الإنصات الجيد، المهارة المنسية

الإنصات الجيد.. المهارة المنسية
د.ياسر عبد الكريم

على الرغم من أننا نقضي وقتا طويلا في تعلم التقنيات المعقدة لكسب الآخرين ومد جسور المودة إليهم، لكننا كثيرا ما تفوت علينا واحدة من أكثر المهارات أهمية وسهولة والتي يمكن للجميع ممارستها في أي زمان أو مكان. إنها مهارة الإنصات الجيد.
إننا للأسف نعيش في عالم أناني يهتم كل فرد فيه بما يخصه دون أن يلتفت إلى حاجيات من حوله. ولذا كثيرا ما تجد أشخاصا يبحثون عن صديق يستمع إليهم باهتمام. إنها أفضل هدية يمكن أن تقدمها للزبون الغاضب وللموظف القلق وللصديق المتألم.



 يقرر العرب أن الإنصات أعلى درجة من الإستماع. ذلك أن الإنصات يعني الإستماع بصمت أي صرف كل الحواس وتفريغها للإستماع إلى المتحدث.

الإستماع الجيد هو بداية التواصل الفعال والناجح مع الآخرين. ومن المدهش أن الذين يتقنون هذه المهارة قلائل جدا. وعندما تتقن هذه المهارة فستجد من حب الناس لك والإستماع بالجلوس معك ما سيمنحك ثقة كبيرة بنفسك.

ما رأيك أن نحاول معا أن نجرب الوسائل التالية لتنمية مهارة الإنصات البارع:


* الإنصات الجيد هو الإستماع مع القدرة على قراءة ما خلف الكلمات، وفهم موقف المتحدث ولغة الجسم التي يبديها، وتقمص اللهجة العاطفية التي ترسمها كلماته.
تخيل أن شخصا ذكر أمامك وفاة أمه.. وتحدث عنها وعن فضائلها وفاضت عيناه من الدمع ببكاء حار. المستمع العادي يقدر الحزن الذي يعيشه هذا الشخص، أما المستمع البارع فيفهم الحزن البالغ الذي يعيشه المتحدث، ويقدر مدى الحب الذي يكنه المتحدث لأمه وكم يفتقدها. لعل هذا المثال يوضح الفرق بين الإستماع إلى الكلمات ظاهريا والإستماع لما تحمله من معاني عاطفية.

* استمع إلى مايقوله بدل مجرد السماع له. هناك عدد من الأشياء التي يمكن أن تستمع إليها مثل قيم المتحدث ومشاعره. أقبل عليه ببصرك وسمعك وكامل جسدك.


* حدد إذا ما كان المتحدث يتحدث عن حقائق أو عن انطباعات أو عن مشاعر شخصية. ابذل اهتماما أكبر لأولئك الذين يظهرون مشاعرهم وأحاسيسهم أثناء حديثهم إليك.


* لا تقاطع الآخرين أو تكمل كلامهم. إن الناس يشعرون بالضيق ممن لا يستمع إلى حديثهم.
يقول دايل كارينجي: إذا كنت تريد أن تعرف كيف يتجنبك الناس، ويتغامزوا عليك، ويسخروا منك من خلف ظهرك، إليك هذه الوصفة: (لا تصغي طويلا إلى أحد، تكلم عن نفسك دون انقطاع، وإن كان لديك فكرة تريد أن تذكرها أثناء حديث الشخص الآخر، لا تنتظر ريثما ينتهي، فذكاؤه لا يعادل ذكاءك! فلم تضيع الوقت بالإستماع إلى ثرثرته السخيفة؟! قاطعه فورا واعترضه في منتصف الطريق)..!!


* تفاعل مع مشاعر المتحدث قبل أن تطمئنه بالحقائق. وهذا كثيرا ما يحدث مع الأباء الذين يسارعون للإستجابة إلى مخاوف ابنهم حين يقول:
"هناك شيء مخيف تحت السرير" حيث يقولون: "لا تخف ليس هناك ما يخيف، أنت في أمان". بينما قليل منهم من يبدون تعاطفا مع مشاعره هو "لا بد أنك قضيت ليلة مرعبة".


* الإستماع بصمت قد يكون هو كل ما يحتاج إليه المتحدث إليك.
أشعره أنك تتفهم مشاعره عبر لغة الجسم بينما أنت صامت مثل تعابير الوجه والإيماء بالرأس. لا تقل إني أتفهم مشاعرك.. قاوم رغبتك في المشاركة بالحديث والكلام لمجرد الكلام.


* ادعم استماعك بأصوات قليلة، مثل التأوه أو تلك التي تدل على الإستغراب. هذا يضفي على استماعك نكهة خاصة.
يمكنك أن تبيع الثلج إلى سكان الإسكيمو إذا أرخيت لهم سمعك وفهت ما يريدون أن يقولوه!


* ركز على ما يقوله المتحدث بدل أن تركز على ما تسعى للإجابة على ما قاله. ركز على المتحدث نفسه تماما كما ينصح به مدربي لعبة كرة التنس: "ركز على الكرة". في الواقع هذا سيضفي على مهارتك في الإستماع صفة العفوية المحببة.


