الأندراغوجي: نظرية التعلم

 بدأ الناس التفكير بتعلم الراشدين ودراسته والكتابة عنه منذ فترة وجيزة فقط. ومع ذلك فإن هذه الظاهرة قد شغلت الناس لمدة طويلة, إلا أن المتعلم الراشد لم ينل ما يستحقه من عناية واهتمام لسنوات عديدة.



 

من الجدير ذكره أن الأبحاث في هذا المجال قليلة, ويعود السبب في ذلك إلى وجود العديد من المعلمين الكبار المتخصصين بتعليم الراشدين عوضاً عن الأطفال وذلك منذ قديم الزمان. نذكر من بين هؤلاء المعلمين:

- "كونفيوشس" و"لاوتس" من الصين.

- الأنبياء العبريون والسيد المسيح في الأوقات التوراتية.

- أرسطو وسقراط وأفلاطون في اليونان القديمة.

- "سيسر وإيفيفليد وكوينتيليان" في روما القديمة.

 فخبرتهم مع الراشدين جعلتهم قادرين على تطوير مفهوم يخص عملية التعليم في ذلك الوقت بطريقة مختلفة جداً عن مفهوم التعليم الشكلي الذي ظهر فيما بعد.

 

فقد عدوا عملية التعلم: عملية استكشاف عقلي وليس مجرد تلق سلبي للمعلومات المطروحةٍ. لذلك, أوجد هؤلاء المعلمون تقنيات تسمح للمتعلمين بالاشتراك في عملية الاستكشاف هذه. كما أوجد الصينيون والعبريون القدماء ما نسميه اليوم بطريقة الحالة [w1]: وهي بأن يقوم المعلم أو أحد المتعلمين بسرد موقف ما على شكل حكاية رمزية, يحاول المتعلمون بعدها دراسة خصائصها وإيجاد الحلول المحتملة.

 

أما اليونانيون: فقد أوجدوا ما يسمى بالحوار السقراطي. تتلخص فكرة هذا الحوار بطرح سؤال أو مشكلة من قبل المعلم أو أحد المتعلمين حيث يحاول بقية المتعلمين تركيز تفكيرهم وخبرتهم لإيجاد الإجابة أو الحل. تميز الرومان بأسلوب المواجهة حيث استخدموا اختبارات تجبر أعضاء المجموعة على ذكر مواقفهم وآرائهم والدفاع عنها. نظمت المدارس في القرن السابع في أوروبا لتعليم الأطفال وخاصة لإعداد الأولاد الصغار لمرحلة الرهبنة. لذلك, أصبحت تلك المدارس تعرف بالمدارس الرهبانية والكاتدرائية.

كانت المهمة الرئيسية لهؤلاء المعلمين تتركز بتلقين الطلاب العقائد والدين وطقوس الكنيسة. كما طوروا مجموعة من افتراضات التعلم واستراتيجيات التعليم, التي تعرف الآن بعلم أصول التدريس (البيداغوجي).

   

والبيداغوجي اصطلاحاً: هو "فن وعلم تعليم الأطفال." وهي مشتقة  من مصدر إغريقي من  كلمة بيد [w2] التي تعني "الطفل"والكلمة إغوجس [w3] بمعنى"القائد." وقد استمر اعتبار هذا النموذج التعليمي حتى القرن العشرين كأساس تنظيميي لنظام التعليم. كما ظهرت مجموعة من الأفكار حول الخصائص المميزة للمتعلمين الراشدين في كل من الولايات المتحدة وأوروبا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى بفترة وجيزة. إلا أن هذه الأفكار لم تتطور لتشكل إطاراً متكاملاً لتعلم الراشدين إلا في العقود القليلة الماضية. إذ إن تتبع مراحل تطور هذه العملية ضمن هذا البلد أمراً في غاية التشويق.

 

اتجاهان هامان من البحث

هناك اتجاهان سائدان من البحث ظهرا مع بداية تأسيس الجمعية الأمريكية لتعليم البالغين عام 1926 وقيام شركة" كار ينجي" في نيويورك بتبني مهمة التمويل الضخم للبحث والنشر. ويمكن تصنيف هذين الاتجاهين في:

1-الاتجاه العلمي.

