اضربوهـن.. عنـف أم إعـلام أم مفارقـة؟

إن احتضان المسلمين للحضارة الإغريقية الوثنية ثم القبلية ثم الحضارة الغربية قد أدى في البداية إلى ضياع النظام العام للأمة وتحول الخلافة إلى ملك عضوض، ويؤدي الآن إلى ضرب نظام الأسرة في مقتل ودفع الإنسانية إلى مرحلة الحيوانية والدمار.



وأضاف: إن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم كلها لم تذكر حادثة واحدة على ضرب المرأة والزوجة بل إنه لم يسمح لأبي بكر بأن يضرب عائشة رضي الله عنها، أما الفقهاء فقد نسبوا لابن عباس أن الضرب يكون بالسواك بعد الوعظ والهجر، ولو استسلمنا لنموذج الضرب حتى بالسواك أو لنموذج الغرب فستتحطم الأسرة، أما الضرب بمعنى المفارقة فيحقق مصلحة الطرفين ومصلحة الأطفال والأسرة.

 

نظرة تجديدية

جاء ذلك ضمن الملتقى الذي تنظمه جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية بعنوان: "المرأة نظرة تجديدية"، والذي يناقش على مدار عدة حلقات حوارية، خلال الفترة من شهر مايو إلى شهر ديسمبر 2009 م، أهم الإشكالات الواردة حول مكانة المرأة وأهليتها للقيام بدورها الإنساني، وعرض الآراء الفقهية التجديدية فيما له علاقة بالمرأة والأسرة من أجل الخروج معالجات تجديدية لبعض قضايا المرأة العربية التي تعتبر مثارا للجدل وتؤثر بشكل مباشر في دورها بالحياة.

وفي هذا الإطار عقدت الجمعية حلقة حوارية بعنوان: "المرأة والرجل.. تمييز أو عدالة؟"، بمركز البحرين الدولي للمؤتمرات في 23-5-2009، ركزت على قضية ضرب المرأة الواردة في الآية الكريمة رقم 34 من سورة النساء، وشارك فيها الدكتور عبد الحميد أبو سليمان الرئيس الأسبق للمعهد العالمي للفكر الإسلامي، وأ. جلال القصاب الباحث بجمعية التجديد الثقافية، والدكتورة وجيهة البحارنة نائب رئيس جمعية البحرين النسائية، والدكتور على فخرو وزير التربية والتعليم البحريني الأسبق، والشيخ ياسر المحميد قاض شرعي.

 

العودة للروحي

وأشار سليمان: "إن الإنسان من طين وروح، ويمكننا من خلال ذلك إدراك معنى الحياة الغربية التي استغرقت في المادي وفارقت الروحي، ومفهوم الدولة القومية على سبيل المثال هو تجسيد للمعنى الحيواني إذ يعني تكاتف السلالة من أجل مصلحتها، وفي السياسية الغربية لا حديث عن الحق والعدل وإنما الحديث يجري عن القوة فقط".

وتحول للحديث عن قضية العنف ضد المرأة بالإشارة إلى أن الأمة أمامها طريقان: الأول: يتمثل في تقليد الحضارة الغربية التي تحولت الحرية فيها إلى فوضى ولم يعد فيها مجال للتفرقة بين الصواب والخطأ، والثاني: العودة إلى الروحي ومنطق العدل في الإسلام والذي أبهر العالم كله وأثر في ربوعه خلال ثلاثين عاما فقط منذ بدء نزول الوحي.

وفيما يتعلق بتفسير الآية الكريمة رقم 34 من سورة النساء، في قوله تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً"، تساءل الدكتور أبو سليمان: هل يدعو الإسلام إلى ضرب المرأة لإرغامها على ما تريد؟ وهل الضرب وسيلة ناجحة لحل الخلافات الزوجية؟!

وأجاب بأن كلمة ضرب وردت في 17 استعمالا في القرآن الكريم، والأغلبية الساحقة منها تعنى: المفارقة أي ترك الحيز، وفي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ضربت امرأة فأراد القصاص من زوجها، لكن نزلت تلك الآية الكريمة فقال صلى الله عليه وسلم: "أردت أمراً وأراد الله أمرا آخر"، ولو أن القصاص طال الرجل لكان الطلاق هو الأقرب للخلاف –بحسب الدكتور سليمان- الذي يضيف أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع "اضربوهن" كان لا يتحدث عن النشوز وإنما عن المجيء بأحد تكرهونه إلى الفراش، ولذلك لا غرابة أن يدعو وليها إلى تأديبها.

