الإنهيار النفسي .. المرض غير المرئي

الانهيار النفسي ليس ظاهرة حديثة العهد فهو موجود من قديم الزمان، والدليل ما جاءفي بعض الأساطير والكتابات القديمة التي تحدثت عن أدواء مثل مرض الذبول،أو مرض الفتور، أو الإحباط، وكلها تتصف بعوارض وعلامات تصب في خانةالانهيار النفسي ..



المعروف أن كل شخص يتعرض على مدار اليوم أو الأسبوع أو العام إلى تغيراتتؤثر في وضعه المعنوي، وهذه التغيرات ظاهرة طبيعية تحصل نتيجة تصادم دائمبين العوامل الكامنة في داخل كل شخص والعوامل الخارجية التي تتبدل في استمرار..

وأمام هذا التصادم تصدر عن الدماغ ردود فعل على ما يحصل في الخارج، وفي الحالةالطبيعية تكون هذه الردود في المستوى المطلوب الذي يؤمن للشخص حل المشكلاتالحياتية التي تعترضه وتجعله في وضع يكون فيه أكثر قوة وصموداً من أجلحل مشكلات أخرى تنتظره لاحقاً ..
أما إذا حاول الدماغ الهروب من المواجهة من أجل إصدار ردود الفعل الضروريةفي الظرف المناسب والوقت المناسب، فإن هذا قد يكون البذرة التي تمهد للإصابة بالانهيار النفسي، وفي كل مرة يتم فيها التأجيل في الرد يزداد خطر التعرض له .. وفي غمرة التأجيلات هذه يبدأ الشخص بالمعاناة من مظاهر عدة تسيطر عليها عوارضالقلق والتوتر والتشاؤم والكآبة والتبدل المفاجئ في نمط الحياة فكرياً واجتماعياً،
وهناك عوارض أخرى كثيرة قد تلوح في الأفق عند الذين يعانون من المرض ومنها:
-          الشكوى المستمرة من التعب.
-          صعوبة في التركيز والتذكر.
-          الحذر والشك في كل شيء.
-          الشعور بالعجز والفشل.
-          الكوابيس واضطرابات النوم.
-          إهمال النظافة والعناية بالهندام.
-          التعنت في الرأي ورفض التراجع عن الخطأ.
-          فقدان القدرة على تغيير الأمور وتوجيهها من جديد.
-          البكاء الهستيري المفاجئ.
-          التفكير في الموت والانتحار.
 