2-الاتجاه الفني أو الحدسي/التأملي.

فالاتجاه العلمي: يسعى إلى اكتشاف المعرفة الجديدة وذلك من خلال الأبحاث الدقيقة التي غالباً ما تكون تجريبية. ترافق هذا الاتجاه مع نشر كتاب "تعلم الراشدين[1][1]" لمؤلفه "إدوارد إل.ثورندايك" عام 1928. ومن الملاحظ أن عنوان الكتاب مضللاً  حيث أن "ثورندايك" لم يكن مهتماً  بعملية تعلم الراشدين بل بقدرتهم على التعلم. كانت لأبحاث ثورندايك أهمية كبيرة من حيث أنها قدمت أساساً علمياً للمجال الذي كان يركز سابقاً فقط على الاعتقاد بقدرة الراشدين على التعلم. ظهرت بعد ذلك أبحاث إضافية في هذا الاتجاه في العقد التالي وتضمنت بعضاً من الكتب منها: كتاب "اهتمامات الراشدين[1][2]" لثورندايك في عام 1935 وكتاب "قدرات الراشدين[1][3]" لهيربيرت سورنزن في عام 1938.

ومع بداية الحرب العالمية الثانية, تمكن معلمو الراشدين من الحصول على دليل علمي يثبت قدرة الراشدين على التعلم و مدى اختلافهم عن الأطفال من ناحيتي القدرة والاهتمام.

 

من جهة أخرى, يسعى الاتجاه الفني لاكتشاف المعرفة الجديدة من خلال الحدس وتحليل الخبرات. وقد اهتم هذا الاتجاه بكيفية تعلم الراشدين وتحددت بدايته بنشر كتاب "معنى تعليم الراشدين[1][4]" عام 1926 لمؤلفه "إدوارد سي.ليندمان". وضع ليندمان أساساً لنظرية منظمة حول تعلم الراشدين إذ كان من الواضح تأثره بفلسفة "جون ديوي" التربوية. ومن الأفكار التي تحدث عنها ليندمان:

إن مدخل تعليم الراشدين يعتمد وبشكل كبير على المواقف بدلاً من المواضيع, الأمر الذي تفتقده أنظمتنا الأكاديمية. فالمعلم ومادة البحث يشكلان نقطة انطلاق رئيسية في تلك الأنظمة, في حين يحتل الطلاب أهمية ثانوية. وهنا يتوجب على الطالب أن يتكيف وفقاً للمنهاج المعتمد في التعليم التقليدي. أما فيما يخص تعليم الراشدين, فيتم وضع المنهاج انطلاقاً من حاجات الطالب واهتماماته. فلكل شخص راشد ما يناسبه في المواقف الخاصة فيما يتعلق بعمله واستجمامه وحياته العائلية ومحيطه الاجتماعي وما إلى هنالك من مواقف تستدعي التغيير. وهنا تأتي مهمة تعليم الراشدين. إذ يتم تقديم مادة البحث ضمن الموقف عند الضرورة . فيقوم المعلم والكتاب بدور جديد وثانوي ضمن هذا النوع من التعليم حيث يتم التركيز الأساسي على المتعلم. (ص 8-9)

 

وتتجلى قيمة تعليم الراشدين الأساسية بمدى خبرة المتعلم. فإذا كان التعليم هو الحياة فإن الحياة هي التعليم. فالتعلم بمعظم أشكاله يشتمل على بدائل تعويضية لخبرة الشخص ومعرفته. وهذا ما تعلمناه عن طريق علم النفس أن نكتسب خبرتنا مما نقوم به. بالنتيجة, فإن التعليم الحقيقي يضمن كلاً من العمل والتفكير.... أما الخبرة فهي بمثابة الكتاب المدرسي الحي للمتعلم الراشد. (ص9-10)

 

إذ أنه ما من مكان للتعليم الرسمي أو الاختبارات التي تعيق التفكير الجديد أو الصيغ التربوية الصارمة في تعليم الراشدين. ماذا نجد في مواقف تعليم الراشدين؟ نجد مجموعات صغيرة من الراشدين الذين:

- يسعون للمحافظة على عقولهم مفعمة بالنشاط والحيوية.

