الإجازات القرآنية سؤال وجواب

هذه بعض الأسئلة والإجابة عليها في موضوع"الإجازات القرآنية"وهي ضمن بحث وجيز كتبته لنفسي ولإخواني منذ فترة فأسأل الله تعالى أن يجعله خالصا لوجهه وأن يتقبله منا, وأرجو من كل أخ كريم رأى خللا أو نقصا أن ينبهنا عليه وجزاه الله خيرا.



س1: هل الإجازة القرآنية قديمة أم حديثة؟ وهل أجاز النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصحابة في القرآن؟

قال الدكتور / محمد الفوزان في كتابه"إجازات القراء"ص 19 ـ 22:

إن الإجازة شهادة من المجيز (المقرئ) إلى المجاز (القارئ), وهذه الشهادة تزكية للقارئ على حسن أدائه وجودة قراءته.

وإن الناظر في تزكية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لبعض أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ على حسن قراءتهم وجودتها إنما هي إجازة لفظية من خير البرية ـ صلى الله عليه وسلم ـ لخير القرون, وهو أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ وهي أوثق بلا شك من الإجازة الكتابية وذلك باعتبار المجيز والمجاز له.

وإليك بعض النصوص الدالة على ما أوردت بيانه ومن ذلك:

  1. ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "خذوا القرآن من أربعة, من عبد الله ابن مسعود, وسالم, ومعاذ, وأبي بن كعب".
  2. وما أخرجه الشيخان عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال لي النبي ـ صلى الله عنه وسلم ـ "اقرأ عليّ القرآن, قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال إني أحب أن أسمعه من غيري".
  3. ما أخرجه الشيخان أيضا عن انس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأبي إن الله أمرني أن أقرأ عليك, قال: آلله سمّاني لك؟ قال: آلله سمّاك لي, قال فجعل أبي يبكي"واللفظ لمسلم.

إن هذه الأحاديث بمجموعها تدل دلالة واضحة بينة على تزكية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأولئك الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ لإجازته لهم إجازة لفظية وشهادة عظمى من خير مجيز لخير مجاز.

  1. أخرج البغوي في شرح السنة: أن زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ شهد العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله على جبريل, وهي التي بيَّن فيها ما نُسخ وما بقي.

قال أبو عبد الرحمن السلمي هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت, لأنه كتبها لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقرأها عليه, وشهد العرضة الأخيرة, وكان يقرئ الناس بها حتى مات, ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه, وولاه عثمان كتبة المصاحف ـ رضي الله عنهم أجمعين"اهـ

يستفاد من هذا النص ما يأتي:

أولا: أن الاعتماد على زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ في بيان ما نسخ وما بقي من كتاب الله تعالى بناء على حضوره العرضة الأخيرة تعدُّ هذه بمثابة إجازة سماع لزيد ـ رضي الله عنه ـ من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ واعتماد الصحابة على زيد في كتبة المصاحف بعد وفاة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

ثانيا: عرض زيد ـ رضي الله عنه ـ القرآن على رسول الله شرف ومزية ورفعة له ـ رضي الله عنه ـ على غيره من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أجمعين".

ولم أقف على نص قاطع في بداية مصطلح الإجازة القرآنية, ولكن الذي يظهر لي والله أعلم أن ظهور هذا المصطلح متزامن مع بداية التصنيف في القراءات القرآنية في القرن الثالث الهجري.

كما جاء في ترجمة: محمد بن ادريس بن المنذر ـ أبو حاتم الرازي المتوفي سنة خمس وسبعين ومائتين؛ إذ روى القراءة إجازة الإمام أبو بكر بم مجاهد المتوفى سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.