في البداية يعاني المصاب من إحساس ضاغط باللاجدوى، وينتابه شعوربأنه غير مفيد، كما تتزعزع ثقته بنفسه وبالآخرين ..
 ومع مرور الوقت يقود الإحساس باللاجدوى وعدم الفائدة الى الهوس الذي يجعله ينطوي على نفسه، فيبكي بصمت، ويعاني من آلام نفسية لا تطاق، وفوق كل هذا يرتسم في ذهنه شعور بأن لا شيء ولا أحد يستطيع مد يد العون له لإنقاذه من محنتهوهذا ما يزيد من آلامه ..
وعبثاً يحاول الآخرون مساعدته للخروج من محنته، لأنه يتولد لديه قناعة في أنهم لا يملكون القدرة على ذلك، بل انه يسعى جاهداً في إيجاد الحجج لإيقاف محاولاتهموأن لا جدوى من ورائها..
وشيئاً فشيئاً، يتوقف المنهار نفسياً عن العناية بنفسه وعن القيام بأي نشاط،ويدعي بأنه غير مفيد..
وفي ما بعد يهمل المصاب طعامه، ويبقى حبيس الفراش، وتبدأ فكرة الانتحار بالحضور في الذهن، ويبرر المريض رغبته في الانتحار بأنها وسيلة للتحررمن أعباء هذا العالم، وهنا يبدأ مشوار الانقطاع عن المحيطين به الذين لا يفقهون شيئاًمما يدور في تضاريس مخه من أفكار، فيتأثرون ويرتبكون ولا يعرفون ماذا يفعلون ..
ان علاج الانهيار النفسي أمر مهم جداً لإخراج المريض من معاناته التي قد تقودهإلى الهاوية، والعلاج ممكن شرط أن يعرف المصاب أنه مريض فعلاًوبالتالي يقبل المساعدة، وإلا فإن كل التدابير يمكن أن تفشل ..
والمساعدة يجب أن تكون مدروسة بعناية فائقة على أن تقدم خطوة خطوة   وعلى مراحل متتابعة، ولا فائدة من حرق المراحل، مع الأخذ في الاعتبارأن يكون المطلوب منه في حدود المعقول، خصوصاً في الوهلة الأولى للعلاج ..
ولعل أفضل شيء يمكن فعله مع المريض في الفترة الأولى من العلاجهو دفعه للخروج من قوقعته التي هو فيها مع التركيز على إعادة تواصل المريض مع المحيطين من أقارب وأصدقاء ومد جسور الثقة المقطوعة ..
 ولا يجب نسيان الرياضة كالمشي والجري، فهي تحدث تغيرات كيماوية ونفسيةتساهم في تحسين وظائف الجهاز العصبي، خصوصاً الدماغية منها ..
كما تفيد في إبعاد شبح التوتر، وفي زرع الراحة والسكينة في أوصال الجسم ..
وقد تفيد الأدوية النفسية في التخفيف من وطأة المعاناة، ويوصف الدواء بجرعاتخفيفة ريثما يعتاد المريض عليه والتحسن على الأدوية يحتاج الى الصبر، ولكنه لا يكون فعلياً إلا مع مرور أسابيع أو أشهر، والمهم في الأمر هو عدم تناول أي دواء مندون استشارة الطبيب ..
ويجب أن يكون المريض على بينة من أن الأدوية المضادة للانهيار النفسيلها تأثيرات ثانوية قد تكون مزعجة ..
وعلى صعيد الانهيار النفسي نسوق الملاحظات الآتية:
> هناك أسباب عدة تمهد للإصابة بالانهيار النفسي منها مثلاً الطلاق، فقدان عزيزفي شكل مفاجئ، الفشل في الامتحان، الفشل في العمل، الإفلاس، اكتشاف مرض عضال، افتضاح أمر الشخص في ما يتعلق بموضوع ما، سيطرة الإفكار المتشائمة،انفصال المحبين، اغتيال أو سجن أحد أفراد العائلة... وغيرهاولا يجب إغفال العامل الوراثي، فهناك دلائل تفيد بوجود عناصر جينيةتمهد للإصابة بالانهيار العصبي ..
إن النساء أكثر قابلية من غيرهم للانهيار النفسي بسبب التقلبات الهورمونيةالمرافقة لفترة ما بعد الولادة وما قبل مجيء العادة الشهرية وفترة سن اليأس،أو نتيجة الضغوط التي تتعرض لها المرأة العاملة خارج المنزل .. وحتى المرأة غير العاملة قد تقع فريسة الانهيار النفسيبسبب عدم الاكتفاء العاطفي وأمور أخرى ..
 
إن الانهيار النفسي متفش بين المتقدمين في السن، والطامة الكبرى أن الانتحارقد يكون خاتمة هذا الانهيار، وتفيد التقارير الأوروبية أن هذه الظاهرة (الانتحار( طاغية عند الرجال أكثر من النساء، فالذكور الذين تراودهم فكرة الانتحار، يذهبونفي تطبيقها إلى النهاية، في حين أن هناك بعض التردد عند النساء بحيث يمكن إنقاذواحدة من بين اثنتين من اللواتي حاولن الانتحار ..
إن شبح الانهيار النفسي يطاول الجنود، وعلى هذا الصعيد تفيد تقارير الجيشالأميركي أن الانهيار بات معضلة بين صفوف المحاربين في العراق وأفغانستاننتيجة تعرضهم للضغوط المستمرة والى الخطر ليلاً ونهاراً، الأمر الذي يجعل الجنديفي وضع عقلي تتقاذفه أفكار تتأرجح بين القتل والانتحار ..
هناك نسبة عالية من المصابين بالانهيار النفسي لا يتلقون علاجاً، إما لأنهاغير معروفة، أو لسوء تشخيصها ..
في المختصر، إن المصاب بالانهيار النفسي هو شخص يبكي بصمت،وتكون أعصابه «مجروحة، ملتهبة»، ولكنها للأسف جروح غير مرئيةتستنجد بمن يداويها، والمهم أن تلقى الطبيب المداوي


المصدر:كنانة أون لاين