- ينطلقون في تعلمهم من مواجهة مواقف ذات صلة وثيقة بالموضوع.

- يستهلكون جميع خبراتهم قبل اللجوء إلى الكتب والحقائق الثانوية.

- يصلون إلى المعرفة بأنفسهم وبدون الاعتماد على الآخرين.

نصل إلى أن عملية تعليم الراشدين: هي السعي الحديث للكشف عن معنى الحياة. إذ إن نظرية تعلم الراشدين تتحدى ما يلي:

- مفاهيم الذكاء الثابتة والمحددة.

- الحدود القياسية للتعليم التقليدي.

- النظرية التي تخصص الوسائل التعليمية للدروس التفكيرية [w4].

ونرى غالباً أن المدافعين عن الوضع الراهن للتعليم يعتقدون بعدم اكتراث معظم الراشدين بالتعلم لعدم وجود الحافز لهم في التعليم المستمر. إلا أن الوضع مختلف في حال حصول الراشدين على هذه التحفيزات مما سيدفعهم تلقائياً لانتهاز الفرص التعليمية المجانية التي تقدمها الوكالات العمومية. ولابد من التنويه هنا إلى أن  هذه المناقشة تؤدي إلى إثارة الشكوك والأخطاء في فهم المشكلة. إذ من الصعب علينا الإلمام بعدد الراشدين الساعيين إلى فهم أنفسهم وكذلك العالم الذي يعيشون به, حيث أن استخدام التعليم لنماذج المطابقة سيحول دون معرفتنا بذلك. فتعليم الراشدين هو محاولة اكتشاف طريقة جديدة وخلق حافز جديد للتعلم. بالتالي: يركز تعليم الراشدين على النوع وليس الكم. أما المتعلمون الراشدون فهم أولئك الأشخاص الذين نجد صعوبة بإثارة طموحاتهم الفكرية من خلال المتطلبات الصارمة لمؤسسات التعلم التقليدية [w5]. (ص 27-28)

 

فتعليم الراشدين هو عملية زيادة وعي المتعلمين فيما يتعلق بالخبرات حيث ينتج التقويم عن إدراك الأهمية. فكسب الخبرات مهم بالنسبة لنا عند إدراكنا ماذا يحدث وما هي أهمية النشاط التعلمي بالنسبة لشخصياتنا. (ص169)

 

ولمزيد من التوضيح نقدم فيما يلي اقتباسين آخرين من كتابات ليندمان:

 

عملية تعليم الراشدين من خلال تقنية جديدة للتعلم حيث أنها تشكل ضرورة لكل من الخريج الجامعي والعامل اليدوي الأمي على حد سواء. حيث يتمثل تعليم الراشدين في إدراك وتقييم خبرته الخاصة. ولا يتحقق ذلك من خلال دراسة "المواضيع" على أما  [H6]الاستفادة من هذه المعلومات في يوم من الأيام. على العكس, يبدأ الراشد بالاهتمام بالمواقف التي تعنيه إضافة للمشاكل التي تعيق إنجازه الذاتي. إذ يتم توظيف الحقائق والمعلومات المستمدة من مجالات المعرفة المختلفة في حل المشكلات, لأننا بالنهاية لا نهدف إلى تجميع المعلومات بل إلى الاستفادة منها. بذلك يجد المعلم لنفسه وظيفة جديدة في هذه العملية فهو لم يعد ذلك الشخص الذي يوجه المعلومات والنصائح باعتباره صاحب السلطة. إذاً: المعلم هنا شخص مرشد ومفسرلا يتردد في المشاركة بالتعلم بحسب نشاطه وصلة التعلم بحقائقه وتجاربه.

