اكتئاب النساء.. واحد من نتائج التمييز

صفاء ديوب  

غالباً ما تلجأ النساء للمساعدة النفسية أكثرمن الرجال والسبب يقع ضمن خيارين: فإما أن المرأة أكثر إستعداداً للإعتراف بمشكلاتها ومعاناتها وأكثر إستعداداً لتقبل المساعدة, أو أن المرأة بالفعل أكثر تعرضاً للمشاكل النفسية ليس بسبب جيناتها أو تكوينها البيولوجي وإنما بسبب الإرهاقات الثقافية والاجتماعية التي تتعرض لها.


ولا يخفى على أحد أن الدور الأنثوي يفرض على المرأة قيود تزيد من حدة الصراعات النفسية الداخلية التي تبدأ منذ المراحل الاولى من حياتها, فالطريقة التي تربى بها البنت تختلف عن طريقة تربية الصبي. ولا يقتصر التمييز بالتربية على ضبط السلوكات الجسدية وحسب، إنما يتعداه إلى ضبط المشاعر والأفكار أيضاً. فالفتاة تربى على التعبير عن مشاعرها بطريقة غير مباشرة إبتداء من مشاعر الحب والثقة بالنفس وصولاً إلى مشاعر الغضب والرفض. فهي تشعر أو تفكر بشي وتفعل نقيضه, ليس لأنها لاتعلم ما تريد، بل لأن المجتمع لا يسمح لها أن تكون ما تريد. فهي تدرك تماماً حجم الألم والمتاعب التي ستواجهها لمجرد تفكيرها بأن تكون ذاتها.

هذه الإزدواجية وإن كانت مقبولة اجتماعياً فإنها تشوه علاقة المرأة مع نفسها وتقلل من إحترامها لذاتها, وعوضاً عن رفضها للمجتمع ومعاييره المزدوجة ترفض ذاتها فتصبح أكثر عرضة للوقوع في شرك الإضطرابات النفسية وعلى رأسها الاكتئاب.
إلا أن المجتمع بتقاليده لا يكتفي بإرهاق النساء اللواتي يستسلمن لإزدواجيته بل إن ضغوطه تثقل كاهل حتى النساء ذوات الشخصيات القوية اللاتي قررن تجاوز ما وضعن فيه. فإذا تفوقت المرأة في ميادين العلم والعمل سحب المجتمع منها صفة الأنوثة وكأن التفوق مسموح به للرجال فقط! هذا الضغط يولد صراعا داخليا لدى المرأة، فهي تطمح لتحقيق مستقبلها المهني والعلمي لكنها بذلك تخسر فرصها بالحب والزواج وإنجاب الاطفال، لأنها نادراً ما تجد شريكاً يتفهم طموحها ويتحمل معها الضغوط الأسرية. وبقاؤها دون زواج لا يقتصر على كونه مرهقاً من الناحية الاجتماعية، بل إنه يؤثر في أغلب الحالات على تقديرها لذاتها، فعلى الرغم من النجاح المهني والعلمي الذي تحققه إلا ان الصورة التقليدية للدور الانثوي الذي تربت عليه سيتركها ضحية للقلق ومشاعر الفشل. ونجاحها كزوجة وحبيبة يحتل مركزاً هاماً بالنسبة لتقدير الذات لديها. لهذا السبب غالباُ ما تفضل التخلي عن طموحها والإنسحاب الى الدور الذي رسمه المجتمع لها، على أن تدفع تلك الضريبة الباهظة لتحقيق وجودها.
ولا تتوقف الأمور عند ها الحد، بل إن دورها كزوجة وأم يفرض عليها تحمل قدر أكبر من الأعباء بدءاً بضغوط العلاقة الزوجية. ففي حالات كثيرة تتحمل العنف والإهانة والإستغلال، ليس لأنها تحب شريكها وتقدره، بل لأنها تخشى فقدان العلاقة وتدرك حجم الألم الاجتماعي الذي سيلحق بها وبأطفالها في حال طلاقها فتفضل فقدان هويتها وإحترامها لذاتها وتقبل الإستغلال من شريكها مقابل الحفاظ على علاقة مريضة.
حتى في الحالات التي يكون فيها الشريك أكثر وعياً وتبنى العلاقة بين الزوجين على أساس الشراكة "وهنا تكون مشاركة المرأة عادة هي فقط من الناحية الاقتصادية من خلال عملها" فإن صراع الأدوار يلعب دوره في تمزيق المرأة نفسياً وجسدياً. فحياتها مقسمة بين العمل والأطفال والزوج والواجبات الاجتماعية وتحقيق ذاتها.. وحتى إن أدت أدوارها بشكل جيد "وهي غالباً ما تؤديها على نحو أفضل من المرأة غير العاملة " إلا أن مشاعر التقصير والإحساس بالذنب ستلاحقها دائماً، خاصة في ظل غياب توزيع عادل للمهمات المنزلية بينها وبين شريكها.
كل هذه الضغوط الجسدية والنفسية غالباً ما تجعل المرأة أكثر استعداداً للوقوع في القلق والإكتئاب.
لكن هذا لا يعني أن الاكتئاب هو مصير حتمي لكل النساء. فهو متعلق أيضا بالكيفية التي تستجيب فيها المرأة للإرهاقات النفسية تتعلق بشخصيتها ومزاجها النفسي، وبالكيفية التي واجهت فيها صراعاتها في طفولتها ويفوعها.. ولذلك فالعديد من النساء لا يعانين منه نهائيا.
إذا، إكتئاب المرأة هو، في أحد أوجهه، نتيجة للتمييز الذي تعاني منه في تربيتها، والذي يعدها لمهام محددة مصنفة على أنها هامشية، فيما أن أية محاولة لخروجها من هذا الإطار إلى بناء شخصية فاعلة يواجه بقوة عبر إسقاط الاعتراف بأنوثتها.

المصدر: موقع نساء سوريا