وكما جاء أيضا في ترجمة: عبد الصمد بن محمد بن أبي عمران أبو محمد الهمداني المقدسي المتوفى سنة أربع وتسعين ومائتين؛ إذ روى عنه القراءة إجازة أحمد بن يعقوب التائب المتوفى سنة أربعين وثلاثمائة. اه ـ من إجازات القراء ص30

إقرأ أيضاً: دعاء قبل وبعد قراءة القرآن

س2 هل الإجازة تكون في القرآن فقط؟ وهل الأصل إجازة القرآن أم الحديث؟

قال الدكتور محمد بن فوزان في إجازات القراء 12 ـ 13:

"إن الإجازة القرآنية نوع من الإجازات العلمية المتعددة, وهناك إجازات المحدثين وهي الأصل في هذا الباب, وإجازات الفقهاء وإجازات القراء وإجازات القضاة وإجازات الخطاطين وإجازات الشعراء بل وإجازات الأطباء, وإن هناك إجازات أخرى تقديرية وتكريمية بين العلماء بعضهم بعضاً وبين العلماء والملوك والأمراء, فشملت الإجازات العلمية سائر العلوم الدينية وتجاوزتها بشكل سريع إلى العلوم الإنسانية والمادية بل وأصبحت الإجازة بحدّ ذاتها أمنية لكل مسلم في نيلها والحصول عليها بل ويلحون في طلبها.

وقال الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الشتري:

أقول إنَّ إجازات القراء كما سمعنا أن الأصل في الإجازات هو لأهل الحديث, أنا أقول إن الأصل في الإجازات هو لأهل القراءات لأن لهذا أصل في القرآن وفي السنة, أما الأصل الذي في القرآن فهو قوله تعالى (لا تحرك به لسانك لتعجل به, إن علينا جمعه وقرآنه, فإذا قرأناه فاتبع قرآنه), وأما في السنة فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أجاز شفهياً بعض أصحابه حينما قال لأبي:"أقرؤكم أبيّ"وحينما استمع لقراءة عبدالله بن قيس أبو موسى الأشعري وأثنى عليه في قراءته وهذه إجازة شفهية, وكذلك لعبدالله بن مسعود, وكذلك لغيرهم من القراء الذين اشتهروا في زمن الصحابة.

والأسانيد في القراءات هي مبثوثة في كتب أهل العلم, حتى إن من أهل الحديث من كان متقدماً في الإسناد في القراءات ثم الحديث, وكذلك الفقهاء كانوا كذلك ومن اطلع على كتب القراءات وكتب تراجم القراء مثل غاية النهاية وطبقات القراء للإمام الذهبي وغيرهم فإنه سيجد الكمَّ الهائل من علماء الحديث وعلماء اللغة وعلماء الفقه كانوا أهل إقراء وكانوا يجيزون حينما أخذوا هذه الإجازات, فالإجازات والإسناد أمرها كبير وشأنها عظيم, ولكنها في الأزمان المتأخرة خبت أو خفيت عن كثير من الناس حتى جاء هذا الوقت بحمد الله تعالى وأحيا هذا العلم, ونتطلع أن يكون لهذه الجمعية إن شاء الله تعالى بمساعدة أعضائها وتكاتفهم في الأعمال أن يكون لهذا العلم وغيره من العلوم التي تخدم القرآن الأثر الظاهر لهذه الأمة الذي به عصمتها وحمايتها وعزها ونصرها, اه ـ من الندوة الأولى للملتقى الأول للجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه بتاريخ 22 / 10 / 1424 هـ. وذلك بالقاعة

الكبرى بكلية أصول الدين ـ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ الرياض

س3: هل من حصل على شهادة من معهد القراءات أو كلية علوم القرآن سواء في حفص أو في القراءات أصبح مجازا في ذلك وله الحق في إجازة غيره؟

مقدمة:

معهد القراءات جهة تابعة للأزهر الشريف والدراسة فيه 8 سنوات, سنتان في حفص وبنهايتها يحصل الطالب على"شهادة التجويد"المعتمدة من الأزهر الشريف, وإذا أراد أن يكمل الطالب الدراسة بعد هذه المرحلة, فله أن يدخل مرحلة"عالية القراءات"وفيها يدرس الطالب القراءات العشر الصغرى مع حفظ متن"الشاطبية والدرة"وبنهايتها يحصل الطالب على شهادة"عالية القراءات", وإذا أراد الطالب أن يكمل الدراسة فله أن يدخل مرحلة"التخصص"وفيها يدس الطالب القراءات العشر الكبرى من خلال متن"طيبة النشر"لابن الجزري, وبنهايتها يحصل الطالب على شهادة التخصص, وإذا أراد أن يكمل بعد ذلك فله الدراسة في كلية علوم القرآن بطنطا ومدة الدراسة أربع سنوات يحصل بعد نهايتها على البكرليوس.