 

حواء لم تعص

قالت د. وجيهة البحارنة – نائب رئيس جمعية البحرين النسائية: إن آدم وحواء هما زوج وزوجة اصطفاهما الله وأسكنهما جنته وجعلها لهما رغدا فلم يكن آدم بحاجة إلى الاصطياد ولم تكن حواء بحاجة إلى الطبخ، إلى أن وسوس لهما الشيطان وأذلهما وعصى آدم ربه فكانت الأرض لهما مستقرا ومتاعا إلى حين .. وبعد طول استغفار تقبل الله توبتهما وحملهما الأمانة سويا: خلافة الله في الأرض.

ومع الزمن اختلت موازين العدل ولحق الظلم بأحدهما، فأصبحت المرأة في الدرجة الدنيا، والرجل هو المسيطر، وهكذا خرجت المرأة ليس من الجنة فقط وإنما من دائرة العدل والمساواة، وانحصرت مهمتها العظيمة –حمل الأمانة كالرجل– في بعض المهام المنزلية والاجتماعية!.

وقامت البحارنة بعرض فيلم استطلاعي –من إعداد جمعية البحرين النسائية- يتناول الثقافة السائدة حول المرأة ورأي الجمعية حولها، وينقسم الفيلم إلى قسمين: الأول: آراء لمواطنين ومواطنات حول بعض الإشكالات مثل: القوامة، وضرب المرأة، والطاعة، ومن المفارقة أن بعض النساء وافقن على ضرب المرأة، كما ردد بعض الرجال أن المرأة من ضلع أعوج، لكن الملاحظ أن الغالبية أكدت على أهمية الحب والاحترام للزوجة وأن الضرب ليس حلاً للخلافات الزوجية.


الثاني: رأي الجمعية حول الحديث المجتمعي حول أفضلية الرجل على المرأة، واقتطاع أقوال لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل: "النساء ناقصات عقل ودين"، "شاوروهن وخالفوهن"، "ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، "أكثر أهل النار النساء". وهنا يجيء صوت المذيعة من وراء رسوم تعبيرية حول النساء اللاتي تتحدث عنهن: "مهلا مهلا عم تتكلمون؟!. وأي التهم بي تلصقون؟، وأدتموني صغيرة في الماضي وتريدون أن تفعلوا ذلك معي وأنا راشدة، فهل تعون حقيقة الاستخلاف وهل تقرأون: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" و"من يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن..".

وأضافت أن حواء لم تعص أو تغو، وبلقيس شاورت واهتدت، وآسيا آمنت بالله وهي زوجة فرعون فبنى الله لها عنده قصرا في الجنة، وخديجة كانت أول المؤمنين بالإسلام، وسمية والخنساء وغيرهن تسابقن للدفاع عن الدين ورسوله.

كما عرضت الدكتورة البحارنة جزءا من برنامج متلفز في أحد القنوات العربية -قامت بترجمته وتوزيعه إعلامياً مؤسسة ميمري الصهيونية- ويتضمن رأي شيخين أحدهما يدافع عن ضرب المرأة ويتساءل: هل نخفي (واضربوهن)؟ والثاني يقول إن الإسلام هو الذي يضرب والرسول صلى الله عليه وسلم لم يضرب عائشة أو يفقأ عين حفصة.

 

تفسير جديد

تحت عنوان: "النص القرآني كعصا ضد المرأة" تساءل جلال القصاب –الباحث البحريني في الدراسات الإسلامية والاجتماعية-: أليس من التناقض أن يثبت القرآن الكريم سورة النساء حقوق النساء وهي تخاطب الرجال: " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام"، ويوصي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالنساء خيرا ثم تصدر الشريعة أمرا مضادا للرفق والتكريم والسكن والمودة؟ كما استغرب بعض الدراسات الميدانية التي تذكر أن 60% من النساء يوافقن على الضرب حتى في حالة إفساد الطبخ!.

