الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 11

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على رسول رب العالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...



 

فهذه هي الحلقة الحادية عشرة من برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد وصلنا في الحلقة السابقة إلى أن للهدف ستةَ شروطٍ تتعلق بالتفكير وهي: أولاً ـ الإيجابية: أن يكون الهدف مصوغاً بطريقة إيجابية. ثانياً ـ المسؤولية: أن يكون الهدفُ يخصني وأتحمل مسؤوليته. ثالثاً – الوضوح: أين ومتى وما ومع من أريد ما أريده. رابعاً – التأثيرات: كيف يؤثر الهدف الذي أريده على الجوانب الأخرى لحياتي. خامساً - القياس: كيف أعلم أنني حصلت على ما أريد. سادساً – الحواس: هل أن ما أريده قائمٌ على الحواس.

وسنشرح اليومَ الشرطَ السابع، وهو الإيمان، ويتعلق بالشعور ضمن الحالة المؤلفة كما قلنا. فالتفكير له الشروط الستة الأولى لتحقيق الهدف، والشعور له الشرط السابع من شروط تحقيق الهدف وهو الإيمان، والسلوك له الشرط الثامن وهو العمل. إذن الشرط السابع من شروط تحقيق الأهداف (الحصيلة) هو الإيمان، والإيمان بالمفهوم الغربي يوازي في تراثنا ما يسمى بالرغبة والرجاء في الشيء والقناعة به، أو بمعنى آخر الجذب إليه، وقد يزيد فيكون هوساً بالشيء وتعلقاً في إنجازه، وبدون هذا الشرط أو بالأحرى بدون توفر الحد الأدنى من هذا الشرط الذي يتعلق بالشعور لا يمكن تحقيقُ الهدف.

 

هل رأيت إنساناً يهدف إلى شيء غيرِ مقتنع به وغير مؤمن به، لعل هذا لا يمكن ... هنا الإيمان غيرُ الإيمان الذي نقصده نحن في ديننا الإسلامي، والذي يتعلق بالاعتقادِ وتوحيد الله وغيرِ ذلك مما أتى بنصوص ديننا الحنيف بمعنى الإيمان ... وإنما يتعلق بالقناعة بشيء أريده، والسؤال الذي يجب طرحُه: هل أنا مؤمنٌ تماماً بما أريده ؟ أو بعبارة أخرى هل أنا مقتنع تماماً بهذا الهدف، وإذا أردنا أن نتعمقَ أكثرَ نقول: إنه لا يمكن لإنسان من تحقيق أي نجاحٍ في دراسة أو في عمل أو في حياة أسرية أو اجتماعية أو على الصعيد الاقتصادي إن لم يكن يحب هذا الهدف، أو كما يقولون في التنميةِ البشرية: إن هذا الهدفَ يجذبه، وقد شرحوا مطولاً اكتشافَهم لقانونِ الجذب في كتاب (السر) ...

 

ويا للأسف ... إن في أعمالنا وحتى في أهدافنا في مجتمعاتنا الحالية ... كثيراً ما نقوم بأعمالٍ وأهداف غيرَ مقتنعين بها ـ لعواملَ شتى ـ وربما كان هذا يعد نفاقاً في العصور الغابرة من الحضارة الإسلامية التليدة .... فلم يكن مقبولاً أن يقومَ الرجلُ بعملٍ غيرَ مقتنع به .... فقد كانوا يعدّون أن من يقول لإنسان تفضل على طعام أو شراب وهو لا يريده أن يأتي من النفاق، وقد قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً }، فما الذي يستطيع إنسان أن يفيدَ به نفسَه أو أهله أو بلدته في هدف أو عمل هو غيرُ مقتنع به. لا يستطيع أن يفعل شيئاً، وإن فعل لا يفيد .... حتى نفسه ... لذلك ترى الكثيرَ من الطلاب في مجتمعاتنا قد درسوا بعد الثانوية في الكلية التي فرضتها عليهم درجاتُهم لا الكليةِ التي يرغبون بها ... أو لأن فلاناً قد دخل هذا الفرع، وهو ليس أقلَ شأناً منه ... وفلانة اشترت شيئاً هو ليس هدفاً لها ولا يحققُ لها أية حاجة ... فقط لأن منافستَها اشترت منه ... ولا أحد خيرٌ من أحد ...

 

وللإنصاف نقول: لعل الغربيين في وقتنا هم أكثرُ تطبيقاً لهذا الشرط في أهدافِهم من كثيرٍ من أبناءِ جلدتنا، ولعله سببٌ رئيس في نجاحهم في كثير من أهدافِهم وأعمالهم ... فترى الواحدَ منهم مستمتعٌ وهو يسعى نحو تحقيق هدفِه لأنه يحبه ... لأنه مؤمن به ... لأنه يرغب بتحقيقه، أما في مجتمعاتنا ففي الأعم الأغلبِ على عكس ذلك، وإنما تحكمنا معادلاتٌ أخرى لمحاولة القيام بأهداف لا تعنينا ولا نرغب بها، وقد ذكرنا قبل قليلٍ أن الجيلَ الذي بنى هذه الحضارة الباسقة محصنٌ من هذا المرضِ العضال، وفي الحلقة القادمة ـ إن شاء الله تعالى ـ سنشرح الشرط الثامن الأخير من شروط تحقيق الأهداف (الحصيلة)، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.