الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 2

 

الحمد لله وحده .... والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ...... وعلى كل من اتبع هديه .... أعزائي المستمعين ....

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: هذه هي الحلقة الثانية من برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية].



 

ذكرت في الحلقة الماضية أن التنمية البشرية هي كل ما يعنى بالإنسان على مستوى إقامته للحضارة وتقدمه فيها صعداً، ووصلنا إلى أن الحضارة هي ثمرة التفاعل بين العناصر الأساسية المكوّنة للحضارة التي هي (الكون والإنسان والحياة)، وذكرنا أن كل مهتمٍّ بالحضارة وعلومها أقرّ بشمس الحضارة الإسلامية؛ فكُتبت المؤلفات بذلك، وذكرنا منهم الكاتبة الألمانية (( زيغريد هونكه )) التي كتبت مؤلفاً ضخماً عنونته بـ ( شمس الله تسطع على الغرب )، استفاضت كثيراً في شرح رائع لمنجزات الحضارة الإسلامية وسموّها في عصورها الغابرة. وقلنا ـ في الحلقة الماضية ـ أننا سنجيب على تساؤل نجد أنفسنا في مواجهته كما كان في مواجهته كل من وقف على منجزات الحضارة الإسلامية؛ وهو: ما هو السر وراء ازدهار الحضارة الإسلامية، ومن ثَمّ ما هو السر وراء ذبولها وتراجعها ؟

وللإجابة عن هذا السؤال؛ أقول:

إن العنصر الأساس في البنيان الحضاري إنما هو الإنسان، والحضارة ـ كما قلنا ـ هي نتاج تفاعل عناصر الحضارة الثلاثة: (الكون والإنسان والحياة).

وإنما نقصد بالكون كل المكونات والمخلوقات التي من حولنا المسخرة للإنسان؛ كالحيوانات والنباتات والقوانين الكونية والفضاء  ... إلخ

ونقصد بالإنسان كل فرد متكرر بالمجتمع، ويشكل توجه مجموع الأفراد البنيانَ الحضاري للأمة. والحياة: إنما نقصد بها عمر الإنسان، وهو مادة الزمن أو الوقت الذي منه يصرف الإنسان لبناء هذا البنيان الحضاري.

والمشكلة في الدراسات التي تناولت الحضارة الإسلامية أنها اهتمت بمنجزات الحضارة الإسلامية دون النظر إلى عمقها الخفي الذي ضرب جذوره عمقاً؛ ليثمرَ هذه الثمرة من الإنجاز الحضاري.

اليوم في العصر الحديث ـ أعزائي المستمعين ـ يقول المعنيون بالتنمية البشرية: إن أي حالة لأي إنسان إنما هي مركبة من ثلاثة عناصر هي: (التفكير والشعور والسلوك)، ويشبهونه بشعار (مرسيدس)، ويقولون بناءً على ذلك أن الذي يظهر من أية حالة جزء من السلوك والباقي من المشاعر. والتفكير الذي نتج عنه هذه الحالة لا يظهر أبداً على سطح هذه  الحالة. حسناً نحن نقر مع علماء الغرب بهذا التفنيد للحالة الإنسانية، ويقولون إن أي تعديل يطرأ على أي جزء من هذه الأجزاء الثلاثة (التفكير والشعور والسلوك) فإنه يؤدي إلى تعديل وتغيير في الجزأين الباقيين، وبالتالي يؤدي إلى تغيير الحالة كلها. هذا القانون التنموي ... هذه القاعدة الرائعة فعلا للأسف يطبقها الغربيون فقط على الفرد أي (الإنسان الواحد) في حالة ما من حالاته، ويقولون: إن على هذا الإنسان إن أراد أن يغير الحالة التي هو عليها، عليه أن يجريَ التعديل حسب هذه المنظومة؛ لتعديل جزء من الأجزاء في الاتجاه الذي يريد؛ فيتعدل الجزآن الآخران؛ فتتغير حالته كلها. أسألكم بالله: ما الفرق في هذه القاعدة إن كان الأمر يتعلق بحالة آنية، أو بهدف قصير أو متوسط أو استراتيجي على مستوى الفرد أو على مستوى الأمة .... لا فرق إنها حالة، فسواء كانت الحالة على صعيد موقف أو هدف، أو على مستوى الأمة؛ فالنتيجة سواء ... ومع ذلك نجد أن الغربيين عندما يأتون لدراسة الحضارة العربية لا ينظرون من هذه الحالة إلا إلى ثمرات السلوك الظاهر ونتائجه من المنجزات الحضارية ... دون الوقوف على (التفكير أو الشعور أو السلوك) للأفراد الذين صنعوا هذه الحضارة التليدة. وصدق الله القائل: { إن يتبعون إلا الظن }.

وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.