وبعد هذه المقدمة نقول: إن الذي يحصل على شهادة من المعهد أو الكلية لا تعتبر هذه الشهادة بمثابة الإجازة لماذا؟:

  1. غالبا الشيوخ الذين يُدِّرسون في المعهد ليس معهم إجازات, إلا من قرأ على المشايخ خارج المعهد, وهؤلاء المجتهدون الذين يعدون على الأصابع.
  2. غالبا الذين يَدْرسون في الجهات الرسمية تكون غايتهم الشهادة ليعملوا بها في الداخل أو الخارج.
  3. أن الطالب لا يعرض القرآن كله على الشيخ في خلال السنة الدراسية, لان هذا الطالب يقرأ جزءا والذي بعده يقرأ جزءا, وهكذا, فينتهي الطالب من السنة الدراسة وما يكون قرأ ربع القرآن على الشيخ.
  4. أن أكثر الطلاب يغيبون ولا يحضرون إلا على وقت الامتحان, ثم ينجحون في النهاية بالغش أو غيره كما هو حال أكثر من 70 % من الطلاب, وأنا أقول هذا الكلام لأنه"ليس الخبر كالمعاينة", وكثيرا ما كنت اصطدم مع بعض المدرسين بسبب ذلك الغش خاصة في القرآن الكريم والمواد الشرعية, ويغضب علىّ كثير من إخواني.
  5. أن كثيرا من الطلبة الذين تخرجوا من معاهد القراءات مستوياتهم دنيئة جدا ولا يحسنون قراءة حفص فضلا عن القراءات.

وغير ذلك من الأمور والأسباب التي تجعل الشهادة لا تكون بمثابة الإجازة, ولكن الجمع بينهم طيب وأفضل, فيحاول الطالب أن يجمع بين الاثنين"الشهادة والإجازة", والله أعلم.

س4 هل يجوز للطالب أن يقرأ على شيخه عبر التليفون أو الإنترنت؟

لقد كثُر الكلام على القراءة عبر التليفون والإنترنت في هذه الآونة الأخيرة, وذلك لأن التليفون وغيره لم يكن في عهد المتقدمين, فأقول وبالله التوفيق:

يجوز أن يقرأ الطالب على شيخه عبر التليفون وغيره خاصة إذا كان الشيخ كفيفاً فمن المعلوم أن الشيخ الكفيف لا يرى من يقرأ عليه وهو جالس معه في الغرفة, فما الفرق بين أن يقرأ الطالب عليه أمامه وبين أن يقرأ عليه عبر التليفون وغيره؟!

ولكن هناك بعض الضوابط وهي:

  1. أن يكون الشيخ عنده قوة ملاحظة في حركات فم الطالب من إتمام الحركات, وعدم ضم الشفتين في غير موضعه, وغير ذلك من الأشياء الدقيقة التي تتم بالمشافهة, فمتى فقدت المشافهة فيحتاج الشيخ إلى مزيد من الدقة في الملاحظة.
  2. أن يكون صوت التليفون صافيا نقيا دون تقطيع أو تشويش حتى يتسنى للشيخ أن يسمع القراءة جيدا, وكذلك الإنترنت, سواء على الماسنجر أو البالتوك, فإن هذا الأمر يتطلب في القرآن خصوصا, لقراءته بكيفية مخصوصة, أما الحديث فغير القرآن من حيث الأداء والكيفية.
  3. هناك بعض الأشياء المهمة لابد للطالب أن يتلقاها من شيخه ويراه وهو يقرؤها مثل الروم والإشمام وغير ذلك, فعلى الطالب أن يسأل شيخه عن ذلك عندما يحضر إليه.