 

وإن تعليم الراشدين هو بالنهاية: مغامرة تعاونية في التعلم الغير صارم ورسمي. كما أنه يهدف إلى اكتشاف معنى الخبرة, فهو سعي العقل للغوص عميقاً داخل المفاهيم والأفكار السابقة المسؤولة عن تصرفاتنا. بتعبير آخر, إنه تقنية لتعلم الراشدين تقوم بصهر الحياة والتعلم في بوتقة واحدة مما يرفع من  مستوى المعيشة لتصبح نوعاً من التجربة المجازفة. (جيسنر,1956,ص160)

 

إن ما يميز تعليم الراشدين عن التعليم التقليدي هو اشتراك المعلم في عملية التعلم مما يحسن مستوى المعلم الرديء. ففي داخل صف الراشدين تكون خبرة الطالب على قدر من الأهمية لدرجة أنها تعادل معرفة المعلم بحيث يستفيد كلاهما من معارف وخبرات الآخر. في الحقيقة, قد يحدث أن تعهد نفسك داخل أفضل صفوف الراشدين عاجزاً عن اكتشاف من يتعلم بشكل أكبر, هل هو المعلم أم الطالب؟ ويتضح لنا هذا التعلم الثنائي من خلال السلطة المشتركة. يكيف التلاميذ أنفسهم وفق المناهج المقدمة في التعليم التقليدي, أما في تعليم الراشدين فإن الوضع مختلف حيث يساهم الطلاب في إعداد المناهج.... وبهذا يسود جو من الديمقراطية وتوزع السلطة والإدارة على الجميع. (جيسنر,1956,ص166)

 

تبدو هذه المقاطع المقتبسة من ليندمان, باعتباره عالماً نظرياً رائداً, كافية لتصوير طريقة جديدة في التفكير حول تعلم الراشدين. ومن الجدير بالذكرأن "ليندمان" (1926) قدم عدة افتراضات رئيسية فيما يتعلق بالمتعلمين الراشدين. يظهر "الجدول 1-4" ملخصاً بهذه الافتراضات. كما ظهرت فيما بعد أبحاث أكدت صحة تلك الافتراضات التي اعتبرت أساساً لنظرية تعلم الراشدين:

1-  إن الذي يحفز الراشدين على التعلم مرتبط بمدى تلبية هذا التعلم لحاجاتهم واهتماماتهم. لذلك تعتبر الحاجات والدوافع نقطة انطلاق رئيسية لتنظيم فعاليات تعلم الراشدين.

2-  يتمحور تعلم الراشدين حول الحياة مما يجعل من مواقفها وحدات ملائمة لتنظيم تعلم الراشدين بدلاً من مواضيع التعلم.

3-  تشكل الخبرة أغنى مصادر تعلم الراشدين مما يجعل الدراسة التحليلية للخبرة بمثابة طريقة منهجية أساسية لتعليمهم.

4-  شعور الراشدين بالرغبة القوية في التعلم الذاتي. يجعل وظيفة المعلم مشاركة الطلاب في عملية الاكتشاف بدلاً من مجرد نقل معارفه إليهم ومن ثم اختبار التزامهم بتلك المعلومات.

5-  تزداد الفروق الفردية بين الناس مع التقدم بالسن, الأمر الذي يفرض على تعليم الراشدين اتخاذ الإجراءات المثالية مع أخذ تلك الفروقات بعين الاعتبار فيما يتعلق بالأسلوب والوقت والمكان وسرعة التعلم.

 

الجدول 1-4

ملخص لافتراضات ليندمان الأساسية حول المتعلمين الراشدين

 

1- الذي يحفز الراشدين على التعلم مرتبط بمدى تلبية هذا التعلم لحاجاتهم واهتماماتهم.

2- يتوجه المتعلمون الراشدون بتعلمهم نحو الحياة.

3- تعتبر الخبرات أهم مصادر لتعلم الراشدين.

4- شعور الراشدين برغبة قوية للتعلم الذاتي.

5- تزداد الفروقات الفردية بين الناس مع التقدم بالسن.

 

من الممتع ملاحظة أن ليندمان لم يفرق بين تعليم الراشدين وتعليم الشبان حيث انصب اهتمامه على مقارنة تعليم الراشدين بالتعليم التقليدي. فنستنتج من ذلك: أن تعلم الشبان يفوق تعلم الراشدين عند الاهتمام بحاجاتهم ومواقف حياتهم وخبراتهم ومفاهيمهم حول ذاتهم وفروقاتهم الفردية.

