الإدارة الإستراتيجية: كيف تقتنص الفرص، وتقاوم التهديدات؟

إن الاهتمام بالتغيرات التي تحدث في البيئة الخارجية هو لب العملية الاستراتيجية، فالتحرك الاستراتيجي يبدأ عندما يحدث هذا التغير، وهذا التغير بدوره هو الذي يصنع الفرص والتهديدات، والعملية الاستراتيجية واحدة في كل الفكر الإداري، إلا أن كثير من كتب ومقالات الإدارة تهتم كثيرًا بالمنظمات الصناعية، وذلك لأن منظمات الصناعة تشمل وظائف المشروع كاملة بما فيها الإنتاج وكذلك التمويل، إلا أن الفكر الاستراتيجي الذي هو في لبه؛ كيف يمكن اقتناص الفرص، وكذلك كيف يمكن مقاومة التهديدات.



ويعتبر تقييم البيئة الخارجية الخطوة التالية لصياغة رسالة المنظمة، فالرسالة تضع حدودًا للبيئة الخارجية التي سوف تتعامل فيها المنظمة، ولكنها لا تصف هذه البيئة أو تحدد ما يوجد بها من فرص وتهديدات.

فالمدير الاستراتيجي يركز اهتمامه في جمع المعلومات عن التغيرات التي تحدث في البيئة المحلية والعالمية، التي تؤثر على المنظمة بما تتيحه لها من فرص وما تفرضه عليها من تهديدات، وكما أن اكتشاف التهديدات يساعد على وضع أولويات التطوير الداخلي لزيادة القدرة على المنافسة في السوق مما يساعد على تعظيم استغلال الفرص. 

تقييم البيئة الخارجية:

ويعني رصد ما يحدث من تغيرات إيجابية أي فرص يمكن استغلالها لصالح المنظمة، ورصد التغيرات السلبية التي تمثل تهديدًا للمنظمة. وقد تقتصر البيئة الخارجية على البيئة المحلية أو تمتد لتشمل العالم كله، نظرًا للاتجاه نحو عالمية التجارة وثورة الاتصالات التي جعلت العالم قرية صغيرة يسمع ويرى من فيه ما يحدث في أي مكان كأنها سوق واحدة.

ويؤدي التعرف على تلك البيئة إلى اكتشاف الفرص والتهديدات، فقد يؤدي تغيير طبيعة العلاقات السياسية إلى صنع فرص أو تهديدات للمنظمة بحسب اتجاه التغيير في هذه العلاقة، فعلى سبيل المثال فقد أدت أحداث 11 سبتمبر إلى تغيير هائل في النظرة للإسلام، وبالتالي التعامل مع المؤسسات الخيرية التي تأثرت تأثرًا بالغًا بهذا الحدث سلبًا. ويمكن تقسيم البيئة الخارجية إلى بيئة كلية وبيئة الصناعة أو البيئة المحلية.

وفيما يلي استعراض لأهم القوى التي تعمل في البيئة الكلية.

1ـ القوى الاقتصادية:

وتتعلق القوى الاقتصادية بحركة المال في المجتمع، كما تتعلق بالقرارات التي تتخذ لتنظيم هذه الحركة.

وتتأثر المنظمات بالقوى الاقتصادية على المستويين المحلي والعالمي، فالتضخم يؤثر في سلوك المشتري حيث يفضل أن يشتري الآن ويدفع فيما بعد، بل ويشتري بأكثر من دخله الحالي لشعوره بأن أسعار اليوم أفضل من أسعار الغد، ويعتبر ذلك فرصة للمنظمات التي لديها مركز مالي قوي يمكنها من جذب العملاء الذين يعتبرون أن شراء السلع هو أفضل أنواع الادخار. وتقليل الإنفاق الحكومي يمثل تهديدًا للمنظمة التي تتعامل مع الحكومة كشركات رصف الطرق، في حين أن زيادة الإنفاق الحكومي على التسليح هو فرصة لشركات الصناعات الحربية. وهذه بعض القوى الاقتصادية التي تؤثر في البيئة الكلية.

الميل للادخار، الميل للإنفاق، معدل التضخم، تقلب الأسعار، الضرائب والرسوم، ميزان المدفوعات، متوسط الدخل الفردي، إجمالي الناتج القومي، قيمة العملات الأجنبية، السياسات الاقتصادية، معدلات التصدير والرسوم، التكتلات الاقتصادية.

2ـ القوى الاجتماعية:

تتعلق القوى الاجتماعية بالقيم والعادات والتقاليد والخصائص السكانية المكانية و الحضارية السائدة في البيئة المحلية والعالمية.

والتغير في القوى الاجتماعية قد يكون إيجابيًا أي يصنع فرصة لبعض المنظمات، أو سلبيًا أي يمثل تهديدًا للبعض الآخر؛ فالتغير في ثقافة العميل يحدد الطريقة التي يفكر بها وأسلوب إنفاقه لأمواله في السوق كما تحدد أسلوب الاتصال به، وأسلوب إقناعه بالسلعة والخدمة.

فزيادة عدد الملتزمين بالمشروع الإسلامي للتغيير فرض نوعًا جديدًا في كثير من الصناعات والمنتجات، وأصبحت السياحة المرتبطة مثلاً بالحج والعمرة أروج بكثير من سياحة الشواطئ والملاهي، وكذلك ملابس النساء، أصبحت في الأعم الأغلب تنحو نحو التحشم والالتزام، وكثرت المدارس الدينية الخاصة لتلبي حاجة هذا التغير الاجتماعي.