تنبيه:

لا ينبغي التساهل في هذا الأمر, إلا لمن يسكن بعيدا عن الشيخ من باب التسهيل.

وبالجملة فإن هذه الخدمة"التليفون والإنترنت"من النعم التي أنعم الله بها علينا خاصة إذا استخدمت في العلم مثل قراءة القرآن والحديث وغير ذلك من العلوم النافعة, وهناك بعض المشايخ يقرءون عبر هذه الأشياء ومنهم:

  1. شيخنا الشيخ / عبد الباسط هاشم ـ حفظه الله تعالى ـ
  2. الشيخ / محمد عبد الحميد السكندري _ حفظه الله ـ
  3. شيخنا الشيخ / محمد نبهان مصري ـ حفظه الله تعالى ـ
  4. الشيخ المحدث / عبد الوكيل عبد الحق الهاشمي ـ حفظه الله تعالى ـ .

س5: هل يشهد على الإجازة أم لا؟

ومعنى ذلك أن يشهد شاهد أو اثنين على الإجازة ويوقع هذا الشاهد مع كتابة اسمه ورقم بطاقته, وقد سمعت بعض الإخوة يقول هذا العمل لا أصل له, بل يكفى توقيع الشيخ وختمه, فأقول: إن هذا العمل جائز لا شيء فيه, وليس من البدع المحدثة كما يظن البعض, بل هو من الأشياء المهمة في توثيق الإجازة وثبوتها, وهذا كالإشهاد والتوثيق في"عقد الزواج, فهل هذا الأمر بدعة؟, والشهادة في دين الله معتبرة.

قال الدكتور / محمد فوزان في إجازات القراء ص34 ـ 35 ـ 36:

"الإشهاد على الإجازة عند الشيخ مهمة في توثيق الإجازة وثبوتها إذ إن الشهادة في دين الله معتبرة, وبها تقام الحدود, وبها ترفع المظالم.

والإشهاد على الإجازة تكون بحضور من هم في طبقة الشيخ ما أمكن ذلك, أو من أحد تلاميذه, أو من غيرهم ممن هم من أهل الثقة والعدالة.

يقول ابن الجزري في منجد المقرئين ص (67):

"وأما ما جرت به العادة من الإشهاد على الشيخ بالإجازة والقراءة فحسن يرفع التهمة, ويُسكن القلب, وأمر الشهادة يتعلق بالقارئ يُشهد على الشيخ من يختار, والأحسن أقرانه النجباء من القراء المنتهين؛ لأنه أنفع له حال كبره"اهـ

*ومن الشواهد على الإشهاد على الإجازة: ما ذكره ابن الجزري في ترجمة محمد بن عبد الرحمن بن على بن أبي الحسن شمس الدين بن الصائغ الحنفي, ت 776 ه ـ ما نصه:

"فقرأت عليه فلما أن ختمت عليه الختمة الثانية وكتب لي الإجازة بخطه سألته أن يذهب إلى شيخنا جمال الدين عبد الرحيم الأسنوي شيخ الشافعية, فذهب إليه وهو بالمدينة الناصرية من القاهرة فأشهده وما كان شيخنا الأسنوي يعلم أني أقرأ القراءات فقال له: والقراءات أيضا, فقال: وغيرها من العلوم"انظر غاية النهاية (2/163 ـ 164).

ومما جاء في الإشهاد على الإجازة أيضا ما ذكره ابن الجزري في ترجمة القاضي محب الدين ناظر الجيوش بالديار المصرية ـ ت 708 هـ:

"قلت: وقرأت عليه جمعا من البقرة إلى قوله"ختم الله"وأجازني وأشهد في إجازتي"انظر الغاية أيضا (2/284).

إلى غير ذلك من النصوص التي تدل على مشروعية هذا الأمر, ولكن ليعلم أن الإشهاد على الإجازة ليس شرطا في صحتها, ولكنه زيادة في التوثيق والتثبت, وهو معمول به في الإجازات القرآنية وكذلك الحديثية في بعض البلاد الإسلامية.