 

ظهر اتجاه البحث الفني, الذي بدأه ليندمان في عام1926, من خلال "مجلة تعليم الراشدين[1][5]."

وهي مجلة تصدرها الجمعية الأمريكية لتعليم الراشدين أربع مرات سنوياً. حيث  ساهمت هذه الجمعية, بين شباط 1929 وتشرين الأول 1941, بشكل كبير في مجال تعليم الراشدين.

 

فيما يلي مجموعة من الأفكار الجديدة حول تعلم الراشدين من خلال بعض الاقتباسات من مقالات تلك المجلة التي جمعت معلوماتها بالاستعانة بخبرات أصحاب المهن الناجحة.

 

بقلم "لورانس بي.جاكس", رئيس كلية مانجستر, أكسفورد, إنجلترا:

"لا يسعنا اعتبار الدخل والمعيشة فرعين منفصلين لأن كلاً منهما مكمّل للآخر في حياتنا. فهما وجه لعملة واحدة, أو اسمين مختلفين لعملية واحدة مستمرة ينظر إليها من نتائجها المختلفة.... فنحن بأمسّ الحاجة في الوقت الحاضرإلى تعليم يرتكز على مفهوم الاستمرارية وهو أن تستمر الحياة. وبناء على هذا التعليم, تعتبر صناعة الحضارة "مدرسة مستمرة" للتفكير والشخصية وتهدف إلى:

- تكييف الرجال والنساء وفقاً للمهن المتخصصة التي يعملون بها.

- تنشيط المهن وإحيائها من خلال السعي للتفوق في كل المجالات.

رغم أنني سأبدو خيالياً نوعاً ما, إلا أنني سأتجرأ وأقول بأن الهدف النهائي للتعليم الجديد هو تحويل نشاط العالم الصناعي بشكل تدريجي إلى جامعة عالمية. بمعنى آخر, يهدف التعليم الجديد إلى التدرج في خلق حالة يكون فيها كسب الرزق والبقاء على قيد الحياة بدلاً من الوجود عملية واحدة ومستمرة خلافاً لما هو الحال عليه الآن حيث ينظر لهما كعمليتين منفصلتين وغالباً متعارضتين. (مجلة تعليم الراشدين, العدد الأول [w7], 1, شباط,1929, ص7-10).

 

بقلم روبرت دي.لاي, رئيس كلية بينتون:

فإن تعليم الراشدين يسهم في إدراكنا لقيمة وأهمية استمرارية عملية التعلم إلى حد بعيد.... ويعتبر حكماء هذه الحركة في الولايات المتحدة تعليم الراشدين بمثابة فرصة تربوية تفوق بأهميتها  تلك الفرصة المقدمة للشباب والسبب في ذلك لا يعود إلى الحوافز الزائفة للمنظمات الأكاديمية بل إلى:

- الاندفاع الذاتي للتعلم انطلاقاً من رغبة المتعلم الصادقة بالمعرفة وإغناء خبراته.

- استفادة المتعلم من تجاربه اليومية ذات الصلة الوثيقة بمادة التعلم.

- تثبيت المعلومات الجديدة بسرعة نتيجة لما سبق وإغنائها بمواقف الحياة اليومية.

بالتالي فإن رواد هذه الحركة لا يجعلون من  تعليم الراشدين بديلاً عن التدريس غير الكافي الذي يتلقاه الشبان. وهكذا وبشكل تدريجي أصبح مفهوم تعليم الراشدين واضحاً نستخلصه فيما يلي:

- عملية استمرارية تبدأ منذ الولادة وتنتهي عند الموت.

- عملية ذات صلة وثيقة بخبرات الفرد اليومية.

- عملية واقعية هامة بالنسبة للمتعلم.