وهذه بعض القوى الاجتماعية التي تؤثر في البيئة الكلية: عدد المواليد، عدد الوفيات، معدل الزواج، معدل الطلاق، مستوى الثقافة والتعليم، عدد النساء العاملات، الرغبة في التعليم، القيم الدينية السائدة، المسئولية الاجتماعية، عادات الشراء، أهمية الصحة والنظافة، توزيع السكان [السن، الجنس]، أهمية الجودة، كيف يقضي الناس أوقاتهم.

3ـ القوى السياسية:

القوى السياسية هي القوى التي تحركها القرارات والقوانين السيادية والسياسات الحكومية، مثل منح الحكومة معونات لصناعة ما، أو إعفاءات ضريبية حتى تتمكن من المنافسة العالمية مما يعتبر تهديدًا للمنظمات الأجنبية التي تعمل في نفس الصناعة وفي نفس الوقت فرصة للمنظمات الوطنية.

وتعتبر قوانين حماية البيئة ومنع التلوث أحد التهديدات للمنظمات الصناعية التي عليها أن تداعى ذلك ليس فقط في خصائص المنتج ولكن في خصائص العبوة والغلاف، وتشكل قوانين الحماية الجمركية، أو تطبيق سياسة الدولة الأولى بالرعاية فرصًا للمنظمات التي تنتمي لمجموعة اقتصادية معينة.

وترتبط القوى السياسية بالقوى الاقتصادية، فكثير من القرارات السياسية [كوقف التعامل مع منظمات دولية معينة] ما هو في الحقيقة إلا انعكاس لمتغيرات اقتصادية، ولذلك فإن تقييم أثر القوى السياسية في خلق الفرص والتهديدات ينبغي أن يتم باعتبارها قوى غير مستقرة وغير دائمة.

ويزيد تأثير القوى السياسية على المنظمات متعددة الجنسيات والتي تمارس نشاطها في أسواق مختلفة ومتباينة الخصائص الحضارية والاجتماعية والتكنولوجية والاقتصادية حيث لا يمكن تجاهل تأثير القوى الاجتماعية على تشكيل اتجاهات القوى السياسية.

وتعتبر القوانين والقواعد التي تضعها الحكومات المختلفة مصدرًا رئيسًا للفرص والتهديدات فقواعد الاستيراد التي تضعها السوق الأوربية المشتركة تؤثر على المنظمات التي تتعامل مع أوربا، وتصنع أحيانًا تهديدًا بالغًا لبعضها كما حدث عندما تم الحظر على اللحوم البريطانية نتيجة لانتشار مرض جنون البقر مما اعتبر تهديدًا ليس فقط لصناعة اللحوم، ولكن لصناعة العلف البريطانية والتي شملها الحظر، وهذه بعض القوى السياسية التي تؤثر في البيئة الكلية:

العلاقات الدولية، القرارات السياسية، الاستقرار السياسي، التحالفات العسكرية والاقتصادية، الدواء العرقي، قوانين حماية البيئة، تأثير الانتخابات، جماعات الضغط السياسي.

4ـ القوى التكنولوجية: 

تتعلق التكنولوجيا بالوسائل الفنية المستخدمة في تحويل المدخلات إلى مخرجات، وتعتبر التغيرات التكنولوجية أحد القوى الأساسية في البيئة الكلية للمنظمة حيث تؤثر في صنع الفرص والتهديدات.

وتتعرض بعض المنظمات لتهديد مباشر نتيجة لتقادم التكنولوجيا التي تستخدمها بالمقارنة بما يستخدمه المنافسون حيث ينعكس ذلك في انخفاض جودة ما تقدمه من سلع وخدمات وارتفاع التكلفة، في حين أن المنظمات التي تعتمد على مستوى أعلى من التكنولوجيا يكون لديها فرص لجني ثمار تقدمها التكنولوجي لحين نجاح المنافسين في الحصول على ما تستخدمه من تكنولوجيا.

وعادة يؤثر التقدم التكنولوجي سلبيًا على المنظمات الصغيرة التي لا تستطيع الحصول على التكنولوجيا الجديدة، بينما تستفيد المنظمات الكبيرة التي تملك إدارة بحوث وتطوير نادرة على متابعة التطورات التكنولوجية، كما تملك القدرة المالية اللازمة للحصول على كل جديد.

ولا تؤثر التغيرات التكنولوجية على كل الصناعات بطريقة متساوية، فالبعض يتأثر بقوة مثل الصناعات الإلكترونية والاتصالات والصناعات الحربية، في حين أن الصناعات الغذائية والملابس أقل تأثرًا بالتغيرات التكنولوجية، ولكن لا يعني ذلك تجاهل التغيرات التكنولوجية في هذه الصناعات.

 وهذه بعض القوى التكنولوجية:

  • ـالتكنولوجيا التي يستخدمها المنافسون.
  • طرق الحصول على التكنولوجيا.
  • المنظمات الرائدة في استخدام التكنولوجيا.
  • الاستثمارات المطلوبة للحصول على التكنولوجيا.
  • التكنولوجيا الحديثة في الإنتاج.
  • معدل التغيير التكنولوجي في الصناعة.

وتعتبر القوى الأربعة السابقة: الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، التكنولوجية، هي الإطار الأوسع للبيئة المؤثرة في اتجاهات المنظمة، وهناك بيئة خارجية أقرب وتؤثر بشكل مباشر على توجهات المنظمة وتسمى بيئة الصناعة أو البيئة التنافسية نتناولها فيما بعد، والله الموفق.