الإنجاز وعلاقته بتحفيز الطاقة لدى الآخرين

قبل سنوات، أُجريت مغامرة ثقافية لفهم وظيفة الإدارة ولاختيار استراتيجيات إدارية أكثر فعالية. وقد أدى ذلك إلى نتائج مذهلة. استفدنا من تلك التجربة في محاولتنا صياغة مفهوم جديد للنظام الاجتماعي باعتباره نظاماً للطاقة البشرية. فما هو المقصود بالنظام الاجتماعي؟ قد يكون النظام الاجتماعي أسرة أو جماعة أو منظمة أو وكالة أو شريك أو مدرسة أو كلية أو مجتمع أو دولة أو أمة أو عالم.



يخطر ببالي في الوقت ذاته أسئلة عديدة تختلف كل الاختلاف عما يطرحه المدراء مثال: ما هي الطاقة البشرية الإجمالية الموجود في النظام؟ ما هو المقدار الذي يتم استخدامه من تلك الطاقة؟ أين تتواجد الطاقة الغير مستعملة؟ لماذا لا نستفيد من تلك الطاقة؟ ما هي أنواع الطاقة التي نجدها؟ هل هي جسدية أم فكرية أم نفسية أم أخلاقية أم فنية أم تقليدية أم اجتماعية؟ كيف نستطيع الاستفادة من هذه الطاقة لإنجاز الأهداف الأكبر لمصلحة النظام والأفراد العاملين فيه؟

حقاً لقد غيرت تلك الأسئلة طريقة تفكيري فيما يتعلق بدور القيادة. حيث بدأ الناس يطرحون تلك الأسئلة كنتيجة للمفهوم الذي أثاره مزيدريك تايلور بشأن "الإدارة العلمية". فقد بدأت أدرك بأن دور القيادة يتألف وبشكل رئيسي من التابعين المسيطرين. وتوصلت مما تعلمته إلى أن القادة الفعالين هم الأشخاص القادرين على دفع الناس لتلبية أوامرهم. بالنتيجة واعتماداً على هذا المبدأ كان إنتاج النظام خاضعاً لبصيرة القائد ولقدرته. وبعد إدراكي لتلك الحقيقة بدأت أعيد النظر بمهمة القيادة. ومع مرور الزمن أدركت أن الدور الاساسي للقيادة تتبلور في تحرير طاقة الأشخاص العاملين بالنظام وفي إدارة عمليات توجيه تلك الطاقة لتحقيق الأهداف المرجوة وبشكل تعاوني. باختصار، إن مجمل القول في هذا المضمار هو أن القيادة الإبداعية هي القيادة القادرة على تحرير الطاقة الإبداعية لدى الأشخاص الذين تقوم بتوجيههم.

وقد شغل هذا الموضوع مجمل تفكيري خلال تلك السنوات وأنا أحاول فهم ذلك المبدأ واختبار مصداقيته بطريقتين. الطريقة الأولى: استناداً إلى ذلك المبدأ قمت بمراقبة القادة في كافة الاختصاصات (معلمون، مدراء تنفيذيون، مدراء تربويون، قادة سياسيون، قادة تنظيميون). أردت بذلك اختبار قدرتي على تحديد المواصفات التي يتمتع بها أولئك "القادة الذين يقومون بتحرير طاقة موظفيهم" ومقارنتها مع "القادة الذين يكتفون بالوظيفة التوجيهية".

الطريقة الثانية: قمت بدراسة جميع ما كتب بخصوص السلوك البشري والقوى المحركة التنظيمية والقيادة، مستخلصاً نتائج هامة بشأن مفهوم "القيادة". وإنه ليسرني أن تشاركوني  نتائج البحث والتي سأعرضها على شكل مقترحات فيما يتعلق بالخصائص السلوكية للقادة المبدعين:

1-  يقدم القادة المبدعون مجموعة مختلفة من الافتراضات (خاصة الإيجابية منها) تدور حول الطبيعة البشرية معتمدين بذلك على الافتراضات السلبية التي يقدمها القادة التوجيهيون. ومن خلال المتابعة تبين لي أن أولئك القادة يثقون بالناس بدليل أنهم يقدمون لهم فرصاً صعبة ويضعونهم في موقع المسؤولية. يظهر الجدول 1-14 شرحاً واضحاً لاثنين من تلك الافتراضات المتعارضة بحيث أن دوغلاس ماك جريجور قدم افتراضات القادة في حين قدم كارل روجرز افتراضات المعلمين.

