الإستشارة الناجحة


تختلف الحاجة إلى العملية الإستشارية حسب متطلبات الأفراد أوالمؤسسات ، فهناك من يرى أنها مناسبة ومطلوبة في تقديم الحلول والمقترحات عند وقوع المشكلات ، بينما يراها آخرون أنها لب التطوير  والتوجيه والتنمية المستمرة وزيادة محيط فعالية الأداء. وفيما يلي سيتم تناول ما تمت كتابته في هذا المجال  للإستفادة منه كل حسب حاجاته ، وسيشمل هذا الجزء مفهوم الإستشارة والعوامل التي تحكم العملية الإستشارية.



إن مفهوم الإستشارة Consultation"  " يقارب كلمة إرشاد " Counseling " في معناها وتعني الإصلاح أو العمل على إصابة الصواب ، كما تتضمن كلمة إستشارة أيضاً معنى التوجه " Guidance  " ، وبها يتم مساعدة الآخرين على إكتشاف قدراتهم وإمكانياتهم لإستخدامها بفعالية في المهام المطلوبة منهم .

وجوهر العملية الإستشارية هو أن يقوم المستشار بتقديم التوجيه والإرشاد في ظل ظروف وموضوعات مختلفة ، مما يؤثر على الأسلوب المستخدم في تقديم الإستشارة ، حيث يتعامل المستشار مع المشكلات المعتادة والمتوقعة بصورة طبيعية حيث يكون لديه متسع من الوقت للتفكير وتقديم الحلول والمقترحات . أما في حالة الأزمات يكون لعنصر الوقت أهمية كبرى ، وبالتالي فالتفكير وتقديم المشورة بنفس معالجة المشكلات المعتادة ستؤثر على قوة الإستشارة سلباً . لذا يحتاج المستشار إلى إستخدام الأساليب العلمية في تحليل المشكلات المتوقعة والمفاجئة ، وإحتياجه أكثر إلى إستخدام برامج عقلية تساعدهم على الإستقبال السريع للمؤثرات ، بل يجب المبادرة بالبحث عنها وعدم إنتظار وصولها ، ومن ثم التحليل والإستنتاج السريع للمؤشرات والتهديدات في صورة منظمة تساعد المتلقي للإستشارة على المفاضلة والإختيار بين البدائل .

إن العملية الإستشارية تحدث في الظروف والمواقف المختلفة وقد تحكمها بعض العوامل والفروض مثل الغموض وعدم الوضوح النسبي للأمور أو عدم كفاية المعلومات عن الموضوع أو محدودية الزمن لجمع المعلومات أو صعوبة البحث عن الأسباب أو تعدد التفسيرات المحتملة أو التوصل لنتائج فورية أو سريعة في ظل تغييرات تتطلب زمناً أكبر من المتوقع .

وتتحدد علاقة المستشار مع الطرف الآخر حسب زمن المشكلة أو الموضوع ، حيث تعتبر مشورة إذا كان الموضوع في بدايته ، وطلب مساعدة إذا كان كان الموضوع في منتصفه ، أما عندما يستعان بالإستشارة في نهاية الموضوع وبعد ظهور آثاره فهذا يعتبر إنقاذ .

إن تقديم الإستشارة في المواقف الصعبة والحرجة ، تتطلب تفكيراً خاصاً للمستشار يتمثل في تحديد المنهج والخطوات مسبقاً  من خلال البرنامج الفكري ، كذلك  عند البحث عن الأسباب يتحتم عدم إضاعة الوقت الأكبر في الفحص والتحليل الدقيق للأمور ولكن ينصب التركيز على المقترحات والأفكار التي تعالج المشكلة . أيضاً إلى جانب التفكير في الحلول والبدائل تكون هناك مهارة أخرى - كجانب آخر من العمل الاستشاري – وهي أسلوب تقديم الإستشارة . يجب أن يخزن المستشار جميع ما يقدم له من مادة قد يصنع منها رأيه الإستشاري عند الحاجة إليها ، مع تجنب الإنحياز إلى جوانب معينة  قد تؤثر على الموضوع أو الحل ، ومن المهم تقديم الإستشارة بطريقة مقنعة للطرف المتلقي لها وبصورة موجزة في البداية .

