الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 25

 

الحمد لله رب العالمين...حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه...و أفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه  أجمعين...أعزائي المستمعين : إخواتي وأخواتي ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد: فها نحن في الحلقة الخامسة والعشرون من حلقات برنامجكم " التنمية البشرية بين المادية والروحانية " ومازلنا في تفصيل العنصر الثالث من عناصر الحضارة الثلاث (الانسان – الحياة- الكون )...



 

قلنا أن الكون في تعريف القران ...له وجوه اربعة أساسية:

1- المكونات بدقائقها وتفاصيلها وأجزائها ومركباتها تدل على الخالق الحكيم الواحد ذو الكمال.

2- المكونات مسخرة للانسان مؤتمرة بأمره على أساس علمي وبعضها مكّن الانسان من تطويره وتغييره وبعضها عصّي على الانسان تطويره وتغييره وليس إليه سبيلاً في ذلك.

3- هذه المكونات هذه الدنيا رغم كل مافيها تافهة ... سراب باطل... وظل زائل... وهذه الدنيا هي هينة على الله ومن هوانها قال الله عنها ... [كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربّكَ وما كان عطاء ربّكَ محظوراً]... ويحذرنا الله أن ننخدع بها أو نركن إليها وقلنا ذاك لو أن الإنسان ركن إلى التحذير من الدنيا فقط وعزف عنها لبطل معنى إقامته للحضارة ... -ولما وجدت أصلاً الحضارة الإسلامية على وجه الأرض – وهنا نتكلم عن الوجه الرابع لتعريف القرآنُ الإنسانَ بالكون وهي: أن القرآن يعود فيدفعنا دفعاً... وبإصرار إلى استخدام الدنيا والمكونات التي فيها والاستفادة منها... ويبصرنا بأنها ذات أهمية لإقامة أسباب عيشنا وترسيخ مجتمعنا ... ويحذرنا من تجنبها أو التحرج من التمتع بها ...

 

قال تعالى: [هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها] أي كلفكم بعمارتها ... كلفكم بتشييد الحضارة فوقها... ويقول أيضاً: [قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ]...وقال أيضاً: [هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً] ...ويقول تعالى أيضاً:[يا أيها الذين آمنوا لاتحرموا طيبات ما أحلّ الله لكم]... ويقول تعالى أيضاً:[هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور]...وقال أيضاً: [لاتاكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم]...

 

وهل يتحقق تنفيذ مضمون هذه الآيات إلا بعد أن يقبل الإنسان إلى سائر المكونات فيتعامل معها تعامل المستفيد من خيراتها...المعتصر لمكتشفاتها... المسخر والمستثمر لها...إذن هناك مد وجزر ...مذ يامر الانسان أن يتعامل مع هذه المكونات بكل مايملك وما يستطيع... وجزر بالإحجام عن الدنيا وعدم التعلق بها والتعريف بحقيقتها...الحكمة من ذلك تنموية بحته أن ينغرس في نفس الإنسان القناعة التامة بان هذه الدنيا بكل ما فيها ظل زائل وعرض حائل وسراب باطل ووهم لايجوز الانخداع به، ثم يقبل في سلوكاته عليها متتبعاً خيراتها...مستفيداً من ذخرها لإشادة الحضارة الإنسانية المثلى التي لاتحمل في داخلها أسباب فنائها بل تحمل في داخلها أسباب بقائها...ولايمكن أن يتنبه لهذا الأمر إلا من تربّى وتزكى وتنمّى ضمن المنهج الرباني ...منهج الذي خلق الدنيا ويعلم مضارها ومنافعها وخلق الانسان ويعلم مايصلحه...[ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير]...فلا يمكن لمن لم يقف على هذه الحقيقة من عناصر الحضارة الثلاث وفهم تعريف القرآن لها ولو إجمالاً...لايمكن أن يتوصل لمعرفة السرّ الذي يكمن وراء ازدهار الحضارة العربية الإسلامية... فقد ربي الانسان المسلم من خلال كتاب الله... وهو يتدبره ...على معرفة هويته بأنه عبدٌ تافه في نشأته لكنه مكرّم بفيوضات الله عليه...والحياة قصيرة تافهة صغيرة لكنها رأسماله وعليه المحافظة على رأسماله ووضعه في محلّه ..والحيلولة دون أن يتسرب الخطر إليه...والكون الذي يعيش فيه يدله على خالقه...وأن هذا الكون مسخّر له وممكن من بعضه دون بعضه وان هذه المكونات تافهة مقارنة بالاخرة لكن عليه عمارتها...فيكمل عندئذ في فكر الانسان مفهوم عبوديته لله في هذا الكون والمهمة المناطة به في أوسع عملية تنموية من خلال القرآن وتدبره الذي هو كمسلم ملزم بقراءته دائماً وبذلك أوضحنا جانب من تنمية قوة العقل في باطن النفس وكيفية اعتدالها. وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.