لقد تم التحقق من صحة المجموعة الإيجابية عن طريق البحث الذي يؤكد على الفكرة التالية: عندما يدرك الناس مسؤوليتهم في السيطرة والقيادة، سيتحفزون للإنجاز المبدع والمنتج (ليفكورت، 1976). وتزداد هذه الإنجازات بشكل كبير حين يدركون أن هناك من يستفيد من طاقاتهم الخاصة التي يشعرون خلالها بأهميتهم كأشخاص فاعلين (هيرزبيرج، 1966; مارسلو، 1970).

الجدول 1-14

مقارنة افتراضات الطبيعة والسلوك البشري لقادة الإدارة والتربية

2- يؤكد القادة المبدعون قانون الطبيعة البشرية القائل بأن الناس يشعرون بالالتزام بأي قرار حين تتاح لهم فرصة الاشتراك باتخاذه. وبناء عليه، يقوم القادة المبدعون بإشراك زبائنهم وعمالهم أو طلابهم في جميع مراحل عملية التخطيط وتقويم الحاجات وصياغة الأهداف وتصميم إجراءات العمل وتنفيذ الأنشطة وتقويم النتائج باستثناء الحالات الملحة والضرورية. لقد تم التحقق من صحة هذا الافتراض عن طريق دراسات موضع التوجيه والقيادة التي أجراها (ليفكورت، 1976) بالإضافة إلى الأبحاث حول التغيير التنظيمي والتي قام بها كل من: (بينيس، بين وتشين، 1986; جراينر، 1971; ليبيت، 1969; مارورانا و كونس، 1975) ونتذكر الأبحاث في مجال الإدارة والتي قام بها كل من: (بالدردج و آخرون، 1978; دايكس، 1968; جيتزلز، ليفام وكامبيل، 1968; لايكرت، 1967; ماك جريجور، 1967) وفي مجال اتخاذ القرار ( مارو، باورز وسي شور، 1968; ميليت، 1968; سايمون، 1961) والقوى المحركة التنظيمية (أرجيريس، 1962; إيتزوني، 1961; سكين وبينيس، 1965; زاندر، 1977).

3- يستخدم القادة المبدعون طاقة الإنجاز الشخصية فهم يؤمنون بها، ويدركون أيضاً أن الناس تواقون لإنجاز ما يتوقعه الآخرون منهم. فالمُسهّل المبدع يظهر مدى ثقته بقدرة أعضاء فريقه على النجاح وكذلك الأمر بالنسبة للمشرفة الجيدة التي تظهر لموظفيها تلك الثقة. فطلاب المعلم الجيد مؤمنون دائماً بأنهم الأفضل في المدرسة. وتظهر الدارسة الكلاسيكية هذا المبدأ بوضوح حيث تشتمل هذه الدراسة على كتاب "داخل غرفة الصف[1]" (1986) لمؤلفيه روزينتهول وجاكوبسن. يوضح هذا الكتاب كيف أن الطلاب الذين أشعرهم معلمهم بأفضليتهم كانوا فعلاً كذلك، في حين نجد العكس في الطلاب الذين أشعرهم المعلم بكسلهم كانوا كسالى فعلاً. ومن المؤكد أن ليس هناك من فرق في المقدرة الطبيعية بين كلا المجموعتين، وتظهر دراسات الطلاب علاقة واضحة بين مفهوم الذات الإيجابي وبين الأداء العالي. (تشايسرنج، 1976; فيلكير، ; 1974، روجرز، 1969; تاف، 1979 ) وتظهر هذه العلاقة أيضاً في إنجازات حياتنا العامة (آدمز-ويبر، 1979; كون وآخرون، 1974; جيل، 1974; كيلي، 1955; لويفينجير، 1976; ماليلند، 1975).