* استمع ضعف ما تتحدث به. تذكر المقولة القديمة في أننا نمتلك لسانا وأذنين. لذا أعط الفرصة لمن يجالسك بالحديث. تذكر أن كل شخص لديه ما يستحق أن تستمع له وما سيثري عقلك وتفكيرك.


* استثر جليسك لكي يتحدث عن نفسه وما يهمه. قم بتوجيه أسئلة مفتوحة: "كيف يمكن أن نقوم بذلك؟، "ما رأيك بـ.."، "كيف تشعر تجاه هذه المسألة؟" (يحب الناس من يقدر مشاعرهم)، "ماذا لو..؟" "ماذا تنصح بالقيام به لفعل ذلك..؟" (يحب الناس أن يطلب منهم النصحية). "ما الطريقة التي تفضلها أنت لفعل..؟" (لاحظ لهجة الإحترام والتقدير). واحذر من أن تلقي أسئلة تضعهم في موقف دفاعي: "لماذا..؟" لو استطعت فعل ذلك فستمتلك أداة رائعة لكسب قلوب الناس. وتذكر دوما:
أن تصبح مستمعا بارعا يكسبك من الأصدقاء وحب الآخرين أكثر من أن تكون متحدثا بارعا.


* عندما تجيب من يحدثك في شأن مهم، استخدم استجابة قصيرة. لأن الإستجابة طويلة الأمد تفقد صبر المتحدث وتشعره وكأن الحديث خارج عما يهمه هو.


* تذكر أن موقف قلبك كمستمع سيكون أهم وأوضح من استجابتك لحديث محدثك. موقف الإحترام ومحاولة فهم عالم الشخص الآخر أكثر أهمية من تعلمك كيف تقدم ردا عبقريا.


* يوصي الكتاب باتباع طريقة جميلة حيث ينصحون بالتدرب على أخذ نفس عندما ينتهي المتحدث قبل أن تشرع أنت في كلامك. بهذه الطريقة سوف تعطي المتحدث الفرصة الكاملة حتى ينتهي من حديثه وستبتعد عن مقاطعته مما يعبر عن احترامك له وستقربه إليك.

إقرأ أيضاً: تعرف على أهم 6 فوائد لمهارة الإنصات

لماذا نفشل في الإستماع؟
يعزي بعض العلماء ضعف مهارتنا في الإستماع إلى عامل فسيولوجي. ذلك أن قدرتنا على الإستماع تفوق قدرتنا على الحديث بما يقارب خمس إلى عشر مرات. ففي الفترة التي يتحدث شخص بسرعة 100 كلمة، يمكنك أن تستمع خلالها إلى 500،- 1000 كلمة. وهذا يعني أنه عندما يتحدث إليك شخص ما، فتستخدم خمس طاقتك الذهنية في الإستماع إليه، ويذهب الباقي للتخطيط لأعمال اليوم التالي أو كيف ستعتذر من زوجتك بسبب التأخير.. إلخ. ومن الأفضل أن تستهلك هذه السعة في الإستيعاب في تحليل ما يود المتحدث أن يقوله لك، بدلا من انشغالك بأحلام اليقطة!!.
استمعوا إلى أبنائكم.
يذكر ستيفن كوفي أن أبا جاءه يشكو سوء العلاقة بينه وبين ابنه المراهق قائلا: (لا أستطيع أن أفهم هذا الولد، إنه لا يسمعني). فقال له: (هل يمكن أن تعيد علي ما قلته).. فأعاد عليه ما قاله. فرد عليه الكاتب: أنا لا أفهم ما تقول.. إذا أردت أن تفهمه لابد أن تستمع إليه أنت لا أن يستمع إليك هو..!!
من أقوى الوسائل التي تقوي بها علاقتك بابنك أو ابنتك هو الإستماع إليهم، إلى أحلامهم، إلى مشاعرهم. أثناء حديثهم، أظهر مشاعر التقدير لكل ما يقولونه، تحرك إلى الأمام في كرسيك... ضع يدك على كتفه.. أحتضنه أثناء حديثه.. وحرك رأسك تعبيرا عن متابعة حديثه... وكن على اتصال بصري بعينيك معه طوال حديثه.
لكن الفعل الأهم من الإستماع هو أن تكبح جماح نفسك عن الحكم على ما يقولونه أو سرعة توجيههم وإبداء النصح إليهم. يفهم المراهق من هذا أنه تعرض إلى العقوبة بسبب حديثه إليك حتى لو قلت له عكس ذلك.


* أحذر من الإستماع الإنتقائي.. أي أنت تسمع ما تريد أن تسمعه أنت، أو ما تتوقع أن يقوله المتحدث.. لذا استمع بتأني لما يريد الآخر أن يوصله إليك. لو استطعنا تجنب هذا المحذور فسنتجنب الكثير من الخلافات التي تحدث بين الأقران والأزواج بسبب سوء الفهم لما لم يسمعوه أصلا.


* أسأل عن أي غموض في حديث المتكلم. فهذا سيزيل أي لبس قد يبقى في قلبك. كما سيعطيه دليلا على أنك مستمع مميز.
هذه بعض اللمحات السريعة التي ستساعدك على تطوير هذه المهارة البسيطة، والتي تعطي نتائج باهرة في تحسين علاقاتك بالناس ويزيد من احترامهم وتقديرهم لك.

المصدر: كتاب القرار في يديك