- عملية تتميز بإشراك المتعلم على نحو فعال وعدم وقوفه عند عملية التلقي بشكل سلبي. (مجلة تعليم الراشدين, العدد الثاني [w8], 2, نيسان, 1930, ص123)

 

بقلم ديفيد إل. ماكيه, مدير قسم تعليم الراشدين في المدارس العامة, سان خوزيه, كاليفورنيا:

"ينظر الراشدون إلى الشخص باعتباره معلماً جيداً فقط عندما يكون لديه إيمان راسخ بالحياة وعندما يكون قادراً على إثارة مناقشات عقلانية من جوهر الحياة. إلا أنه لا يعد معلماً للراشدين إلى أن يتواجد ضمن مجموعة يقوم أعضاؤها بالمناقشة أو الرفض أو السخرية  من إيمانه هذا. وهنا سر تعلق الطالب بمعلمه لما يثير في نفسه من متعة وسرور. وفي مثاله عن القدرة على الاحتمال, يزعم "برودون" بأن احترام الشخص ينم عن درجة كبيرة من العقلانية أكثر من حبنا له.... هناك دليل إيجابي بعدم ظهور نظام لتعليم الراشدين قادر على إنجاح الطرق الجامعية لتعليمهم في المجالات الثقافية. إذ لابد من إضافة شيء جديد بأسرع وقت ممكن سواء فيما يتعلق بمحتوى أو بطريقة تعليم الراشدين. وفي هذا السياق, تفشل دور المعلمين[1][6] في إعداد المدرسين الجيدين لتعليم الراشدين [w9]. (مجلة تعليم الراشدين, العدد الثالث [w10], 3, حزيران, 1931, ص293-294)

 

بقلم ماريا روجرز, عاملة متطوعة في مجلس مدينة نيويورك لتعليم الراشدين:

هناك نوعاً من تعليم الراشدين يحظى باهتمام أكبر واستخدام أوسع من قبل المعلمين الذين يبحثون عن طرائق جديدة. أثبت هذا النوع فعاليته في حالات عديدة على الرغم من أن انتشاره محدود حيث أخذ على عاتقه مهمة أكثر صعوبة مما تقوم به مؤسسات تعليم الراشدين إذ تقوم تلك المؤسسات بتحديد مفهوم الطريقة اعتماداً على نتيجة التطبيق المخصص للراشدين الذين يدخلون قاعة الدروس لتعلم شيء محدد مسبقاً. أما هذا النوع الجديد من التعليم فيهدف أولاً إلى جعل حياة المشاركين ذات قيمة تربوية بالنسبة لهم.... الخطوات المستخدمة من قبل المعلم في الطريقة الجماعية للتعليم؟

1-  يرحب بوجود الناس كأشخاص عاديين واجتماعيين [w11].

2-  يبحث عن المجموعات التي يعمل ضمنها هؤلاء الأشخاص ويكون له  [H12]ضمنها وجوده الخاص.

3-  يساعد على إكساب حياتهم قيم تربوية. (مجلة تعليم الراشدين, العدد العاشر [w13], تشرين الأول, 1938, ص409-411)

 

بقلم روث ميرتون, مدير قسم التعليم, ميلووكي, واي.دبليو.سي.أي:

تتميز المدارس النهارية باحتواء الطلاب ما بين الأطفال والمراهقين الشباب. فتكون بذلك العلاقة بين المعلم والطالب علاقة يسودها الجهل ومع ذلك فإن لها فوائد عديدة. أما في المدارس الليلية فالوضع مختلف تماماً. فالمعلم يقوم بتوجيه موضوع واحد فقط, في حين يتمتع  الطلاب ببعض المهارات أو المعارف على اختلاف مجالاتهم والتي يفتقر إليها المعلم. فهذا يقود إلى جو من المناقشات داخل صفوف المدارس, فضلاً عن الإحساس بالزمالة أثناء التعلم حيث يمكن للمرء ملاحظة اندفاع كل من المعلم والطالب للتعلم على حد سواء. ومن الملاحظ هنا أن الطريقة المثالية للوصول إلى هذه الحالة هي الضحك بالنظر إلى تفاوت درجاته من شخص لآخر. فالتأكيد على أهمية إتباع الأسلوب المرح أثناء التعليم ضرورة على الرغم من الصعوبات التي يواجهها المعلمون كالإرهاق وصعوبة استيعاب الطلاب. (مجلة تعليم الراشدين, العدد التاسع [w14], نيسان, 1939, ص178)

