الحصول على الاستراحة الكافية. وثمة مفاسد سلوكية وخلقية عديدة تعتري الإنسان بسبب إصابته بالتعب الجسمي أو الذهني المفرط ولا يمكن معالجتها إلا من خلال استراحة طويلة.

يجب على الآباء تنظيم عملية استراحة أولادهم ونومهم، فيطلبوا منهم مثلا النوم مبكرا في الليل بعد الانتهاء من واجباتهم. كما توجد ملاحظات عديدة في موضوع النوم يجب على الآباء الاهتمام بها. إذ لا بد من رعاية الآداب الإسلامية، كالنوم على الظهر وإخراج الرأس واليدين من تحت الغطاء وعدم التقلب في الفراش، وارتداء الملابس المريحة عند النوم؛ وإن هذه الأمور تمنع العديد من الانحرافات.

كما ينبغي التفريق بين الأولاد في المنام وإبعادهم عن غرفة نوم الوالدين، وقيام الأب والأم بالإشراف على موضع نوم الأولاد ومراقبتهما لهم، والطلب منهم بترك الفراش مباشرة لدى الاستيقاظ والذهاب إلى الفراش متى ما شعروا بالنعاس. وتعتبر هذه الملاحظات مهمة لا بد من الاهتمام بها ورعايتها على صلاح الطفل خلقيا وتربويا.

4- الإهتمام بالصحة والنظافة:

وهذه أيضا من الوظائف الرئيسية للوالدين، ويجب على الأب ان يهتم بنظافة ولده لأن النظافة من الإيمان. وان الصحة النفسية تمنع العديد من الأمراض النفسية. وقد تظهر بعض الأعراض بسبب عدم مراعاة مبادىء الصحة والنظافة، فمثلا حري بالأب أن يهتم بنظافة ولده الذكر عند قضاء حاجته، وأن يراقبه في الحمام وفي بيت الخلاء حتى لا يعبث بأعضائه التناسلية. وأن يحذره من تعريض جسمه للأشياء الملوثة وأن يغسل جسمه بالماء الدافىء، ولا يلجأ إلى حك بشرته.

5- الإهتمام بلعب الطفل وحركته:

يحتاج الطفل إلى اللعب والحركة والركض من أجل تحقيق نموه واكتشاف عالمه الجديد وتنمية عضلاته واكتساب المهارة البدنية اللازمة والاطلاع على قابلياته واستعدادته. ويجب أن تكون للطفل حرية مقيدة ومحدودة في مجال لعبه تناسب كافاءته في استخدام تلك اللعبة وأدائها.

وتقع على الأب مسؤولية الاهتمام بنوع اللعب وزمانه ومكانه والجماعة التي يلعب الطفل معها. فاللعب والحركة نافعان ولكن بشرط أن لا يصرف الطفل جل وقته في اللعب. وأن تكون اللعب مناسبا لسن الطفل ويدفعه للصلاح والفضيلة لا أن يفسد أخلاقه ويجره إلى الإنحراف. وأن يكتشف الطفل في ظل اللعب عالمه الخاص ويبني إرادته ويعي حده وقدره.

6- الإهتمام بالسمع والبصر:

قلنا إن حواس الطفل هي كالنوافذ المفتوحة على العالم الخارجي، فتساهم في زيادة معرفته. وما أكثر الإنحرافات والدروس السيئة التي يقتبسها الطفل بسبب مسعه وبصره فتؤدي به إلى الإنحطاط والسقوط.

ليس صحيحا أن يسمع الطفل ما طاب له من كلام أو يقرأ ما استهواه من كتب أو ينظر إلى ما يريد من مشاهد، إذ يجب الاهتمام بسمع الطفل ونظره، ويمكننا أن نقول عن الكتب والمقالات المنحرفة بأنها كللصوص تسرق ثمرة عمل الأب وجهده. وإسلاميا لا يحق للوالدين أن ينظرا طفلهما الرضعي إلى بعض ممارساتهما. فهو قد لا يفهم ما يشاهده في الوقت الحاضر بيد أنه سيدركه غدا ويعمل به ويتمرن عليه.

7- الإهتمام بالسلوك:

إن أطفالنا أعزاء طبعا، ولكن بشرط أن يكونوا مؤدبين وملتزمين بالقواعد والأصول، فقد جاء عن الإمام علي (ع) قوله: "من قل أدبه كثرت مساويه".

