استراتيجية القبعات الست ودورها في التعلم الفعال وتنمية التفكير

نحن نعيش اليوم في عالم سريع التغيُّر كثير التطورات في جميع مجالات الحياة ولا سيما في ميدان التربية والتعليم، وقد أخذت المناهج التعليمية اليوم تركز في إكساب المتعلِّم مهارات التفكير بأنواعه لتواكب هذا العصر ومتغيراته؛ إذ أصبحت تنمية التفكير أمراً حتمياً وضرورياً، وأصبح في صدارة الأهداف التربويَّة التي تضعها كافة الأنظمة التربوية والتعليمية حول العالم بهدف جعل التفكير سلوكاً عاماً لدى التلاميذ على اختلاف أعمارهم.



سعياً إلى ذلك عمدت الأنظمة إلى استبدال طرائق وأساليب التعليم التقليدية والقائمة على التلقين وتراكم المعلومات وحشو عقول الطلاب بالنظريات الجافة إلى ابتكار واعتماد مجموعة من الاستراتيجيات التعليمية الداعمة لمهارات التفكير الإبداعي؛ والتي تقوم على فهم المتعلِّم العميق لمحتوى المادة العلمية ومناقشته ونقده مع الآخرين، بالإضافة إلى الربط بين الخبرات والمعارف المختلفة القديمة والحديثة، مع ضرورة التأكيد على مواكبتها للاتجاهات الحديثة في المناهج التدريسية القائمة على تلبية احتياجات نمو المتعلمين ومراعاة رغباتهم وآليات إكسابهم الخبرات.

من هذه الاستراتيجيات كانت توجد استراتيجية "القبعات الست في التفكير" (six hats) التي وضعها الطبيب البريطاني "إدوارد دي بونو"، وسوف نتعرَّف ضمن هذا المقال إلى ماهيَّة استراتيجية القبعات الست وكيف لها أن تساهم في تنمية مهارات التفكير لدى الطالب.

1. ما هو مبدأ عمل استراتيجية "القبعات الست"؟

يقول إدوارد دي بونو Do Bono مُبتكر هذه الاستراتيجية: "إنَّها أداة فعالة في تغيُّر طريقة تفكير المعلم والمتعلم، وتقوم على النقاش الذي يسمح للفرد بتبديل نمط تفكيره إلى ستة أنماط لحل المشكلة التي تواجهه".

قال جروس Gross إنَّ هذه الاستراتيجية عبارة عن: "نظام يمكِّن الفرد من التفكير في اتِّجاه واحد من اتجاهات التفكير والممثَّلة بألوان قبعات التفكير الست".

تقوم هذه الاستراتيجية على تقسيم التفكير إلى ستة أنماط وعدِّ كل قبعة من القبعات نمطاً، ولكل قبعة لون يرتكز على نوع محدد من التفكير؛ إذ يتبنى صاحب كل قبعة موقفاً يدافع عنه بشكل مستميت دون أن يسمع أيَّاً من أصحاب الأفكار المعارضة الأُخرى ولا يسمح لهم بالدفاع عن أفكارهم، فهو يكون رهن النمط المحدد في تلك اللحظة.

إنَّ هذه الاستراتيجية أداة فعَّالة لتنمية التفكير المتوازي وتنمية الابتكار والاستكشاف والمبادرة، وهي عملية منضبطة هدفها الرئيس تبسيط عملية التفكير للوصول إلى النتيجة المناسبة.

2. دلالات القبعات الست وألوانها:

القبعة البيضاء:

تُشير إلى التفكير الحيادي والموضوعية؛ إذ اختيرَ اللون الأبيض لهذا النمط لأنَّه يرمز إلى الصفاء والنقاء، ويبحث الفرد الذي يرتدي القبعة عن المعلومات ويجمعها ولا ينتقد أو يصد أي نوع من أنواع الأحكام.

من الأسئلة التي يوجهها صاحب القبعة البيضاء:

  1. ماذا يتوفر لدي من معلومات عن الموضوع؟
  2. ما هي المعلومات التي يجب أن أبحث عنها؟
  3. ما هي المعلومات الناقصة والتي يجب أن أستكملها؟
  4. ما هي الأسئلة التي يجب أن أطرحها بشكل محدد؟

التفكير باللون الأبيض له مجموعة من الخصائص وهي:

  1. وجوده ضروري وأساسي لجميع الأنواع الأخرى.
  2. لا لون له؛ إذ يتَّصف بالموضوعية والدقة في البحث.
  3. متَّقد الذهن؛ إذ يحافظ على تركيزه في كل المناسبات والمواقف.
  4. هادئ ومنضبط.
إقرأ أيضاً: التفكير: المفهوم وأنواعه

القبعة الحمراء:

تُشير إلى التفكير العاطفي؛ إذ يرمز اللون الأحمر إلى الحب والعواطف، ويجب على الفرد صاحب القبعة الحمراء أن يعبِّر عن أفكاره بشكل عاطفي ومليء بالمشاعر وحسب الميول الخاصة والذوق والإحساس ونظرته إلى الجمال وغيرها من المشاعر دون تبرير تلك المشاعر.

