الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 26

 

الحمد لله وحده...والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وكل من اتبع هديه...أعزائي المستمعين: إخوتي وأخواتي:...السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...وبعد فهذه هي الحلقة السادسة والعشرون من حلقات برنامج" التنمية البشرية بين المادية والروحانية "...



 

فقد تحدثنا إخوتي في مامضي:عن دور التنمية البشرية في إقامة أي حضارة... وأتينا بمثال معاصر يتمثل في الادارة والتنمية المعاصرة ...هي شروط تحقيق الأهداف وتحقيق الحصيلة...ثم عدنا لذكر عناصر الحضارة التي يتعامل معها الانسان معرفياً: الانسان – الحياة- والكون وقد ذكرنا ان الهيئة الباطنة للنفس هي العمود الأساس لحسن الخلق الذي تبنى عليه الحضارة...

 

وعددنا أركان الهيئة الباطنة للنفس الأربعة التي هي: قوة العقل- قوة الشهوة- قوة الغضب- قوة العدل ... وشرحنا كيف نمّى القرآن مفهوم المعرفة للعقل لاقامة البنيان الحضاري... وقلنا أن الانسان في القرآن مخلوق تافه ، عبد ضعيف، أفاض الله عليه ظلالاً من صفاته وأن الحياة...العمر الذي يتمتع به الانسان في تعريف القرآن له... قصير واجله محدودلاقيمة له ...وهو أيضاً رأسمال هذا الانسان وعليه يتحدد مصيره وقلنا أيضاً أن تعريف الكون في القرآن... هو تامل فيه يؤدي لامحالة الى توحيد خالقه ومعرفة صفات الكمال له...والكون أيضاَ مسخر للإنسان ومكن الانسان من تطوير بعض آلائه وتغييره ..وبعضه عصيٌ على التغيير ... والدنيا هذه بكل مكوناتها تافهة سراب... ظل مؤقت... سيخسرها قريباً... لكن رغم ذلك هي خلقت من أجل الانسان وعلى الانسان استعصار كل أسباب المتعة المفيدة له منها وقد حددها له القرآن...

 

وقلنا أيضاً أن المعرفة في القرآن من خلال رؤية جامعة... فتكون الاكتشافات الجريئة الفرعية...والعلوم والمعارف الجزئية منتظمة ضمن الرؤية الكلية الجامعة عن الانسان والحياة والكون...لذلك تبنى الحضارة من خلال هذه المعرفة القرآنية.. تنمّي تفكير الانسان أولاً ليدرك ويتصور ويحفظ هذا المخطط البياني للحضارة... فهو في دورة تنموية لابّد منها قبل الدخول الى تنفيذ مهمته في هذا المصنع الضخم الذي هو بناء للحضارة وانظروا كيف ينمّى هذا المعنى في تفكير الانسان بأساليب شتى ليرشح من ذلك على شعوره فينهض سلوكه بما عليه القيام به... فإنه كلما قرأ وتدبر في القرآن أكثر كلما ترسخ هذا المعنى في عقله ووجدانه أكثر... فهو في عملية تنموية مستمر... كل ذلك ليعتدل في قوة العقل...أو قوة العلم... لتستقيم النفس ... ويورث عند ذلك الانسان الحكمة والخبرة في الحياة ... هذه التنمية يتدرّب فيها كل من يقول عن نفسه أنه مسلم يريد أن يطبق إسلامه... فبمجرد أن يقرأ القرآن بتدبر هو يتنمّى شيئاً فشيئاً بهذا الاتجاه ... وأنا لا أنكر أهمية التنمية الجزئية على مهارات ما... يحتاجها في حياته ... يوماً بعد يوم ... في وظيفته في عمله... في إبداعه لكن على أن يكون جزءاً في كلية هذه المنظومة... عند ذلك لن تجد عنده هدف لايتحقق فيه شروط تحقيق الأهداف ...تلقائيا... وبالسليقة... لأنه تعود في تفكيره أن يفكر بطريقة صحيحة وصحيّة استقاها وتعلم فنونها من القرآن الكريم... وما عليه إلا أن يقرأ ويتدبر... عندئذ بعد هذه التنمية لقوة العقل والعلم لديه... لن يتعامل مع هذه الحضارة تعامل العاشق لها المعانق لها... الهائم في لذائذها ونعيمها ... ولن يخدع بزخرفها مهما وصلت...

 

لما دخلت الكنوز بعد الفتح الإسلامي لبلاد الفرس على الخليفة عمر بن الخطاب محمولة على الجمال طيلة هذه المسافات إلى المدينة المنورة... قال  عمر إن قوماً ادوا هذا لأميرهم لأمناء ... ثم قال: اللهم إنك قد منعت هذا الخير (أي هذا المال الوفير)رسولَ الله وكان خيراً مني ومنعته أبا بكر وقد كان خيراً مني... وتعطيني إياه : اللهم إني أعوذ بك أن تمكر بي ... فعمر يعلم أن واجبه أن يقوم بهذا الفتح و أن يوظف هذا الخير بازدهار الحضارة ... لكن لايعده ميزان فضيلة ويستدل بذلك بخيرية النبي صلى الله عليه وسلم وخيرية أبي بكر رضي الله عنه وعليه .  وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى .