الأعاصير والزلازل: محاكمة علمية بأبعاد دينية

أثارت تصريحات د. زغلول النجار، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر، حول التفسير الديني للأعاصير والزلازل والبراكين وغيرها من الكوارث الطبيعية، بأنها جند من جنود الله لعقاب البشر وحسابهم، وأنها «عقاب للعاصين، وابتلاء للصالحين، وعبرة للناجين».

هذه التفسيرات أثارت جدلاً واسعاً على الساحة الإسلامية، حيث يرى كثير من علماء الدين أن ما يحدث في الكون لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى وأنها تقوم مقام الرسالات السماوية في الإنذار والتخويف لعل الناس يرجعون عما هم فيه ويعودون إلى الله عز وجل ومن أنصار هذا الرأي د. عبد العظيم المطعني، أستاذ الدراسات العليا بجامعة الأزهر الشريف.



فيما يرى الفريق الآخر من العلماء أن كوارث الطبيعة موجودة منذ الأزل في كل بلاد العالم إسلامية وغير إسلامية، وأن الله تعالى لو كان يريد بها عقاب وإخافة من يحاربون الإسلام والمسلمين لتركزت هذه الكوارث في المناطق غير الإسلامية، لكنها تصيب المسلمين وغير المسلمين، ومن أنصار هذا الرأي الكاتب والمفكر الإسلامي جمال البنا. 

د. عبد العظيم المطعني: الكوارث تقوم مقام استمرار الرسالات السماوية في الإنذار * يقول د.عبد العظيم المطعني: إن الزلازل والبراكين والأعاصير والسيول، هذه تصرفات الله في الكون أرسلها لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى، وهي تقوم مقام استمرار الرسالات السماوية في الإنذار والتخويف، لعل الناس ينزجرون عما هم فيه ويرجعون إلى الله، أو يتوقفون عن الفساد في الأرض، ومصداق ذلك

قوله تعالى:(هو القادر على أن ينزل عليكم عذاباً من فوقكم) مثل الأعاصير والسيول، (أو من تحت أرجلكم) مثل الزلازل والبراكين والفيضانات، (أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض..انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون).

وقد تكون هذه الظواهر انتقاماً من الناس لظلمهم وبعدهم عن منهج الله عز وجل وناموسه، فهي علامة من علامات غضب الله على خلقه وليس غضب الطبيعة كما يفسره الملحدون، فهي فعلاً جند من جنود الله سبحانه وتعالى (وما يعلم جنود ربك إلا هو) وكل هذه الآيات تدخل تحت مبدأ الإنذار والتخويف، لأنه لا رسول بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ولو ترك الله الناس بدون هذه الإنذارات وهم مقيمون على ما يغضب الله، لكان ذلك باعثاً على زيادة طغيانهم وظلمهم وفسادهم في الأرض.

فهي رحمة للمؤمنين الطائعين وتخويف للطغاة والمفسدين لعلهم يتداركون أنفسهم، عملاً بما نزل بهم من العذاب الأصغر، حتى لا يكونوا أهلاً للعذاب الأكبر يوم القيامة.

وتفسير هذه الأمور على أنها ظواهر طبيعية مقطوعة الصلة بالله خطأ شنيع يقع فيه التيار العلماني والملحدون الذين يريدون أن يفوتوا على الناس الاتعاظ وأخذ الدروس والعبر من هذه الكوارث، كما قال الله عز وجل: (وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً)، والذين يصابون من الأبرياء في هذه الكوارث لهم تعويض عند الله تعالى بغفران الذنوب ورفعة الدرجات عنده يوم القيامة، أما الظلمة والفسقة فهي إما تكفير لسيئاتهم وإما انتقام منهم، حسب علم الله، فهذه الأمور ترجع إلى علم الله تعالى، وهناك ضابط حافظ من الخطأ

يقول الله تعالى: (إن الله لا يظلم الناس شيئاً)، فهو سبحانه عادل ورحيم، فلنفوت الفرصة على هؤلاء الذين يسعون إلى إخراج هذه التصرفات الإلهية الحكيمة من مجالها الإيماني وتفسيرها تفسيراً يقطع الصلة بينها وبين الله، لأن الله لا يقع في ملكه إلا ما يريد بقدرته ولحكمة يعلمها هو، أما نحن فلن نؤتى من العلم إلا قليلاً.