يقوم الفرد صاحب القبعة الحمراء بعدَّة أمور ومنها:

  1. التركيز في أي موضوع في المشاعر وليس في حقيقة المعلومات.
  2. رفض الحقيقة والتبرير بناءً على استخدام العاطفة.
  3. التحيُّز الواضح غير العقلاني إلى الجانب الإنساني في أي موقف.

القبعة الصفراء:

تُشير إلى التفكير الإيجابي؛ إذ يرمز اللون الأصفر إلى لون الشمس والتفاؤل، ويتراوح التفكير هنا بين نقطتين "المنطق والخيال"، كما أنَّها تركز في تعزيز نقاط القوة الموجودة وكيفية توظيفها في مواقف جديدة.

من الأسئلة التي يطرحها الفرد صاحب القبعة الصفراء:

  1. ما هي الميزات ونقاط القوة الموجودة في هذا الموضوع؟
  2. هذه نقاط القوة فكيف يمكن أن أستفيد منها بشكل إيجابي؟
  3. مَن المستفيد من هذه النقاط الإيجابية؟
  4. كيف يمكن أن تساعدني هذه النقاط الإيجابية؟
  5. كيف يمكن تطبيق النقاط الإيجابية هذه في مواقف جديدة؟

جلَّ ما تركز فيه القبعة الصفراء هو الجدوى والفوائد التي سوف نحصل عليها وكيفية تعديل النظام الحالي القائم حتى نطبق الأفكار الجديدة، والتركيز في الفرص المتاحة وزيادة احتمالات النجاح وتقليل احتمالات الفشل والإخفاق، فأهم سمة يتَّصف بها صاحبها هي حب الإنجاز والنجاح.

شاهد بالفديو: 10 عادات مميّزة يتبعها الأشخاص الناجحون في التفكير

القبعة السوداء:

تُشير إلى التفكير السلبي والنقد والتحفُّظ والتشاؤم، ومهمتها هي اكتشاف الأخطاء والتحذير من الوقوع في المخاطر بالاعتماد على الأسباب المبررة المبنيَّة على الحقائق والمعلومات؛ إذ يُركَّز في نقاط الضعف وتُنقَد بهدف معالجتها، وتُوضَّح أسباب عدم النجاح والجوانب السلبية فيها.

من أمثلة الأسئلة التي يطرحها:

  1. أين هي نقاط الضعف في الموضوع؟
  2. ما هو تأثير نقاط الضعف؟
  3. كيف يمكن معالجة نقاط الضعف؟

القبعة الخضراء:

تُشير إلى التفكير الإبداعي والطاقة والحيوية، وتقوم على اقتراح الحلول الإبداعية لإنتاج الأفكار الجديدة والمختلفة؛ والتي تقود إلى تعديل الأفكار وتطويرها.

من الأسئلة التي تطرحها القبعة الخضراء:

  1. ما هي طرائق جعل الأفكار تتحقق؟
  2. أيَّة طريقة من طرائق تحقيق الأفكار الجديدة أفضل؟

من خصائص الفرد صاحب القبعة الخضراء: الطموح، امتلاك التفكير الناقد والتفكير العكسي، العمل على إزالة الأخطاء، ابتكار مجموعة متعددة من البدائل.

القبعة الزرقاء:

تُشير إلى التفكير الشمولي والنظرة العامة، واللون الأزرق يرمز إلى لون السماء؛ إذ يقع كل شيء تحت السماء، فهو رمز القوة، ويقود التفكير وصولاً إلى أفضل النتائج؛ إذ تتركز مهمته في إرشاد وتوجيه أنماط التفكير الخمسة الباقية والتحكم بها؛ إذ يُقرِّر مَن هو النمط الذي يبدأ بالتفكير أولاً ومتى ينتهي وينتقل الدور إلى نمط آخر.

ليس بالضرورة وجود دور منظَّم للقبعات؛ بل تستدعي القبعة الزرقاء أيَّة قبعة منهم والتي تكون مناسبة للموقف، وتركز في الاستنتاجات والملخصات والقرارات، وتقع على مرتدي القبعة الزرقاء مهمَّة الترتيب والتنظيم ووضع الخطوات وإدارة الحوار وتوجيه النقاش، ومن ثم تجميع الآراء وإعادة بلورتها بشكل نهائي.