4- يثق القادة المبدعون بقيمة الشخصية الفردية فهم مدركون بأن أعمال الناس تتم بشكل أفضل عند اعتمادهم على قواهم ومواهبهم واهتماماتهم وأهدافهم الخاصة أكثر من انجازهم له وهم مقيدون بنمط مفروض من الأداء. إذ من الطبيعي شعورهم بالراحة في ثقافة متعددة الوظائف وبالسأم من الثقافة ذات الوظيفة الموحدة. فيعمل القادة على ترتيب الفريق في حين يقوم كل عضو بعمل ما يراه مناسباً وممتعاً بالنسبة لإمكاناته. أما المعلمون فهم يبذلون قصارى جهدهم لتصميم استراتيجيات التعلم الملائمة للتعلم الفردي بما يتفق مع سرعة وأسلوب ومستوى وحاجات واهتمامات كل طالب. نجد هذا الافتراض بشكل كبير في أعمال (كوفر وسينج، 1959; سيكز ينتمحالي، 1975; إديكسون، 1946; غولد شتاين و بلاكمان، 1978; غووان و آخرون، 1967 ; كاجان، 1967; ماسلو، 1970; ميسيك و آخرون، 1976; موستاكاس، 1974; تيلر، 1978 ).

لابد من إضافة بعدٍ فلسفي على هذا الافتراض بدءاً من الملاحظة السلوكية. فإن نظرة القادة الإبداعيين تختلف عن نظرة أولئك القادة التوجيهيين إزاء الهدف من الحياة، فالإبداعيون يعتبرون أنشطة الحياة المختلفة (عمل، تعلم، استجمام، مشاركة الآخرين، عبادة) مجرد طريقة تساعد الفرد في إنجاز طاقته الخاصة بشكل كامل. مساهمين بذلك بجعل الفرد شخصاُ يسعى لتحقيق ذاته، الأمر الذي دعا إليه ماسلو (1970) في حين نجد التوجيهين يدعون لصنع أشخاص مُطيعين.

5- يعمل القادة المبدعون على تشجيع الإبداع عن طريق المنح والمكافآت فهم يدركون بأنها ضرورة أساسية لاستمرار الأفراد والمنظمات والمجتمعات في ظل التغيرات المتزايدة التي نشهدها حالياً. لذلك نجدهم أحرص الناس على الإبداع. كما ويعمل هؤلاء القادة على خلق بيئة مناسبة وتقديم التشجيع والمكافآت للإبداع عند الآخرين. إن القائد المبدع لا يعد ارتكاب الأخطاء تصرفاً يعاقب عليه الناس بل على العكس فالخطأ عندهم بمثابة فرصة يتعلم الناس من خلالها ويكتسبون مزيداً من الخبرات (بارون، 1963; بينيس، 1966; كروس، 1976; ديفيس وسكوت، 1971; غاردينر، 1963; غووان وآخرون، 1967; هيرزبيرج، 1966; إنجولس، 1967; كاجان، 1967; شون، 1971; توفلير، 1974; زان، 1966 ).

6- يتميز القادة المبدعون بالتزامهم ومهارتهم بإجراء عملية التغير المستمر وإدارته فهم يميزون تماماً  بين المنظمات التي تدعم الإبداع والمنظمات المستقرة (كما هو موضح في الجدول 2-14) ويطمحون لترقية منظماتهم إلى مستوى المنظمات الإبداعية. وباعتمادهم على نظرية التغيير تلك فهم لديهم مهارة عالية باختيار الاستراتيجيات الأكثر فعالية من أجل إحداث التغيير المطلوب (إرنيدس و إرنيدس، 1977; بالدردج وديل، 1975; بينيس، بين وتشين، 1968; جودلاد، 1975; جراينر، 1971; هيفيرلن، 1969; هورنستين وآخرون، 1971; ليبيت، 1978; مانفهام، 1948; مارتورانا وكونس ، 1975; سكين وبينيس، 1965; تيديسكي، 1972; زورتشر، 1977).