س6: نرجو توضيح صيغة الإجازة التي يعطيها الشيخ للطالب؟

صيغة الإجازة تكون على الشكل التالي:

يكتب الشيخ في أول صفحة غالبا اسمه واسم المجيز والرواية أو القراءة التي قرأها الطالب, ثم يذكر مقدمة وبعدها يذكر أن الطالب الفلاني قرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره غيبا عن ظهر قلب برواية أو قراءة كذا, وبعضهم لا يكتب غيبا عن ظهر قلب, ثم يذكر الوصايا للطالب أو الشروط, ثم يذكر سنده للطالب, بعضهم يعطي الطالب سندا واحدا, أي: يعطيه سندا عن شيخ واحد, والبعض يعطي للطالب كل الأسانيد التي أخذها من شيوخه في الرواية أو القراءة التي قرأها الطالب, ثم في الختام يوقع الشيخ على الإجازة ويختمها بختمه, والبعض يضعون شهودا يشهدون ويوقعون على الإجازة كما مر معنا, وبعضهم يكتب الإجازة في ورقة واحدة فقط, يذكر فيها مقدمة بسيطة ثم اسم الطالب ثم السند باختصار, كالشيخ الزيات ـ رحمه الله ـ , وغيره.

أقول: والأفضل للشيخ أن يكتب عنده في دفتر خاص به أو كراسة اسم الطالب الذي ختم عليه وأن يكتب تاريخ الختمة, وعنوان الطالب إن أمكن ورقم هاتفه, ويعرِّف الشيخ أبناءه بكل طالب قرأ عليه, فإن هذا أوثق في عدم التدليس وغيره, وإن أمكن للطالب أن يسجل في نهاية الختمة الإجازة شفويا فهذا أوثق, ليكون معه إجازة مكتوبة وأخرى شفوية, وقد فعلت ذلك مع شيخي العلامة / بكري الطرابيشي وغيره.

س7: هل الطالب الذي عنده خلل في نطق بعض الحروف كـ"الراء, والسين, والصاد"وغير ذلك يأخذ الإجازة إذا ختم القرآن على شيخه؟

هناك بعض الناس قراءته طيبة ومتقنة إلا أن عنده عيبا في نطق بعض الحروف كاللدغة في"اللام", وتكرير"الراءات"بشكل مفرط, فهذا الطالب إذا لم يستطع أن يغير هذا الخلل يوما بعد يوم وعجز عن إصلاحه فلا شيء عليه والدليل قوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ), وقوله: (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ), والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول في الحديث: "إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان. ....."الحديث وما دام أن الخطأ صاحبه غير متعمد فمعفو عنه بإذن الله.

وعلى ذلك فإذا كان الخلل بسيطا كبعض الحروف فالشيخ يعطي هذا الطالب الإجازة بشرطين:

الأول: أن ينص الشيخ على ذلك في الإجازة.

الثاني: ألا تكون هذه الأخطاء في كل الحروف أو أكثرها.

س8: هل يجوز للشيخ أن يشترط"الهدية"على الطالب عند نهاية الختمة كما يفعل البعض الآن؟ قال ابن الجزري ـ رحمه الله ـ في منجد المقرئين ص 60:

"وأما قبول الهدية ممن يقرأ عليه؛ فامتنع من قبولها جماعة من السلف تورعا من أنها تكون بسبب القراءة".

قلت: هذا إذا لم يشترط الشيخ على طالبه؛ بل برغبة الطالب, أما الآن فلا حول ولا قوة إلا بالله الشيخ يشترط قبل القراءة ويقول مثلا: أنا بأخذ كذا في الشهر, وفي الإجازة كذا, وأما الهدية فإما أن تأتي بكذا وكذا وإما أن تأتي بكذا وكذا.

قال الإمام النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في التبيان ص44/45:

"ولا يشين المقرئ إقراءه في طمع في رفق يحصل له من بعض من يقرأ عليه, سواء كان الرفق مالا, أو خدمة وإن قلّ, ولو كان على صورة الهدية, التي لولا قراءته عليه لما أهداها إليه"أهـ.