من الأسئلة التي تطرحها القبعة الزرقاء:

  1. ما الخطوة التالية التي يجب القيام بها؟
  2. ما هي طريقة تنفيذ الفكرة الجديدة؟
  3. كيف يجب تجنُّب الوقوع في المخاطر التي حددتها القبعة السوداء؟
  4. ما هي طرائق الاستفادة من اقتراحات القبعة الصفراء؟
  5. كيف يمكن الحفاظ على المشاعر التي اقترحتها القبعة الحمراء؟

3. أهداف استراتيجية القبعات الست في التعليم:

  • تعليم الطالب طريقة للتعبير عن نفسه وانفعالاته ومشاعره والتواصل السليم مع الآخرين.
  • تعليم الطالب مهارات الحوار والإدارة الصحيحة للنقاش.
  • تنمية مهارة الطالب على فهم وتفسير مشاعر وأفكار الآخرين.
  • تنمية قدرة الطالب على التنويع في ألفاظه وأسلوبه وصوته وملامحه الظاهرة وفقاً للحالة التي يدافع عنها.
  • مساعدة الطالب على تكوين المفاهيم.
  • زيادة الوعي بأنواع التفكير وجعل الطالب محور العملية التعليمية.

4. خصائص استراتيجية القبعات الست:

  • تعطي طريقة القبعات الست للطالب الفرصة للتعبير وفق ستة أنماط مختلفة من التفكير وهي: "المحايد، العاطفي، الإبداعي، الإيجابي، الناقد، المعرفي".
  • تحديد الأدوار يجعل من التفكير عملية منظمة ومرتبة وفق خطوات.
  • طريقة واضحة وسهلة التعلُّم ويمكن التدريب عليها حتى إتقانها.
  • إتاحة الفرصة للتعبير عن المشاعر.
  • جعل التعليم أكثر فائدة من خلال ترك الطرائق التقليدية واتِّباعها للحصول على أفضل تحليل لموضوع التعليم.
  • الفصل بين الذات والأداء؛ إذ إنَّ مرتدي القبعة ليس بالضرورة أن يكون في الواقع من أصحاب رأي القبعة؛ بل يمكن أن يمثل دور صاحب قبعة مخالفة لرأيه الحقيقي ويبذل الجهد للدفاع عن فكرة القبعة مهما كانت.
  • توليد العديد من الأفكار بنوعيها السلبية والإيجابية.
  • التأكيد على دقة ومصداقية المعلومات وأساليب معالجتها لجعلها واضحة تماماً.
  • استراتيجية متكاملة وشاملة لا تحتاج إلى الكثير من الوقت لتنفيذها، بالإضافة إلى أنَّها تثير دافعيَّة الطلاب تجاه التعلُّم.
  • تعتمد هذه الاستراتيجية على تأدية الأدوار في التنفيذ؛ مما يضفي عليها المتعة والجو المريح والفائدة في ذات الوقت.
  • تنمية مهارات العصف الذهني وحل المشكلات وكافة مهارات التفكير الناقد وتشجيع الخيال، كما تؤكد على التعاون بين جميع الطلاب وليس التنافس المضر.
إقرأ أيضاً: 6 طرق تساعدك على التفكير خارج الصندوق

في الختام:

يُعَدُّ التعليم من أسمى الرسائل الإنسانية التي يعمر بها الكون، وإنَّ مواكبة التطور الحضاري والمعرفي الحاصل، تتطلَّب منا حتمية الاهتمام بحداثة التعليم وتطوير مناهجه وأساليب التفكير، وتقوم على تنمية الإبداع وإدراك العلاقات بين العناصر في موقف معيَّن من خلال السماح للطلاب بالانتقال بين أنماط التفكير المختلفة وفي النتيجة اتِّخاذ القرار المناسب.

المصادر:

  • خميس جمعة سلامة برهوم، أثر استخدام استراتيجية قبعات التفكير الست في تنمية مهارات التفكير الإبداعي واتخاذ القرار، الجامعة الإسلامية، غزة، 2013
  • منال عبد الجبار السّماك وبشار عز الدين السماك، فاعلية استراتيجيات القبعات الست في تحسين جودة الأداء لعضو هيئة التدريس في التعليم العالي، كلية الاقتصاد، جامعة الموصل.
  • صفاء حرب أبو مكتومة، أثر توظيف استراتيجية القبعات الست في تنمية مهارات الفهم القرائي للنصوص الأدبية لدى طالبات الصف الخامس بالمحافظة الوسطى، الجامعة الإسلامية، غزة، 2016



مقالات مرتبطة