7- يركز القادة المبدعون على أن أهمية المحفزات الداخلية تفوق أهمية المحفزات الخارجية. فهم يميزون تماماً بين ما هو محفز عن الغير محفز حسب ما ورد في بحث هيرزبيرج (1959) وكأمثلة عما هو محفز "الإنجاز والتمييز وأداء العمل والتطور"، أما الغير محفز فنذكر منه: سياسة وإدارة المنظمة والإشراف وشروط العمل والعلاقات الشخصية والراتب والوضع وإجراءات العمل الأمنية والحياة الشخصية. وفي هذا السياق يحاول القادة المبدعون تقليل العوامل الغير محفزة مع التركيز على تحسين المحفزات. نجد هذا الافتراض في أعمال (ليفينسون وآخرون، 1963; لايكرت، 1967; ليبيت، 1969).

الجدول 2-14

مقارنة بين خصائص المنظمات الإبداعية والمنظمات المستقرة

8- يقوم القادة المبدعون بتشجيع الناس على توجيه أنفسهم فهم يملكون حدساً في معرفة غاية الباحثين الكامنة في إطلاعنا على الخاصية المميزة لعملية النضج البشري. وإن ما يميز عملية النضج هذه هو الانتقال الجذري من حالة الاعتماد على الآخرين إلى حالة ازدياد الاعتماد على الذات (بولتس، 1984; إريكسون، 1950، 1959، 1964; جوليت وبولتس، 1970; جوبريوم وبوكهولدت، 1977; هافيجورست، 1972; كاجان وموس، 1962; لويفينجير، 1976; روجرز، 1961 ). يعتقد هؤلاء القادة بأن المتعلمين قد تكيفوا بموضوع اتكالهم على الآخرين بحكم خبرتهم السابقة في المدارس لذلك فإن الراشد يحتاج لدعم أولي أثناء التعلم حتى يعتاد على الأمر ويعتمد على نفسه وهذا الدعم يكون من مسؤولية القادة (كيد، 1973; نولز، 1975; 1978، 1980;  تاف، 1967، 1979 ). ولتقديم المساعدة، يقوم القادة بتطوير مهاراتهم كمُسهّلين ومستشارين ذوي كفاءة عالية (بيل ونادلر، 1979; بليك وموتون، 1976; بولمير، 1975; كارخوف، 1969; كوفر وآخرون، 1978; لوغاري و ريبلي، 1979; ليبيت وليبيت، 1978; بولاك، 1967; سكين، 1969; شلوسبيرج وآخرون، 1978 ).

إذاً لا شك أن هناك المزيد من الافتراضات والخصائص السلوكية، إلا أن ما تم تقديمه هو من وجهة مالكوم نوليس الخاصة بحكم مراقبته للقادة المبدعين ومطالعته جميع ما كتب بهذا الصدد. حقاً لقد كانت نتائج  تطبيق تلك الافتراضات مذهلة ، فقد ازدادت إنجازات الطلاب الضعفاء حين اكتشفوا متعة التعلم الذاتي بإشراف معلم مبدع. وكما ازدادت إنتاجية عمال المصنع واعتزوا بإنجازاتهم  بإشراف مشرف مبدع. وينطبق الحال نفسه على قسم كامل في كلية (هولندا، جزيرة الأمير إدوارد، كندا) عندما أصبح الطلاب مُسهّلي تعلم مبدعين ومستشارين بارعين بأمور المحتوى وذلك من خلال تحفيز الإدارة المبدعة. أتذكر هنا أنني لاحظت حالات عديدة لانتقال مدراء الشركات الهامة من موقع التوجيه إلى موقع التحفيز كنتيجة لاعتماد تلك الافتراضات في برامج تطوير الإدارة.

أعتقد بأننا بدأنا نفهم كيفية تحسين استخدام الطاقة المذهلة والكامنة داخل أنظمة الطاقة البشرية.

 

المصدر: موسوعة التعليم والتدريب

لقراءة بقية المقالة اقترح زيارة موسوعة التدريب والتعليم