الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 7

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وأصحابه أجمعين. أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ... فهذه الحلقة السابعة من برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] .....



 

إخوتي وأخواتي وصلنا في الحلقةِ الماضية إلى الشرطِ الثالث من شروط تحقيق الأهداف (الحصيلة)، وقد شرحنا قبلها الشرطَ الاول (الإيجابية) والشرط الثاني (المسؤولية) والذي يتضح بسؤالنا: هل ما أريده يخصني ويقع ضمن مسؤوليتي، وسنشرح اليومَ الشرط الثالث من شروطِ تحقيق الهدف، وهو (الوضوح)، أي أن الهدفَ ينبغي أن يكونَ واضحاً لا لبسَ فيه، مفصلاً إن لزم ... مجملاً إن لم يلزم ... وكل تفصيل في مكانه وضوح، مثال ذلك: قال صديق لي: أريد أن أفتحَ محلاً تجارياً. هل هذا الهدفُ مصوغ بطريقة إيجابية ... نعم ... هل هذا الهدفُ يخصُّه ويقع ضمن مسؤوليتِه ... نعم ... لكنِ الذي يتبادر لذهني مباشرة عند قولِه لي أريد أن أفتحَ محلاً تجارياً أن أقولَ له محلُ ماذا ؟ ... في أي مكان ؟ ... متى تريد فعلَ ذلك ؟ .... فلا بدَّ للهدفِ أن يكونَ واضحاً: أين تريد فتحَ هذا المحل ؟ .... ماذا تريدُ أن تبيعَ فيه ؟ ... هل هو محلُ ألبان ؟ ... هل هو محلُ ألبسة ؟ .... هل هو لبيع الخضار ؟ ... ومع من تريد ما تريد ؟ ... إذن حتى يكونَ الهدفُ محققاً لا بدَّ أن يكونَ وضحاً.

 

مثالٌ آخر: أريد أن ألعب رياضة ... الإيجابية موجودة، والمسؤولية موجودة في الهدف ... لكنِ الوضوحُ غيرُ موجود. ما هي الرياضة التي تريدُ أن تلعبَها ؟ ..... بيسبول ـ كرة قدم ـ سويدي ـ كرة سلة .... كرة مِضرَب .... كرة طاولة ؟ ... أين تريد أن تلعبَ هذه الرياضة ؟ في النادي ؟ وأي نادي ؟ .... في البيت ؟ .... متى تريد أن تلعبَ هذه الرياضة ؟ صباحاً ؟ ..... مساءً ؟ .... في وقت الظهيرة ؟ ... هل تريد أن تلعبَ هذه الرياضة مع أحد ؟ ... هل تريد تدريباً ما ؟ ... فمثلاً أريد أن أقومَ بتدريباتِ سويدي يومياً صباحاً قبلَ أن أغادرَ للعمل في الساعةِ الثامنة مدةَ نصفِ ساعة ...... أنا وأولادي ....

 

إذن الوضوحُ هو وضعُ الهدفِ بطريقةٍ وشرحٍ لا يدَعُ أيَّ لبْسٍ او استفسار. وأيُّ لبْسٍ في الهدفِ قد يعرِّضُ إلى نسفِ الهدفِ بالكلية، وهذا كثيراً ما يحصُلُ على نطاقِ الشركاتِ والأعمال وعقودِ الاستصناع والإجارة، ولطالما نراهُ في حياتِنا؛ اُنظروا إلى الوضوحِ الذي يربّي عليه القرآنُ أمةَ الحضارةِ الإسلامية عندما يذكرُ لهم قصةَ سيدنا موسى مع سيدنا شعيبٍ عليهما السلام: { قال إني أريد أن أنكِحَكَ إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرَني ثمانِ حِجج .... فإن أتممتَ عشراً فمِن عندِك }، الإيجابية موجودة ... المسؤولية موجودة ... والوضوحُ موجود، إلا أنه قد يتسربُ إليه لبسٌ ما؛ فقال سيدنا موسى عليه السلام؛ ليزيل أيَّ لبسٍ: { أيَّما الأجلين قضيتُ فلا عدوانَ عليّ }، يعني ثمانيَ سنواتٍ أو عشرَ سنوات ... والأمثلة في هذا الوضوحِ كثيرة ... والمتأملُ في منجزاتِ الحضارةِ الإسلامية لا يرى أيَّ خللٍ في وضوحِ الأهداف، قال ربعي بنُ عامر لرستمَ قبيلَ القادسية: ( جئنا لنخرجَكم من ضيقِ الدنيا إلى سَعةِ الآخرة ... )، الهدفُ واضحٌ لديه؛ لماذا يجاهد .. لماذا يعمل .. لماذا يتزوج .. تنميةٌ من نوعٍ خاص. وأكررُ أننا سنذكرُها بعد الانتهاءِ من شرح الشروط الثمانية لتحقيق الأهداف، تنمية خاصة يصبحُ معها التصرفُ في الأهدافِ وشروطِها مهارةً لا يحتاجُ الفردُ معَها إلى تدريبٍ جزئي خاصٍّ يتعلقُ بجزئيةٍ ما .... إنها كلية تتربى عليها أيةُ صنعةٍ راسخة تشمَل حياتَه كلَّها، فيكونُ واضحاً دائماً كلَّ الوضوح، وبالتالي لا يكونُ أيُّ هدفٍ من أهدافِه إلا واضحاً. وهكذا عمومُ أفرادِ وأبناءِ هذه الحضارةِ الإسلامية الراسخة، وسنشرحُ في الحلقةِ القادمة الشرطَ الرابعَ من شروطِ تحقيق الهدفِ أو المحصلة، وهو (التاثيرات)، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.