قال ابن الجزري تعليقا على كلام النووي في المنجد ص 61:

"وحسن التفصيل, كما قيل في القاضي: لا يخلو؛ إما أن يكون القارئ كان يهدي للشيخ قبل قراءته عليه, أو لا, فإن كان؛ فلا يكره"أهـ

قلت: إذا أعطى الطالب شيخه الهدية برغبته ودون عسر عليه فلا شيء في ذلك, وإنما مربط الكلام في الذين يشترطون ويشقون على الطالب وإذا لم يستطع أن يأتي بالهدية فضحه الشيخ, وربما منع منه الإجازة حتى يأتي بالهدية, نسأل الله العفو والعافية.

ولله در شيخنا الجليل العلامة / بكري الطرابيشي ـ حفظه الله ـ الذي كان يرفض حتى زجاجة العطر من الطالب, وأخبرني أحد الإخوة أنه أهدى له هدية بسيطة بعد إلحاح شديد على الشيخ فأخذها الشيخ, وردها عليه الشيخ بهدية ثمينة جدا, والله أعلم.

س9: ما هي الفترة التي يختم فيها الطالب القرآن برواية أو قراءة أو أكثر على شيخه لينال الإجازة؟

أوردت هذا السؤال لأن بعض إخواننا من القراء المتقنين ذهب إلى شيخ وقرأ عليه القرآن في أربعة أيام, فقيل له: أخذ الإجازة في أربعة أيام, ما هذا التساهل؟ وذلك لأن المتكلم لا يفرق بين متقن وغيره, وعلى العموم أنقل ما قاله ابن الجزري في هذه المسألة, حيث قال في المنجد (64 ـ 65 ـ 66) دار الفوائد:

"ويستحب أن يسوّي بين الطلبة بحسبهم, إلا أن يكون أحدهم مسافرا, أو يتفرس فيه النجابة, أو غير ذلك, وله أن يقرئهم ما شاء كثرة وقلة".

وأما ما ورد عن السلف من أنهم كانوا يقرئون ثلاثا ثلاثا, وخمسا خمسا, وعشرا عشرا, لا يزيدون على ذلك, فهذه حالة التلقين, وأما من يريد تصحيح قراءة أو نقل رواية, أو نحو ذلك؛ فلا حرج على المقرئ أن يقرئه ما شاء.

وقد قرأ ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أول سوة النساء إلى قوله تعالى (وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) (النساء /41).

وقال نافع لورش ـ لما قدم عليه وسأله أن يقرأ عليه ـ : بِتْ في المسجد, فلما اجتمع عليه أصحابه قال لورش: أبتَّ في المسجد؟ قال نعم, قال: أنت أولى بالقراءة, فقرأ عليه القرآن كله في خمسين يوما, وعلى هذا مضت سنة المقرئين.

وقد قرأ الشيخ نجم الدين عبد الله بن عبد المؤمن ـ مؤلف الكنز ـ القرآن كله جمعا بالعشر على شيخ شيوخنا الإمام المسند تقي الدين محمد بن أحمد الصائغ لما رحل إليه إلى مصر في مدة: سبعة عشر يوما.

وقرأت أنا على شيخنا العلامة شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن الصائغ, لما رحلت إليه الرحلة الأولى إلى مصر, وأدركني السفر, وكنت قد وصلت إليه إلى آخر (الحجر) جمعا للقراءات السبع, بمضمن"الشاطبية", و"العنوان"و/"التيسير", فابتدأت عليه (النحل) ليلة الجمعة, وختمت عليه ليلة الخميس في ذلك الأسبوع.

وآخر مجلس قرأته: أني ابتدأت من أول (الواقعة ), ولم أزل حتى ختمت في مجلس واحد ليلا.

وقدم علىّ دمشق شخص من حلب, فقرأ علىّ القرآن أجمع بقراءة ابن كثير في خمسة أيام متتابعات, ثم قراءة الكسائي في سبعة أيام كذلك.

إذا العبرة بإتقان الطالب ومهارته, وأيضا أن يكون الشيخ عنده فسحة من الوقت, ولو قرأ الطالب على شيخه القرآن كله في يوم واحد فلا شيء في ذلك ولا يعتبر هذا تساهلا إلا إذا أفرط القارئ في التلاوة وتركه الشيخ كي يختم.