أما الحادثة التي حدثت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتشدق بها البعض، بأنه عند موت إبراهيم ابن الرسول أن كسفت الشمس فقال الناس إنها كسفت حزناً على موت إبراهيم، فلما سمع سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام هذا الكلام بادر بنفي هذا الكلام

 وقال بعد أن جمع الناس:إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يغيبان لموت أحد أو لحياة، فإذا رأيتموها فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم، فهذا دليل من دلائل صدق النبوة، لأن الرسول الكريم نفى أن تكون تلك الظاهرتان حدثتا حزناً على وفاة ولده.

فالرسول صلى الله عليه وسلم صادق فقد نفى أن يكون للظاهرتين صلة بوفاة ولده، وهذا هو الصدق في أسمى معانيه.

ويؤكد د.المطعني أنه لا يجوز إرسال المساعدات الضخمة للدول المعادية للإسلام والمسلمين، التي أضرت ضرراً بليغاً، منذ عام 2001، بالدول الإسلامية، أن تمد لها يد العون من قبل المسلمين، لا شماتة فيها، لكن لأن هذه الدول ينبغي أن تلعق صديد هذه الكوارث وحدها عسى أن تثوب إلى رشدها وتتجنب ظلم الناس والاعتداء المستمر عليهم، خاصة أن هناك مسلمين يتضورون جوعاً، وشعوبا إسلامية تتعرض للظلم والاضطهاد من الدول الكبرى، فهي أولى بمال المسلمين

وهناك مثل شهير يقول «الزيت إن احتاج إليه البيت يحرم على الجامع»، لأن البطون الخاوية والأجساد العارية يجب أن ترعى قبل المسجد، وهذا هو مبدأ الأولويات في الشريعة الإسلامية.

 لو وجهت هذه المليارات لحل مشاكل الأقليات والشعوب الإسلامية في الغرب والشرق، لأسهمت في تخفيف الوطأة عليهم، حتى يعاملنا الغرب معاملة كريمة، وحينها فلنتبادل معه الود والتعاون .

 د.جمال البنا: ظواهر طبيعية وجزء من التكوين الذي صاغه الله لكوكب الأرض * المفكر الإسلامي المعروف جمال البنا، يؤكد أن مثل هذه الحوادث «الزلازل والبراكين والأعاصير وغيرها» ظواهر طبيعية، وأنها جزء من التكوين الذي صاغه الله سبحانه وتعالى للكوكب الأرضي، وكما أنه جبل النفس الإنسانية على فجور وتقوى، فإن الكون أيضاً يقدم أجمل صور التناسق والانتظام، وفي الوقت نفسه، فهناك ضرورات تتحكم فيه فتحدث الزلازل والبراكين، وما إلى هذا كله.وهذه الظواهر كلها مرتبطة بإرادة الله الذي خلق كل شيء وجعل الجبال والأشجار والنجوم كلها تسبح لله (وكل في فلك يسبحون).

والذين يرون أن وجود مثل هذه الظواهر يتنافى مع رحمة الله ومع ما يفترض أن يكون للكون من كمال، نقول لهم:إن الله تعالى عندما خلق الأرض والإنسان أراد أن يقدم لنا صورة من عالم مبني على أسس معينة ويسير طبقاً لهذه الأسس التي تقتضي ظهور هذه الظواهر الطبيعية، كما أنه خلق النفس البشرية على أن يكون فيها الخير والشر، وأن تكون من الطين اللازب، فليس شرطاً أن يتوفر الكمال، لا في تكوين النفس الإنسانية، ولا في تكوين الأرض، فقد أقام الله تعالى هذه الأرض وهذه النفس على أسس تقتضي وجود الخير والشر، النقص والكمال، ولعله أراد أن يعطينا فكرة عن عالم محكوم بالضرورات وبندرة الموارد لنتفهم الحكمة في حياة آخرة، وفي جنة أقيمت على غير الأسس التي أقيمت عليها الأرض، تتوفر فيها العدالة والوفرة الكاملتين، فعلينا إذاً أن نعلم أن هذه الأرض ليست هي الجنة، إنما هي دار ابتلاء وامتحان وعمل طبقاً للمبادئ والأسس والسنن التي وضعها الله، وأن نتقبل هذا كله، فلا نفرح عند السراء ولا نجزع عند البأساء، ولكن نرى في هذا من بأساء وسراء أمراً طبيعياً ووسيلة لامتحان المؤمنين ومدى صلابتهم وتماسكهم إزاء هذه التفاوتات ما بين خير وشر، نقص وكمال، سراء وضراء.