لقد تم التطرق أعلاه إلى إحتياج المستشار إلى برامج عقلية مختلفة ليتناسب مع طبيعة عمله وطبيعة شخصيته ، ولا توجد هناك قواعد برمجة عقلية محددة لإعداد هذا البرنامج ، ولكن القاعدة الرئيسية التي تحكم إعداد أي برنامج تفكير عقلي للمستشار تتكون من ثلاثة أجزاء ، الجزء الأول هو أن المستشار هو الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يقوم بإعداد البرنامج العقلي بما يتلائم مع شخصيته وطبيعة عمله وبذلك تكون المشورة الأولى للمستشار هي المشورة الذاتية لنفسه حول إعداد برنامجه التفكيري  ، أما الجزء الثاني فهو قيام المستشار بتصميم وإعداد البرنامج التفكيري لتشغيل العقل ويعمل على تطويره بما يتناسب مع المجالات المختلفة ، والجزء الثالث هو الإعتماد على الفروض العلمية والعملية كقاعدة أساسية ينطلق منها فكر الإستشاري وهو يكون برنامجه التفكيري . 

إن من أهم مسئوليات المستشار هو بناء علاقة مع الآخرين لمساندتهم على إكتشاف قدراتهم وإمكانياتهم وتنظيم خبراتهم وإستخدامها إلى أقصى مدى لزيادة فعالية الإنتاج لديهم . كذلك السعي من خلال الإتصال السليم من حيث التفاهم والألفة والقبول لمساعدة الآخرين على تقبل الأفكار والآراء ، ويتم ذلك بالإستخدام المتميز لمهارات التوجيه والإرشاد والإقناع دون إجبار أو ضغوط .

أما من جانب المؤسسات التي تسعى للتميز فإنها تعتبر العملية الإستشارية  جزء من هيكلها التنظيمي وجزء من العملية الإدارية لاستمرارية التغيير والمرونة وتطوير تفكير وأداء العاملين بها ، لذا تبحث عن الجودة في الأداء للعملية الإستشارية من حيث التنوع في مهارات المستشارالتدريبية والتوجيهية ، وقدرته على مساندة فرق العمل لرفع نمو المنظومة من خلالهم ، وضمان إستمرارية التحديث في المعرفة والعمل وبالتالي الإنتاج المستهدف للمنظومة . وبما أن تقديم الاستشارة وقبوله من الطرف الآخر  تتطلب  إمتلاك المستشار لمهارات وسلوكيات معينة كالإتصال الجيد و الفعال والإنصات الجيد للوصول إلى الحقائق ومتطلبات الشخص الآخر  ، أيضاً لابد من وجود تغذية راجعة قائمة على إستقبال الحقائق والمشاعر، والاستفسار للمزيد من التوضيح إن تتطلب الأمر ،  وتأكيد وصولها للأطراف المعنية والجدية في إيجاد الحلول لها . أيضاً من متطلبات الجودة هو التقديم الجيد للمعلومات بما يتلائم مع إحتياجات بيئة العمل . والتوعية والإقناع من أجل تحقيق الهدف يعد مطلباً هاماً في تقبل الإستشارة وتتم توعية الآخرين أولاً بتحديد المستشار هدفه الذي يسعى لجعل الطرف الآخر يؤمن به ، وثانياً هو تحديد الإجراءات التي سيقوم بها الطرف المعني ، وأخيراً معرفة الإستجابة المطلوبة من المستهدفين بعد التوعية .

ومن الصفات الهامة أيضاً والمطلوبة في جودة الأداء للمستشار إستمرارية الدعم والتشجيع لإجتياز أي عقبات خلال أداء المهام ، ومساعدة الطرف الآخر في التفكير بالخيارات والبدائل المتاحة للوصول للقرارات الأصوب .  

 

خلاصة ماسبق هو أن يقوم المستشار أثناء العملية الإستشارية بتقديم الإقتراحات والأفكار والإجراءات التي تساهم في تسيير وتطوير نظم المؤسسة أو المنظومة في جوانبها المختلفة ، وتوقع العديد من العوامل والعقبات التي قد تعترض أدائه ،  ووضع تصورات شاملة الجوانب للتمكن من العمل في ظلها دون تأثر جودة الأداء للعملية الإستشارية ، لذلك من المهم لأي منظومة أو مؤسسة إدراج موقعأً وحيزاً في مخططها  للعملية الإستشارية ، وتحديد نوعيتها حسب متطلباتها وتهيئة الظروف المناسبة لها، لتصبح العملية الإستشارية فعالة وتنعكس بالإيجابية على مسيرة المنظومة والعاملين بها .  

 

المراجع:

د.محمد عبدالغني هلال  . مهارات تقديم الاستشارات . قرطبة للنشر والتوزيع 1429هـ  .