الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 6

 

حمداً لله على نعمِه وآلائه، وصلاة ربّي وسلامُه على خير عباده محمدٍ النبيِّ الأميِّ وعلى آلِه وصحبه. أعزائي المستمعين ..... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:



 

نبدأ بالحلقة السابقة من برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... ورحلتِنا مع شروطِ تحقيقِ الهدفِ أو الحصيلة الثمانية، وهي: (الإيجابية والمسؤولية والوضوح والتأثيرات والقياس والحواس والإيمان والعمل)، وقد شرحنا الشرطَ الأول الذي هو معنى الإيجابية، وعبرنا عنه بسؤال نسأل أنفسَنا إياه: هل ما أريدُه مصوغٌ بطريقةٍ إيجابية ؟ وطرحنا سؤالاً هنا هو: كيف استطاع بناةُ الحضارةِ الإسلامية تحقيقَ هذا الشرطِ في الإجمالِ والتفصيل لهذا البنيانِ الحضاري، رَغم أنه لا يوجد عندهم ما يشير إلى دراسةِ الأهدافِ على هذا النحوِ، وسنجيب لاحقاً عن هذا التساؤل ... أما في هذه الحلقة فسنشرح الشرطَ الثاني من شروطِ تحقيقِ الهدفِ أو الحصيلة، وهو (المسؤولية)، وهي تعني بأن الذي أهدفُ إلى تحقيقِه ... الهدفَ الذي أريد إنجازَه ... الحصيلةَ التي أريد تحقيقَها تخصني ... وأتحمل مسؤوليتَها.

 

مثال: يقول الوالدُ لابنِه أريدُك أن تدرسَ الطبّ ..... هل هذا الهدفُ يخصُّ الأبَ ... لا إنه يخصّ الابن ... إذن لا يمكن تحققُ هذا الهدفِ إلا إذا كان هدفاً للابن أيضاً.

ولاحظوا أيضاً إخوتي المستمعين أن كل شرطٍ من هذه الشروط لا يتحقق، ينبغي بناءً عليه أن أعدِّلَ في صياغةِ الهدف، وبالتالي بالهدفِ ذاتِه.

فيصِح أن أقولَ أريد أن أقدّمَ لابني ما يمكّنُه من دراسةِ الطبِّ إن أراد، ولا يصحُ أن أقولَ أريد لابني أن يدرسَ الطبّ ....

حاصلُ الكلام ... أن الشرطَ الثاني من شروطِ تحقيق الهدف يكون بأن يقعَ الهدفُ ضمن مسؤوليتي، وأن يكونَ الهدفُ يخصني.

 

أشرفتُ مرةً على منشأةٍ تعمل في مجالِ البرمجيات، وكانت تعاني من مشاكلَ إنتاجيةٍ كبيرة، وطُلب مني استشاراتٌ لإيجادِ حلولٍ لمشاكلِهم، ولدى دراسةِ الحالة والبحث؛ تبين أن المصدرَ الأساسيَّ لعدمِ تحقيقِ أهدافِ المنشأة هو أن كلَّ هدفٍ جزئي يريد أن يحققَه الموظفُ ويركزَ عليه في عمله لا يخصُّه، وغيرُ عائدٍ إلى مسؤوليته ...

 

وبالتالي تتصادمُ الآراء ... ويحصلُ النفور ... ويتعثرُ العمل ... وينقطع التواصلُ بين المديرياتِ والأقسام، وكلٌّ يلومُ الآخر، ولا يوجد حل ...

 

ورأيت أنني لو صارحتهم بهذه الحقيقة؛ لم يصدقْني أحد ... فأحدثت تدريباً فقط على أن يكونَ الهدفُ الذي يعمل كلُّ موظفٍ عليه يخصُّه ويقعُ على عاتقِه ومسؤوليتِه، فانتهتِ الإشكالاتُ بسرعةٍ عجيبة، وبدأ العملُ ينتظم .... والذي فاجأني هو أن مديرَ الشركة لم يكن مسروراً أبداً بأن يلتزمَ كلُّ موظفٍ بتحقيقِ الهدفِ الذي يقع ضمنَ مسؤوليتِه .... إلا أن الموظفِين تدربوا ولم يعودوا يريدون الاضطرابَ والفوضى التي كانوا يعيشونَها بسبب ذلك ....

 

وهنا، نعود لحضارتِنا العربية الإسلامية؛ فنجدُ أن المسؤوليةَ في تحقيقِ الأهدافِ كانت واضحةً جلية رُبوا عليها، وهي مهارةٌ عندَهم لا يحتاجون للتفكيرِ فيها .... بل ينفذونها بالسليقة، فالحاكمُ يعلمُ مسؤوليتَه، والمحكومُ يعرفُ مسؤوليتَه، وذلك بالمهارةِ الناتجة عن التنميةِ التي تلقَوها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، والتي سنأتي لاحقاً على تفصيلِها. فهم لا يفكرون أصلاً في هدفٍ ليس يخصُّهم أو لا يقعُ تحت مسؤوليتِهم، وسنشرح في الحلقة القادمة الشرطَ الثالثَ من شروطِ تحقيق الهدفِ، وهو (الوضوح)، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.