يجب على الأب أن يهتم بسلوك ولده فلا يسمح له بالتجرؤ عليه حتى لو كان صغيرا. فهو مسؤول عن بنائه الديني والخلقي والاجتماعي بل وحتى السياسي. وقد جاء عن الإمام الحسن العسكري (ع) قوله: "جرأة الولد على والده في صغره تدعو إلى العقوق في كبره".

والمقصود بالأدب والأخلاق هي تلك المبادىء والأصول التي يؤمن بها الآباء فيقدمونها لأولادهم ويحافظون بواسطتها على أمنهم ويوفرون مقدمات كمالهم، لا أن يلجأوا إلى تفريغ عقدهم بها.

8- الإهتمام بالأوامر والنواهي:

الأصل هو أن تقوم الحياة وفق أسس عادية وطبيعية دون الحاجة إلى الأوامر والنواهي غير أنه قد تحدث بعض المشاكل التي لا يمكن حلها إلا من خلال هذا الطريق.

والشيء المهم هو أن يتناسب الأمر والنهي مع استعداد الطافل واستيعابه وقدرته على البناء، أي أن لا يكون فوق مستوى طاقته وإدراكه وفهمه. وأن يراعي في ذلك حاجة الطفل إلى النمو والتكامل.

ينبغي أن تكون أسس التربية في مراحل الطفولة الأولى بصورة جيدة، لكي لا يحتاج في مراحله القادمة أو في مرحلة النشوء والبلوغ إلى الأوامر والنواهي الكثيرة لأن ذلك قد يؤدي به إلى العصيان. فقد جاء عن رسول الله (ص) قوله أنه لعن الوالدان اللذان يضطران ولدهما إلى عقوقهما بسبب ممارساتهما.

ملاحظات:
يعتبر الإهتمام بالولد ضروريا بسبب اتساع دائرة رغباته التي تقوم على ما يسمعه ويشاهده. وإن مصير الأطفال أو الأحداث أو الشباب المحرومين من هذه الإهتمامات هو الإنحراف والعصيان والتمرد وعدم تحقيق البناء الفكري المطلوب.

ولا يوجد شك في أن الوالدين مسؤولان عن الطفل لكن المسؤولية الكبرى والمباشرة هي مسؤولية الأب وعليه أن يكون النصير لولده والمعين له والموجه لشخصيته ويقود زمام أموره. ولا بد أن يستمر هذا الاهتمام والتوجيه حتى السن الحادية والعشرين كما أوصى بذلك الإسلام. إذ لا حاجة بعد ذلك لعملية التوجيه والهداية.

وينبغي تعليم الطفل وهدايته منذ مرحلة الطفولة وعدم الغفلة عن ذلك بحجة فقدان الوقت الكافي أو أن الولد لا يزال صغيرا. وان الطفل الذي يعمل ما يحلو له وتصرف كيفما يشاء سينتظره مستقبل حالك، وسوف يحرم من أداء دوره في الحياة.

بعض المحاذير:

وأخيرا فقد ارتأينا أن نلفت نظر الآباء إلى بعض المحاذير المهمة منها:

1-     لا تدللوا الطفل فينشأ ذا أخلاق فاسدة وتربية منحرفة وعندما ستندمون في المستقبل.

2-     يجب على الولد أن يكون حرا ولكن بشرط أن لا يمارس حريته في تحقيق رغبات باطلة.

3-     الكلام اللين أكثر تأثيرا من الأمر والنهي.

4-     إمنعوا تأثيرات ولدكم على الآخرين فيما لو كان عنيفا وظالما.

5-     استعينوا بالقصص الأخلاقية لتربية الطفل وحذروه في بعض الأحيان.

6-     ضعوا البرنامج الحياتي منذ مرحلة الطفولة على ضوء أسس معينة لكي لا تواجهكم الصعوبات

في المستقبل.

7-     شجعوا أولادكم على الالتزام بالأخلاق الحسنة ولكن بأساليب جميلة.

8-     استعينوا بالآخرين على تربية ولدكم فيما لو كنتم غير قادرين على إصلاحه بسبب أفكاركم ومعلوماتكم المحدودة ولا تهملوا أمر تربيته أبدا.

9-     مارسوا تعاملا مختلفا منع أولادكم الأحداث والبالغين، فأكرموهم لأنهم وزراؤكم ومستشاريكم.

10-انتبهو دائما إلى حال الطفل ومستقبله وافرضوا أنفسكم في مكانه لكي تكون الصورة واضحة في أذهانكم عن الشاب الذي تبغونه...

 

موقع الأسرة السعيدة