 

بقلم بن إم. تشيرنتون, رئيس قسم العلاقات الثقافية في وزارة الخارجية الأمريكية:

يتصف تعليم الراشدين المؤيد لمبدأ إخضاع الفرد إخضاعاً كاملاً, بدقة التنظيم وهذا منتشر في كافة أنحاء العالم. يلزم هذا النوع من التعليم الطالب بالتقيد بنماذج معينة من السلوك يتم تحديدها من قبل السلطة. ويتوقع أن يكون السلوك فيها قياسياً وقابلاً للتنبؤ.... في حين يستخدم التعليم الديمقراطي طريقة نشاط التعلم الذاتي مع حرية اختيار مادة البحث وتحديد النتائج. حيث يعتمد هذا التعليم على التلقائية. ومما لا شك فيه أنه من الصعب توقع السلوك وهذا يبرر كونه غير قياسي. فالتفكير النقدي الشخصي يمثل الوصف الأفضل للطريقة الديمقراطية وهناك شرخ كبير ما بين النظام الديمقراطي والنظام الصارم في الدقة. (مجلة تعليم الراشدين, العدد التاسع [w15], 3, حزيران, 1939, ص244-245)

 

بقلم ويندل توماس, مؤلف كتاب "الفلسفة الديمقراطية[1][7]" وأستاذ لمعلمي الراشدين في مدينة نيويورك:

إن اختلاف تعليم الراشدين عن التعليم العادي هو تماماً كاختلاف حياة الراشد بما فيها من مسؤوليات فردية واجتماعية, عن حياة الطفل التي يتخللها الأمان والحماية.... فيختلف الراشد عن الطفل عادة في وعيه لفرديته ولهدفه الاجتماعي. بناء على هذا فإن تعليم الراشدين يتيح الفرصة أمام الطلاب لتقديم إسهاماتهم الشخصية. وبالتالي تنظيم هذه الإسهامات على شكل هدف اجتماعي. (مجلة تعليم الراشدين, العدد التاسع, 4, تشرين الأول, 1939, ص365-366)

 

بقلم هارولد فيلدز, نائب مدير المدارس الليلية, مجلس التعليم, مدينة نيويورك:

يجب تغيير كل من محتوى المناهج وطريقة التعليم بحيث نستعيض عن المحاضرات بالتمارين داخل الصف والتي تحمل في طياتها المشاركة الطلابية. وتنطلق من شعار "دع الطلاب يؤدون أعمالهم بأنفسهم." كما يجب علينا إتاحة الفرص الكافية للاجتماعات والمناقشات [w16] فضلاً عن استخدام الصحف والمجلات والمناهج والإعلانات إضافة للكتب الدراسية لتعليم القراءة. هذا ولا بد من جعل الأنشطة اللاصفية جزءاً هاماً من سير العملية التربوية.... هناك بعض المبادئ التي يجب تضمينها في برنامج تعليم المواطنين الراشدين من أجل إنجاح البرنامج (مجلة تعليم الراشدين, العدد العاشر [w17], كانون الثاني, 1940, ص44-45)

 

ومع بداية عام 1940 تم اكتشاف معظم المبادئ التي تحتاجها النظرية الشاملة لتعليم الراشدين لكن لم يتم جمعها ضمن إطار موحد وبقيت منفصلة كوجهات النظر والمفاهيم والمبادئ. وفي الأربعينات والخمسينات حظيت تلك المبادئ باهتمام أكثر حيث جرى توضيحها وتطويرها لتساهم في الانفجار الحقيقي للمعرفة في جميع مجالات العلوم الإنسانية آنذاك. (من الممتع ملاحظة أن هذه الفترة تتميز بتحول تدريجي في تركيز الأبحاث التي أصبحت تركز على دراسات الحالة الطولانية [w18] والشمولية لتحقيق أكبر قدر من المعرفة المفيدة بدل أبحاث الثلاثينات والأربعينات التي اتسمت بالجزئية والتجريبية والكمية.

 

المصدر: موسوعة التعليم والتدريب

لقراءة بقية المقالة اقترح زيارة موسوعة التدريب والتعليم