س10: هل يجوز الإجازة المجردة عن العرض والسماع؟

الإجازة القرآنية إما أن تكون عرضا وسماعا وهذا قليل جدا وهذه الطريقة التي تعلم بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ القرآن عن جبريل, وإما أن تكون عرضا فقط, وهذه الطريقة التي يسري بها أكثر القراء الآن, فإن الطالب يقرأ والشيخ يسمع ويصحح إذا كان هناك خطأ, وإما أن تكون الإجازة سماعا, يعني الشيخ يقرأ والتلميذ يستمع, وهذا نادر جدا في القرآن, كثير جدا في الحديث, وأعلى درجات هذه الإجازة هي المقرونة بالعرض والسماع, والأنواع الثلاثة كلها جائزة, وعلى ذلك فهل يجوز للطالب أن يذهب لشيخ ويطلب منه الإجازة دون أن يقرأ عليه شيئا أو يسمع منه شيئا؟

اختلف العلماء في ذلك, فبعضهم جوَّز ذلك والبعض منع, فممن جوَّز ذلك مطلقا: العلامة الجعبري, وممن منع ذلك الحافظ أبو العلاء الهمداني وبالغ في ذلك وعدّها من الكبائر.

قال الدكتور / محمد بن فوزان في إجازات القراء ص 42:

"لا تجوز الإجازة المجردة عن العرض والسماع مطلقا, ولا تمنع كذلك مطلقا؛ لكنها تجوز إذا تحققت في القارئ الأهلية وأراد علو السند وكثرة الطرق والمتابعة والاستشهاد, وأما إن كان من غير متابعة فقد توقف في ذلك ابن الجزري واشترط الأهلية"أهـ

قلت: ومعنى ذلك أن من كان متقنا ماهرا قرأ على أكثر من شيخ, وأراد علو سنده من شيخ آخر بطلب الإجازة فلا شيء في ذلك, أما المبتدأ أو الغير متقن فيمنع من ذلك.

س11: هل يجوز للطالب أن يعرض بعض القرآن على شيخه ويأخذ الإجازة في القرآن كله؟

الإجابة نفس الإجابة على السؤال السابق من وجود الأهلية مع الإتقان هذا هو الأصل, فإذا كان الطالب مجوِّدا وبلغ درجة كبيرة من الإتقان في القرآن وقرأ على شيخ أو أكثر وأراد أن يقرأ على شيخ آخر بعض القرآن ليأخذ منه السند, فقرأ عليه وأخذ منه السند فهذا لا شيء فيه, ويقول الشيخ: إن فلان بن فلان قرأ على بعض القرآن برواية كذا أو بقراءة كذا أو بالقراءات السبع أو العشر, وأجزته بما قرأ وبباقي القرآن, ودليل ذلك ما قاله ابن الجزري في غاية النهاية (2/64):

"أن محمد بن أحمد بن شهريار الأصبهاني دخل الروم فلقيني بأنطاكية متوجها إليَّ إلى الشام فقرأ علىَّ للعشرة بعض القرآن وأجزته, ثم توجه إلى مدينة لارُندة فأقام بها يُقرئ الناس"ا.هـ

وجاء في ترجمة الإمام المحقق ابن الجزري أنه جمع القراءات الاثني عشر بمضمن كتُب على الشيخ أبي بكر عبد الله الجندي, وللسبعة بمضمن العُنوان والتيسير والشاطبية على العلامة أبي محمد بن الصائغ, والشيخ أبي محمد عبد الرحمن بن البغدادي فتُوفيَّ ابن الجندي وهو قد وصل إلى قوله تعالى: (إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان. ...) الآية في سورة النحل, فاستجازه ابن الجزري فأجازه الشيخ الجندي وأشهد عليه ثم تُوفي فأكمل على الشيخين المذكورين......."انظر غاية النهاية (2/247 ـ 248 ), نقلا من إجازات القراء ص 50.