وأورد القصاب آراء على طرفي نقيض؛ الأولى: لشخصيات فكرية، مثل محمد شحرور الذي يطالب بإسقاط الآية الكريمة!، والثانية: لفقهاء يرفضون ولاية المرأة ورئاستها في المجتمع على اعتبار أن سلطنتها سقطت بنص تلك الآية الكريمة داخل البيت بحسب مفهوم القوامة الذي يعني –حسب رأيهم- الولاية والإدارة والتدبير، كما أورد التفسيرات المتداولة لمفهوم القوامة بالقول: إن الولاية للرجل لأن الله فضله على المرأة دينا وعقلا وتدبيرا، والنشوز يعني امتناعها عن أداء حقه الجنسي أو خروجها من البيت دون إذنه، أما الضرب فهو التأديب بما لا يجرح ولا يكسر ولا يقبح.

وأضاف أنه بقراءة القرآن الكريم قراءة مقاصدية وفي سياقه اللغوي والتاريخي فإن الإسلام كان يبحث عن مجتمع الفضيلة في عصر الرسالة لذلك نجد أنه يأمر بإمساك المرأة الداعرة في البيوت وعدم خروجها حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا. أما بخصوص الآية الكريمة في سورة النساء فإن القوامة تعني علاقة الزوج الخاصة بزوجته، فالزوجة القانتة هي التي توحد زوجها في تلك العلاقة الخاصة بينهما، والحافظة للغيب هي التي تحفظ غيب زوجها ولا تحضر شخصا آخر إلى فراشه، أما الناشزة فهي التي لا تحفظ غيبة زوجها وتشرك معه في تلك العلاقة شخصا آخر.

مفاهيم خاطئة

من ناحيتها قالت الدكتورة سهيلة زين العابدين -عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين-: إن المرأة المسلمة تعاني منذ قرون عديدة إثر التراجع الحضاري الذي انتكست به الأمة الإسلامية، وانتكست معه المرأة في المجتمعات الإسلامية خصوصا، وهو ما يجعلنا في أمس الحاجة إلى تجديد الخطاب الديني للمرأة، والنظر إليها، والتعامل معها طبقاً لأحكام الإسلام وتشريعاته الحقيقية، وليس طبقا لتفسيرات ذكورية تحكَّمت فيها أهواء ونظرة الرجل الاستعلائية التي تحرص على دونية المرأة وتبعيتها وخضوعها له.

واعتبرت أن الرجل هو المسئول الوحيد عن إقصاء المرأة عن تولي أي منصب ديني، إفتاء، قضاء، مأذون وذلك لكيلا توضح للناس أصول التشريعات وحقائقها، كما أنه يهاجم أي امرأة تسعى إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة للآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة بحقوق المرأة وواجباتها، حيث يتهمها بأنَّها علمانية وليبرالية!.

واقترحت أن تتبنى جمعية البحرين النسائية بالتضامن مع المجالس والاتحادات والمنظمات والجمعيات النسائية في العالميْن العربي والإسلامي مشروع إعادة تحقيق كتب التفسير والحديث من نسخها الأساسية، وتجديد الخطاب الديني عن المرأة مع تصحيح المفاهيم الخاطئة لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة بالمرأة، وما ترتب عليها من أحكام فقهية خاطئة – حسب رأيها.

التعاقد كحل للإشكال

وفي مداخلته أكد الدكتور علي فخرو –وزير التربية والتعليم البحريني الأسبق- أن العنف ضد المرأة لا يخص المسلمين فقط بل يتعلق بالبشرية وجميع المجتمعات والعصور فيها، مشيرا إلى أن وجود قضايا عديدة تحدث عنها القرآن الكريم وكانت تخص عصر الرسالة ولم تعد موجودة في واقعنا الراهن كالإماء والرق وغيرها.

وقال: "إن النقاش حول مثل هذه القضايا كالضرب والعنف والتمييز .. إلخ سوف يستمر بلا نهاية، وأقترح وضع قوانين محددة تمنع الضرب بحيث إذا ذهبت المرأة للقاضي أو حتى الرجل –في بعض الحالات– فيجب عليه أن يعود للقانون ويطبقه.. وهذا طريق".

أما الطريق الثاني –الدكتور فخرو– فهو أن تضع الدولة جميع التفاصيل في عقد الزواج كالضرب والطلاق والحضانة.. إلخ حتى يكون ملزما للطرفين، وهذا ليس خروجا عن الإسلام ولكنه بمثابة حل لإشكالات لا يريد الفقهاء حلها ونظل نتناقش فيها إلى مالا نهاية.

 

موقع الأسرة السعيدة