الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 12

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده ... لا شريك له ... أبدعُ مصوِّر وحكم معدل، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه. أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...



 

فهذه هي الحلقة الثانية عشرة من برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد وصلنا إلى الشرط الثامن من شروط التنمية البشرية في تحقيق الهدف والتي هي: 1- الإيجابية: أي هل هدفي مصوغ بطريقة إيجابية. 2- المسؤولية:هل إنه هدف يخصني وأتحمل مسؤوليته. 3- الوضوح: أين ومتى وما ومع من أريد ما أريد. 4- التأثيرات: كيف يؤثر ما أريده على الجوانب الأخرى لحياتي. 5- القياس: كيف أعلم أنني حصلت على ما أريد. 6- الحواس: هل ما أريد قائمٌ على الحواس. 7- الإيمان: هل أنا مؤمن تماماً بما أريده. 8- العمل: وهو الشرط الثامن والأخير من شروط تحقيق الهدف: وهو يعني ما هي بالتفصيل الخطوة الأولى لتحقيق الهدف الذي تريد.

 

اكتبْ وابدأ. نعم تحققت الشروط السبعة السابقة لتحقيق الهدف، إذن الشرط الثامن أن تبدأ، وإلا فلن يتحقق شيء. مهندسٌ قرّر أن يبنيَ فيلا على أرضٍ له، ما الذي يفعله بداية؛ يذهب ليأخذَ الترخيص للبناء، إلا أن البلدية لا تقبل أن تعطيَه الترخيصَ قبل أن يأتيَ بالمخططِ الذي سيبني وفقه. إذن الخطوة الأولى من العمل وضعُ مخططٍ البناء، ولابد ليتحققَ الهدف أن تبدأ العمل، ولن يبدأَ العمل بشكل صحيح ...

 

ولن يتحققَ الهدف كما ترسم إلا أن تبدأ بالخطوة الأولى من العمل، ولكل هدفٍ خطوته الأولى، فالبناءُ خطوته الأولى ... وضعُ المخططاتِ اللازمة ... والطبخُ خطوته الأولى أن تأتيَ بالخضار ... والدراسة لمادة معينة... خطوتها الأولى الإعداد، وهكذا  .... هل رأيت إنساناً يستطيعُ أن يقطعَ الطريقَ بين مدينة وأخرى دون أن يبدأ الخطوة الأولى ... إذن البدايةُ بالخطوة الأولى.

تكون البداية بالخطوة الأولى الحقيقيةِ التي بدونها لا يمكنُ أن يتجاوزَ الطريقَ أو يبدأ به، فلكي تكونَ الخطوة الأولى يجب أن تكونَ بداية لولاها لما كانت هناك بداية ... وبهذا الشرط الثامنِ من شروط تحقيق الهدفِ (الحصيلة) نكون قد أتممنا شرحَ شروط تحقيق الهدف أياً كان هذا الهدف. هذا في التنمية البشرية المعاصرة ... فما حال أولئك الناسِ الذين أسّسوا لهذه الحضارةِ الإسلامية الرائعة، وكيف استطاعوا أن يتبوءوا صعداً على قممِ الحضارة ...

 

إن أيَّ متأملٍ يلاحظ بداية فرقاً واضحاً في الكليات، إن الحالة الإنسانية صحيحٌ أنها تتألف من مركبٍ ثلاثي: (التفكير، السلوك، الشعور)، إلا أن هذه الحالة التي هي هذا المركبُ إنما تتفرعُ عن أصل هو الإنسان، والإنسانُ العاقل المخاطب هو: تفكير وسلوك وشعور، إلا أن الإنسانَ قبل هذه التجزئةِ في حضارتِنا الإسلامية هو رُوح تمثل حقيقة الإنسان، وهي سرٌّ مقدس. ألم تسمع أخي المستمع قولَ الله تعالى مخاطباً ملائكته: { فإذا نفخت فيه } أي في آدم الأول { من روحي فقعوا له ساجدين }. انظر يا أخي كيف نسب الله هذه الروحَ إلى ذاتِه المقدسة ... تشريفاً لهذه الروح وإعلاءً لها، وهي سر الإنسان ... وسر تكليفه، وهي المخاطبُ من الإنسان، وهي المكافأُ من الإنسان أو المعاقب ... فمهما لبِست هذه الروح أقنعة تتقلب فيها ضمن درجات الحياة وتنقلاتها، فهي تبقى السرَّ الباقيَ من الإنسان، وهي مناط التكليف ومحطُّ الوعدِ والوعيد ... فتارة سماها القرآنُ الروح ... وتارة سماها النفس ... وتارة سماها القلب ... باعتبارات شتى. إذن بنيانُ الحضارةِ الإنسانية التنموي بدأ من نقطةٍ أغفلها الغربيون وهي أن البعدَ الروحي للإنسان هو أهم شيءٍ في كيانه { ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً }، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.