الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 10

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه. أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...



 

فهذه هي الحلقة العاشرة من برنامجكم: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد أوضحنا في الحلقات الماضية أن شروطَ تحقيق الهدفِ (الحصيلة) هي: (الإيجابية: ويعني؛ هل ما أريده مصوغ بطريقةٍ إيجابية), و(المسؤولية: ويعني؛ هل ما أريده أمرٌ يخصني وأتحمل مسؤوليتًه), و(الوضوح: أي؛ أين ومتى وما ومع من أريد ما أريده), و(التأثيرات: ويعني؛ كيف يؤثر ما أريده على الجوانب الأخرى لحياتي), و(القياس: ويعني؛ كيف أعلم أنني حصلت على ما أريد). وسادساً: وهو الشرط الذي سنشرحُه هذه الحلقة، وهو (الحواس): ويعني؛ هل هذا الهدف قائمٌ على الحواس أم بعيدٌ عن الحواس, هل يمكن مشاهدة هذا الهدفِ أو لمسُه أو الشعورُ به.

 

وقد يستغرب بعضُ الإخوة المستمعين هذا الشرط, ويقولون: هل من الممكن أن يفكرَ أحدُنا بهدفٍ غيرِ قائمٍ على الحواس ؟!! والجواب: نعم ... قد يُتوهم أن هذا الأمرَ قائمٌ على الحواس، وهو غيرُ ذلك. ولإيضاح ذلك أقول: إن عملَ الدماغ فيما يتعلق بالتفكير ينقسم إلى ثلاثةِ أقسام؛ قسمٍ يسمى (الحافظة), وهو عبارة عن أرشيفِ معلومات، حافظة فقط، يوجد فيها معلومة. وقسمٍ يسمى (المدركة), وهو للتحليل والتركيب والتأمل والمقارنة والاستنباط، وفيه تتم العملياتُ المنطقية. وقسمٍ أخير يسمى (المتوهمة أو المصورة)، وهذا خاصٌّ بالتخيّل، ولا يوجد فيه إلا ما يرشح إليه عن طريق الحواس. فإن قلت كلمةَ (طائرة) تحضر لمخيلةِ السامع صورةُ طائرة من النوع الذي تسرب للمخيلة عن طريق رؤية مثلاً، وربما لا يعرف هذا السامعُ شيئاً عن قانون الطيران، وربما لو شرحت لإنسانٍ من غياهب الماضي قانونَ الطيران لأدركه وفهمَه وتعاملَ مع معادلاتِه، لكنْ دون أن يستطيع تخيلَ الطائرة؛ لذلك فالعقلُ البشري يدرك أشياءً، لكنْ لا يستطيع تخيلها؛ كالعدم مثلاً، أدركُ مثلاً أن العدمَ يعني عدمَ وجود أيِّ مخلوق كان قائماً قبل أن يخلقَ اللهُ الأشياء، لكن لا أستطيع تخيّلَ ذلك؛ لأن حواسيَ لا تجدُ شبيهاً بالعدم، المشكلةُ تكمنُ في أنني عندما أريد تحقيقَ هدفٍ قد أستطيع بمخيلتي بعيداً عن الحواسِ والواقع الذي أنا فيه، لذلك في استراتيجيةِ الإبداع أو استراتيجية ديزني ينبغي أن ينتقلَ الإنسانُ بين ثلاثةِ مواقعَ ليدرسَ هدفاً ما يريد تحقيقَه، هذه المواقعُ افتراضية يضعها صاحبُ الهدف، وينتقلُ فيما بينها: موقعَ الواقعي، وموقعَ الحالم، وموقعَ المراقب، ويعيد التنقلَ عدةَ مرات، وقد تطولُ جداً حسبَ الهدف، حتى يتبلورَ لديه أن الهدفَ قابلٌ للتحقيق؛ لأنه مبنيٌّ على الحواس، ولا يكون أمانيَ غيرَ قابلةٍ للتحقيق. ونعود هنا للحالةِ الإنسانية التي ذكر أصحابُ التنميةِ البشرية أنها مركبٌ من ثلاثةِ أجزاء: (التفكير والشعور والسلوك)، ونلاحظُ هنا في حالةِ تحقيق الهدف أن الشروطَ الستة الأولى لتحقيق الهدفِ: (الإيجابية والمسؤولية والوضوح والتأثيرات والقياس والحواس) تتعلقُ بالتفكير، أما الشرطان الباقيان؛ فالايمانُ يتعلق بالشعور، والعملُ يتعلق بالسلوك. وبالعودةِ والنظر في حضارتِنا الإسلامية لا نجد مشكلة تتعلق بأن الهدف يجب أن يتعلقَ بالحواس، وأن يكونَ قائماً على الحواس؛ لأن ذلك كان من خلال التنميةِ الشاملة التي غذّى القرآنُ بها متبعيه، وزرعها فيهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولننظرْ إلى شمولِ قوله تعالى: { ولا تقفُ ما ليس لك به علم }، ويعيبُ على آخرين؛ فيقول: { إنْ يتّبعون إلا الظن }، ويقول أيضاً: { إن الظنَّ لا يغني من الحقِّ شيئاً }.

 

وبهذا نكون قد أتممنا شرحَ الشرطِ السادس من شروطِ تحقيق الهدف، وهو وما سبقه من الشروطِ التي مرت بنا يتعلقُ بالتفكيرِ بالنسبة للحالة الإنسانية لحالة أي إنسان في آن ما او أكثر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.