الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 17

 

الحمد لله رب العالمين ... حمداً طيباً مباركاً فيه ... والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أعزائي المستمعين ...السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...



 

فهذه هي الحلقة السابعة عشرة من حلقات برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وما زلنا نشرح الهيئة الباطنة للنفس الإنسانيةِ التي باعتدالها وتنميتها على هذا النحو يتكوّنُ حسْن الخُلق ... الذي هو مفتاح الحضارة الإنسانية المثلى التي كلف الله عبادَه بإنشائها على وجه الأرض ... وقد قلنا أن أركانَ الهيئةِ الباطنة للإنسان أربع: قوة العقل ... وقوة الشهوة .... وقوة الغضب ... وقوة العدل ...

 

وقلنا أن قوةَ العدل ... أو قوة العلم ... هي التي باستقامتها تتشكل الحكمة ... وبإفراطها يتشكل الخبث والمكر ... وبتفريطها يتشكل الحمق والغباوة في النفس البشرية ... ويتفرع عن ذلك صفاتٌ كثيرة هي بمثابة الفروع لها ... قال تعالى: { ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتيَ خيراً كثيراً } ... وقد حرص الإسلامُ على إقامةِ القاعدة العريضة لقوة العلم لكلِّ الناس، ثم يتفاوتون باجتهادِهم وبذلهم في سبيل تحصيل التفاصيل ... والعلمُ: وهو معرفة الأمور على ما هي عليه في الواقع. لذلك حرص الإسلامُ على توفير القاعدة العريضة للعلم التي لا يمكنُ للإنسان الوصولُ إليها من خلال مجهودِه الفكري ... وخلاصة الأمرِ أن العلومَ والمعارفَ الجزئية لا تتمُّ على وجهِها الصحيح ... إلا إذا أسّست هذه المعرفة ضمنَ قاعدة واسعةٍ من العلم ...

 

مثال: أنا مهما تخصصتُ بمعرفةٍ مدينة ما على الخارطة؛ لا يمكن أن تأتي معرفتي بثمرتِها المرجوة منها .... ولا يمكن أن أستخدمَ معلوماتي هذه إلا في نطاقٍ عام من موقع هذه المدينة في أي بلد، وأي قطر في أي قارة يقع، وهذه القارة تقع على الأرض ...هذه المعلوماتُ البسيطة تعطي لتخصصي بعداً آخرَ من المعرفة يستوي فيه ... ويتحققُ عندئذٍ قولُه تعالى: { إنما يخشى اللهَ من عبادِه العلماءُ } ...

 

فإن العلمَ الذي يورثُ الخشية هو هذا العلمُ الذي يكون ضمن المعرفةِ الإنسانية، كالإطارِ الجامع لجزئياتِ هذه المعرفة ... وهذا قد تجلى في القرآنِ بشكل واضح ... وسنأخذ بعضَ المعارفِ والعلومِ التي تشكّل عند الشريحةِ الأوسع ... القاعدةِ الأكبر من الناس علوماً ومعارفَ لا يمكنُ أن يحصلَّها الإنسانُ إلا من خلال الوحي، سنأخذ مثالاً على هذه التنميةِ المعرفية (التي تتعلق بالتفكير بدايةً قبل الشعور والسلوك) ... تعريفُ القرآنِ للإنسانِ بعناصر الحضارة التي هي (الإنسان – الكون - الحياة) ... عندما تتعرّف الشريحة الأوسعُ من الناسِ فكرياً على عناصر الحضارة فهم يصبحون حضارياً بشكلٍ كبير ومعجِز قادرين على التعاملِ الحضاري والنهضةِ بحضارة هذه الأمة ... فنحن نعلمُ أنه لكي يعمَّمَ مفهومٌ حضاريٌّ ما ... يجب أن يقتنعَ به معظمُ الناس ... يجب أن يُذاعَ على كل الناس، وقد كان القرآنُ ينمّي مُتبعيه ... ويعرّفهم على هذه القاعدةِ العريضة العلمية للحضارة الإنسانية التي ينبغي أن تشملَ جلَّ أبناءِ الحضارة إن لم نقل كلَّهم ... لا بدّ أن تكون أيُّ معرفة ... أي عملية تعليمية ... أيُّ عملية تربوية ... تلحظُ عدمَ وجودِ أيِّ تعارضٍ أو تشاكس في العمليةِ العلمية. ومشكلتُنا اليوم أننا نعاني كثيراً من هذه التناقضاتِ والاضطراباتِ المعرفية التي تؤدي في المحصلة عند الطلاب ... وأبناءِ المجتمع إلى عدم الاستقرارِ النفسي ...

مثال: يدخل أستاذُ مادة التربيةِ الإسلامية إلى الفصل ليقرأَ للطلابِ قِسطاً من آياتِ الله عن قصةِ نشوءِ الإنسان ... وأنه خلقه من تراب ... ومن طين ... إلى آخر ما يعرفه كلُّ مسلم ... ثم يدخل أستاذُ البيولوجيا .... ليمليَ عليهم النظرية الداروئية ... نظريةَ النشوءِ والارتقاء، وأن الإنسانَ تدرج في الخلق بطفرةٍ تحوّلَ فيها قردٌ من ملايين السنين إلى الإنسان ... هذا مثال لحالةٍ من حالاتِ التناقض والتشاكس ... وهناك أمثلة كثيرة ... طبعاً أنا لا أبالي بأي حوارٍ حول أيةِ فكرةٍ أو نظرية ... لكن أن توضعَ في إطارِها الصحيح ... فلا أعرِّضُ الطفلَ للجراثيم قبل أن ألقحَه بلقاحِ المناعة من هذه الأمراض ... كيف أعتني بالجسد ... العنايةُ بالعقول وبجوهرِ الإنسان أهمُّ وأعظم ... وكما أن الأطباءَ يقومون بخدمةِ ورعاية الأجسادِ وتحصينِها، كذلك المربُّون يقومون بواجبِ تحصين العقولِ وحمايتها، وإلى اللقاء في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى والحمد لله رب العالمين.