وما أريد أن أصل إليه أن الله تعالى خلق الأرض وخلق الإنسان بطريقة معينة وجعلها تسير على سنن محددة، لأن الهدف لم يكن خلق جنة في الأرض، إنما خلق كوناً فيه النقص وفيه الضرورات وفيه المتناقضات، وجعل للإنسان حرية وإرادة في الاختيار، وما كان الله ليعجز عن خلق أرض كل ما فيها رخاء وكل ما فيها انتظام، وأن يجعل البشر كالملائكة لا يخطئون، لكن الله تعالى أراد أن يوجد أمراً غير ذلك، وأن يخلق ما بين الملائكة التي تمثل الخير والشياطين التي تمثل الشر، وفيه قوة الإيمان بالقيم الدينية، فعلينا أن نتقبل هذا كله، ولا نجد أنه بعيد عن إرادة الله سبحانه وتعالى، لكن لا يمكن القول بأنه غضب من الله أو عقاب للناس أو تخويف لهم، فهي تفاعلات الطبيعة، كما أوجدها الله تعالى، وبذلك يتلاقى الإيمان وما يسمونه العلمانية، وهو في الحقيقة رد الأعمال إلى أسبابها المباشرة

وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون سنداً قوياً لهذا الرأي، وهو ما قاله سيدنا محمد عندما انكسفت الشمس وقت موت ولده ابراهيم، فظن الناس أنها انكسفت لهذا السبب فقام الرسول وقال:إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد أو لحياة، فقد أعطى الرسول الكريم المعنى الذي أشرنا إليه تقريبا.

وعلى كل حال فلو كانت الشمس والقمر ينكسفان لموت أحد لوجب أن تنكسف الشمس عند وفاة سيدنا محمد أو الأنبياء والرسل الآخرين، أو كرد فعل لما يرتكبه الملوك والحكام من جرائم في حق شعوبهم وفي حق الله تعالى وفي حق البشرية، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، ولا يمكن أن توجد علاقة ما بين هذه الأحداث الطبيعية وما بين التصرفات الإنسانية.

 أما ما يتعلق بالمساعدات للدول المحاربة للدول الإسلامية، التي أضيرت بالكوارث الطبيعية أخيرا، فيؤكد البنا أن هناك أولويات يجب أن ننتبه إليها، فمصلحة البلاد تكون أولاً ومدى حاجتها للأموال، لكن هذا لا ينفي تقديم مساعدات ولو رمزية تعزيزاً لمعنى الإنسانية والبشرية وتقديراً أيضاً للمعاني الموضوعية عن الخير، والبعيدة عما يفتعل في النفس البشرية من شماتة في الآخرين، لأن في ذلك تقديم صورة حسنة وفي الوقت نفسه حقيقية عن الإسلام، وقد كان الخلفاء الراشدون يرون أنفسهم مسؤولين عما يصاب به المرضى والفقراء من أهل الذمة وأن من واجبهم أن يساعدوهم بمختلف الطرق، وهناك روايات عديدة رويت عن أبي بكر وعمر بن الخطاب، مما يؤكد أن الإسلام لا يسمح لحساسيات ذاتية، أن تؤثر على القيم الموضوعية له.

إن المثل الشعبي القائل «اللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع»، فهذا مثل برجوازي لأنه ينم على شعور بالأنانية والحرص، لأن القرآن الكريم يقول: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)، من هنا أقول إننا يجب أن نعمل بما قاله القرآن ولا نعمل بما قاله المثل الشائع، لأن ذلك هو ما يتفق مع المشاعر الإسلامية الحقة.

 

 

موقع الأسرة السعيدة