الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 24

 

الحمد لله رب العالمين ... حمد الشاكرين العارفين ... والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه. أعزائي المستمعين ... إخوتي وأخواتي ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...



 

فهذه هي الحلقة الرابعة والعشرون من حلقات برنامجكم: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد قلنا في تعريف العنصر الثالث من عناصر الحضارة ( الكون ): أن هذا الكون يدلك بمظاهره ودقائقِ تفصيله على خالقِه العظيمِ الواحد، وأن هذا الكونَ مسخرٌ للإنسانِ وخدمته وحاجياته، ومع ذلك فإن القرأنَ استثنى طائفةً من الظواهرِ والأنظمة الكونية من عمومِ هذا التسخير للإنسان ... وأكد لنا القرآنُ أن هذه الطائفةَ مستثناةٌ وباقية عصيةً على أي تبديلٍ وتغيير ... فهي لا تدخلُ ضمن ما سخّره الله للإنسان ... وأذله له ... وأخضعه لإمكاناتِه الفكرية أو قدراتِه العضلية ... من هذه المظاهرِ الكونية الموتُ الذي جعله الله قضاءً مبرماً في حق كلِّ من دخل في عالم الأحياء ... فليست هناك أيُّ سبيل للتحررِ منه، والقضاءِ عليه مهما كانت الوسائلُ والأسباب ... وليس من سبيلٍ لصرفِ الموت على من نزل بساحته ... وليس هناك أيُّ تصورٍ لنجاةِ الإنسانِ من الموت، بل هو مدركُه لا محالة ... يقول تعالى: { أينما تكونوا يدرككمُ الموتُ ولو كنتم في بروجٍ مشيدة }.

 

ومن هذه المظاهرِ الكونية التي هي عصية على التغيير؛ الضَّعف الذي يمرُّ بالإنسان ثم إلى القوة ثم إلى ضعفٍ وشيبة ...هذا قانونٌ لا يتغير: { الله الذي خلقكم من ضَعف ثم جعل من بعد ضَعف قوةً ثم جعل من بعد قوةٍ ضعفاً وشيبة }.

 

من ذلك أيضاً التنكيسُ في الخَلق: { ومن نعمِّرْه ننكِّسْه في الخلقِ أفلا يعقلون }، وأيضاً من ذلك حركةُ الأفلاك: { لا الشمسُ ينبغي لها ان تدركَ القمر ولا الليلُ سابقُ النهارِ وكل في فلك يسبحون } ... ثم أوضحَ القرآنُ أن التطويرَ والتبديل والتغييرَ يخضعُ لقانونٍ عام يخدمُ مصلحةَ الإنسان، فهناك انسجامٌ بين المتغيراتِ والثوابت، والمتغيراتُ تدور في ساحةِ النظام العام الثابت ... فهذا البيانُ الإلهي ... القرآنُ يدل الإنسانَ على ما لا يمكن محاولة تغييره ... ولا فائدةَ في إضاعة الوقتِ بمحاولة تطويره ... وزحزحته ... ويعرضه على المتغيراتِ التي أخضعها الله تعالى لقدراتِ الإنسان وعلمِه ... ووجودِ الحيلة لديه لذلك ... كي لا يضيعَ عمرَه سدىً دون موجِب ... ولا يذهبَ جَهدُه سدى ... لا يعني هذا أن نغلقَ معاهدَ البحث ... وعن حرمة القيامِ بالدراساتِ والمحاولات العلمية والبحثية ... بل العكس ... عليهم أن يبحثوا ويجربوا ليزدادوا بالنتيجة يقيناً فوق اليقين ... وإيماناً فوق الإيمان ... فإذا عرف الإنسانُ ذلك أيقن أكثر ... ولنا في إبراهيمَ عليه السلام أسوة: { قال ربي كيف تحي الموتى قال أولم تؤمنْ قال بلى ولكن ليطمئنَ قلبي } ... فأراه الله كيفيةَ إحياءِ الموتى ليزدادَ يقيناً، فإذا عرَف الإنسانُ ذلك، وعرف أن هذه المكوَّناتِ مسخرةٌ لخدمته، يبدأ القرآن فينبهُه إلى حقيقةِ قيمتِها وإلى مدى أهميتِها، ويحذِّرُه من أن ينخدعَ بهذه المظاهرِ الكونية ... فيضعُها فوق مرتبته الحقيقية أو دونها على حد سواء ... لا فوق مرتبتها ... ولا دون مرتبتها ... فيعرفُ هذا الذي تستهويه الأعين ... وتتلذذُ به النفس ... سراباً باطلاً ... وظلاً زائلاً ... وخيالاً عابراً ... وأنه يشبه الرؤيا التي يراها النائم ... [ الناس قيامٌ فإذا ناموا انتبهوا ] ...

 

يقول تعالى: { زينَ للناسِ حبُّ الشهواتِ من النساءِ والبنينَ والقناطير المقنطرة من الذهبِ والفضة ... }، ثم يقول: { قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقَوا عند ربهم جناتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مطهرة ورضوانٌ من الله }، { قل متاعُ الدنيا قليلٌ والآخرة خيرٌ لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً }، ويقول تعالى أيضاً { المالُ والبنونَ زينةُ الحياةَ الدنيا والباقياتُ الصالحات خيرٌ عند ربك ثواباً وخيرٌ أملاً } ... وهنا يجدُ الإنسان نفسَه إلى ضرورة نبذ الدنيا ... وعليه أن ينفُضَ يديه منها لكن ... سنتابع لكن هذه في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.