الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 8

 

أحمَدُ الله إليكم حمداً يوافي نعمه ويكافي مزيده، وأصلي وأسلم على إمام المرسلين وعلى آلِه وصحبه أجمعين. أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...



 

فهذه الحلقة الثامنة من برنامجنا: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... ذكرنا فيما مضى من الحلقاتِ أن الهدفَ أو الحصيلة بغية تحقيقِه ثمانية شروط هي: (الإيجابية والمسؤولية والوضوح والتأثيرات والقياس والحواس والإيمان والعمل)، وقلنا أن الإيجابية تكون جواباً لسؤالنا هل ما أريد تحقيقه مصوغ بطريقة إيجابية، وقلنا أن المسؤولية جوابٌ لسؤالنا هل ما أريد تحقيقه وأهدف إليه أمرٌ يخصني وأتحمل مسؤوليتَه، وقلنا أن الوضوحَ يكون جواباً لسؤالنا أين ومتى وما ومع من أريد تحقيق ما أريده وأهدف إليه. وسنشرح في هذه الحلقة الشرط الرابع من شروط تحقيق الأهداف، وهو التأثيرات.

 

نقصد بالتأثيراتِ كيف يؤثر هذا الهدفَ الذي أريد تحقيقه على حياتي ؟ ... كيف يؤثرُ هذا الأمر على حياتي العائلية مثلاً ؟ ... هل تحقيقي لهذا الهدفِ يضرُّ بأحدٍ من الناس ؟ .... هل على طريق تحقيقي لهذا الهدف سيتأذى أحدٌ من حولي ؟ .... هل سيكونُ له آثارٌ ضارة أو خساراتٌ ستلحق بي ؟ ... ما هي الأولوياتُ هنا ؟ ... وأسأل نفسي أيضاً كيف يؤثرُ ما أريد تحقيقَه على الجوانبِ الأخرى في حياتي أو حياةِ الآخرين الذين هم ضمنَ كفالتي أو إعالتي ... إلخ

مثال: تسمعون بشخص اسمُه أويس القرني كان في عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيشُ في اليمن مع والدةٍ له عجوز أقعدَها المرض. دخل أويسٌ في الإسلام، وكان ثمة هدفٌ لديه هو أن يذهب ليقابلَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم الذي دخلَ في دينه، وكلما طال به الزمنُ كان يشتد به الشوقُ والحب للقاءِ خيرِ خلق الله محمدٍ صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وسلم .... وما منعَ أويساً عن تحقيقِ هذا الهدفِ إلا قيامُه بخدمةِ أمِه التي كانت مريضة بحاجةٍ إليه ليقومَ بخدمتِها، ولا أريد أن أحكي قصة أويسٍ ففيها مثالٌ لأمةٍ في رجل .... ولكن لأسلطَ الضوءَ على جانبٍ من تضحيتِه بمرتبةِ الصُّحبةِ لقاءَ قيامِه بخدمةِ أمِه .... هذا مثالٌ تاريخيٌّ من سابق عهدِنا عن هذا الشرطِ الرابع الذي ينبغي أن يتحققَ في دراسةِ التأثيرات لأيّ هدف، على أن أويساً لم يكن قد تخرّج من أكاديمية أو جامعة، ولم يكن قد وضعَ دراسة شروطِ تحقيق الأهداف، لكنه رُبّيَ في تلك المدرسةِ التي قال ربها: { وقضى ربُّكَ ألا تعبُدوا إلا إياهُ وبالوالدَين إحساناً }، وقال: { وصاحبْهما في الدنيا معروفاً }، وقال: { فلا تقلْ لهما أفٍّ ولا تنهرْهما وقلْ لهما قولاً كريماً واخفِضْ لهما جَناح الذّلِ من الرحمةِ وقلْ ربِّ ارحمْهما كما ربياني صغيراً } ... نعم أويس واحدٌ من أولئك الذين عرفوا الأولوياتِ في حياتهم وكيف تقسم .... تربَّوا عليها ضمنَ منهجٍ رباني تنموي فريد .... ولا أظن ـ في مجتمعِنا وعصرنا ـ إلا أنه يوجد الخيرُ ويوجد أناسٌ كثرٌ يضحون بأهدافِهم التي يحلَمون بتحقيقِها إن تعارضت وواجباتِهم ومهامَهم وقيمَهم، وللأسفِ الشديد إن الذين يضعون هذه الشروطَ الثمانية التي نذكرها هم من الغربيين الذين لا يأبهون بالتأثيرات إلا إذا كانت تمَسُّهم بالأذى شخصياً؛ فنجدُ الكثيرين منهم يضحون بأمهاتِهم وآبائِهم من أجل أهدافِهم ... حتى بأولادهم وبناتهم ... من أجل هدفٍ رخيص ... من أجل دنيا فانية .... على كلٍّ هذا مفهومهم.

فيجب أن نعيَ أن الشرطَ الرابع (التأثيرات) يجب أن يدرسَ جيداً في سبيل تحقيق الأهداف. ونشرح الشرط الخامس وهو (القياس) في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.