الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 15

 

الحمد لله رب العالمين ... الرحمن الرحيم ... مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...



 

فهذه هي الحلقة الخامسة عشرة من حلقات برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد قلنا في الحلقة الماضية أن الإنسانَ ذو هيئةٍ باطنة كما هو ذو هيئة ظاهرة، ولهيئتِه الباطنة أربعةُ أركان هي: قوة العقل وقوة الشهوة وقوة الغضب وقوة العدل ... والحقيقة أن هذه الأركانَ الأربعة للهيئة الباطنةِ لنفس الإنسان هي التي إن اعتدلت وجمُلت؛ كان الإنسان ذا خلقٍ حسن، وهي التي إن قبُحت وانحرفت ذات اليمين أو ذاتَ الشمال؛ ضلت وساءَ خلقُ الإنسان. وإن أيَّ عمل أو سلوكٍ يتجلى من الإنسان إنما هو صادر عن خُلقِه المستكِن في نفسه، وليس دائماً شكلُ السلوك ينبئُ عن حقيقة الخُلق؛ فقد تجد إنساناً سخياً في دفعِ المال، لكنْ لعلة غيرِ صفة الكرم؛ حتى يقالَ إنه كريم ... وقد ورد في الحديث الشريف أنه يؤتى برجلٍ عالم تعلّم وعلّم دينَ الله في الدنيا ... يقول يارب ... نشرتُ دينَك ... علّمت الناس، فيأتيه الجواب ...

 

إنك علمت: ليقالَ وقد قيل ... أي ليقال إنك عالمٌ، وقد قيل ... ويؤتى برجل آخرَ ... يقول يارب ... جاهدت في سبيلك ... فيأتيه الجواب ... إنك قاتلت ليقالَ إنك شجاع، وقد قيل ... إذن فالخُلق الحسَن هو صفة مستكنة في النفس قبل أن تكونَ سلوكاً ... فلنبدأْ بشرح القوةِ الأولى من القوى الأربعة التي هي أركانُ الهيئةِ الباطنة للنفس: القوة الأولى هي قوة العقل ... ويقال لها أيضاً قوة العلم ... وهي ملَكة وقوةٌ مكّن اللهُ الإنسانَ منها ... كي يستطيعَ سياسة أمورِه في الدين والدنيا ... فلا تجدُ إنساناً مكلفاً لم يُمتّعْ بهذه الملَكة وهذه الصفة إلا إنساناً ذا قصورٍ عقلي اقتضت حكمةُ الله أن يكونَ كذلك ... والمطلوبُ من الإنسان أن ينمّيَ هذه الملكة ... هذه الصفة ... هذه القوة، وتبدأ مسؤولية تنميتِها على الوالدين في المنزل، ثم بعد ذلك على عاتقِ المعلم والمعلمة في المدرسة، ويشترك كل من له علاقة بصياغة مفاهيم الإنسان عما حوله من الكون والإنسان والحياة ... يساهم مساهمة ما في صياغة وتنمية هذه القوة العاقلة ... حتى إذا بلغَ الإنسان أشُدَّه صار التكليفُ ملقىً على عاتقه، ولا يَعذره عاذر في تقصيره في رعايتِه لهذه القوة لهذه الصفة لهذه الملكة التي وكله الله إياها ... فبعد أن كانت هذه الملكة للتكرار فقط .. للحفظ فقط .. للتلقين فقط .. يكون التمييزُ بين الأشياءِ ثم شيئاً فشيئاً يكتملُ عقدُ هذه الملكة عند كل مكلف ... ويتفاوتُ الناسُ بعد ذلك في تنميتهم لقوةِ العقل أو قوة العلم كما قلنا ... ونحن هنا لا نتكلم عن فروقاتٍ في الذكاءِ قضى الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يتفاوتَ الناسُ بها { ليتخذَ بعضهم بعضاً سُخرياً } كما قال ربنا جل وعلا ...

ولكننا نتكلمُ عن قوةِ العقل وقوة العلم ... وليس عن الذكاءِ، فقد تجدُ إنساناً ذكياً جداً، ولكنه لم يستخدمْ ذكاءه هذا فيما ينفعُه ... لا يدرك من ذكائه هذا ... إلا شقاءً ومصائبَ عليه وعلى من حوله ... ذكيٌّ جداً لكنه لا يدرسُ في مدرسته ... ما نفعُ ذكائه ... ذكيةٌ جداً ... لكنْ لا تستغلُ ذكاءها إلا بالإيقاع بين الناس ... إلا بالنميمةِ بينهم ... ذكيٌّ جداً لكن لا يستغل ذكاءه إلا في كيفيةِ غشِّ المجتمع بالبضائع الفاسدة ليتوصلَ بذلك للربح المادي ... ثم يقول لك: (حلال على الشاطر) ... نعم حلال إذا كان بطريق حلال ... وقد تفردتِ التنمية الإسلامية ... وإن شئتَ قلت: (التربيةُ الإسلامية) ... وإن شئت قلت: (علمُ السلوك في الإسلام) ... وإن شئت قلت منه القرآن ... تفرد بصياغة قوة العقل وصيانتها ...

 

ونتابع شرحَ قوةِ العقل هذه في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.