استثمر في تربية ولدك

قد قيل: (إذا أردتَ أن تزرع لسنة فازرع قمحاً، وإذا أردتَ أن تزرع لعشر سنوات فازرع شجرة، وإذا أردتَ أن تزرع لمائة سنة فازرع إنساناً).



أولادنا رأس مال عزيز، وسبيل ربح وفير، وأمان بإذن الله من الفقر والحاجة، فهم من الباقيات لنا بعد الممات (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى لِي هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ)، وغداً نراهم وقد تَقَلَّدوا مهام حيويَّة في بناء أوطاننا وخدمة أمتنا وديننا بحول الله، إنَّنا في حاجة لأن نستثمر جهدنا وأموالنا وأفكارنا فيهم، نتفرغ لتربيتهم، نلحقهم بحلق القرآن الكريم، نُعَرِّفهم مبادئ الدين الإسلامي، واللغة العربية، وبعض العلوم الأخرى، نُقوِّم ألسنتهم بالقراءة الصحيحة، وبحفظ شيء من الأحاديث النبوية، وأشعار العرب وأمجادهم، نؤكد فيهم شخصيتهم المتميزة، نُنّمِّي فيهم بعض المهارات النافعة، ونتعاون معهم لرسم أهداف واضحة ومثمرة في حياتهم، أو نُخَصِّص لهم مربياً ومؤدبا، يَتَّصف برسوخ العقيدة الإسلامية، والإلمام بالمواد التي يدرُسُها الابن، ويراعِي ميول وحاجات الأطفال ومعاملتهم بالإحسان والتلطّف.

إنَّ صورة حاجة الأمة لرجال متميزين تظهر في أمنية فاروق هذه الأمة، ثاني الخلفاء الراشدين حين كان ذكر أمنيته فقال: (أتمنى ملء هذه الدار رجالاً مثل أبى عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبى حذيفة أستعملهم في سبيل الله).

تقول الدراسات العلمية: أن 70 % من سلوكيات البشر تبدأ بالتبلور في السنوات الخمس الأولى من العمر، ويؤكد هذا الإمام الغزالي رحمه الله فيقول : (الصبي أمانةً عند أبيه، وقلبُه جوهرةٌ نفيسةٌ ساذجةٌ خاليةٌ عن كل نقشٍ وصورة، وهو قابل لكل نقش ومائل إلى كلِّ ما يمالُ به إليه، فإن عُوِّدَ الخير وعُلِّم نشأ عليه وشاركَ في ثوابه أبويه، وإن عُوِّدَ الشر وأُهمل شَقِي وهَلك وكان الوزر في رقبة القيم به والولي عليه).

إن ظروف ومعطيات تربية الطفل في مراحل حياته المبكرة، تؤثِّرُ تأثيراً كبيراً في سِنِيِّ حياته اللاحقة، إذ أن الطفل في صغره – كما يقول الإمام الغزالي – يستجيب بمرونة كبيرة لما يراه من سلوكيات والديه ومعلميه أو توجيهاتهم ، وهي مرحلة التَّلقي الوادعة لدى الطفل، فالغِراسُ هنا سيكون نتيجته أكثرُ ثمرة وقوة ونضجاً في المستقبل، وقديماً قيل: العلمُ في الصغر كالنقش في الحجر، يقول ابن الجوزي رحمه الله: "أقوم التقويم ما كان في الصغر، فأما إذا ترك الولد وطبعه فنشأ عليه ومرن كان رده صعباً".

إن الغصون إذا قومتها اعتدلت

                                 ولا يلين إذا قومته الخشب

قد ينفع الأدب الأحداث في مهل

                                وليس ينفع في ذي الشيبة الأدب

وفي المقابل إن لم نحسن التعامل مع هذه الجوهرة النفيسة، فقد نسهم في وأد نبوغ وتميز وصفاء أولادنا من حيث نشعر أو لا نشعر، فالدراسات تقول أيضاً: نسبة المبدعين الموهوبين في سن الولادة وحتى السنة الخامسة، تبلغ 90% ، تنخفض إلى 10% عند السابعة، أما في الثامنة من العمر فتكون 2% فقط.

أصابع الاتهام تتوجَّه إلى أسلوب تعاملنا معهم، أو طرق تربيتنا، أو مناهج تعليمنا، أو حتى للأعراف الاجتماعية ، فبدلاً من تنمية هذا الإبداع ورعايته، عَملت على سلبه، وطمس معالمه.


يقول الشيخ ابن سعدي رحمه الله في تفسيره لقول الله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ): "أولادكم - يا معشر الوالِدِين- عندكم ودائع قد وصاكم الله عليهم، لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية، فتعلمونهم وتؤدبونهم وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله وملازمة التقوى على الدوام".

وثمة مسألة مهمة هنا؛ وهي أن نِتاج تربيتنا لأولادنا في أي مرحلة من مراحل أعمارهم، لا يلزم أن نراها ماثلة أمام أعيننا مباشرة، فهي كشجرة (البامبو الصينية)، تظـل طيلة أربع سنوات بعد زراعة البذور، لا يُرى منها إلا برعماً صغيراً يخرج من البصلة , حيث تضرب بجذورها الليفية المتينة باطن الأرض، وفي الخامسة يصل ارتفاع الشجرة إلى حوالي: (25) متراً، فقد لا نرى آثار جهدنا في تربية أولادنا عاجلاً، ولكننا يوماً ما بحول الله سنحصد ثمار ما غرسناه فيهم، فلا نستعجل الثمرة، ولا نمل طول الطريق.

موقع الأسرة السعيدة