ازمة منتصف العمـر

[حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ] الأحقاف:15 .

في مرحلة منتصف العمر مابين الخامسة والثلاثين والخامسة والأربعين يظهر اضطراب انفعالي يتمثل في إعادة تقويم الفرد لحياته ووضعه ، مراجعة أحلامه وأهدافه في الحياة وما حققه منها وما لم يحقق ومن هذا المنطلق ينقسم الناس إلى قسمين :



أولاً: كما وضحته الآية الكريمة ، أن الإنسان يتأمل النعم التي أنعم الله عليه بها وهي لا تعد ولا تحصى ويبدأ بالاهتمام بمستقبله الأخروي وبأبنائه ويحاول إصلاح ذاته متعلماً من أخطاء الشباب مستغفراً للذنوب والآثام .

ثانياً: فهم أولائك الأشخاص الذين يريدون التشبث بالشباب ويقوم بتصرفات يحاول من خلالها إقناع نفسه وإشعار الآخرين بأنه مازال شاباً ، فيصدر تصرفات غير ملائمة إلى حد الدرجة التي تجعل الآخرين يسخرون منه ، ونذكر منها على سبيل المثال: بالنسبة للنساء فهن يبالغن في التجمل واستعمال المساحيق ، والملابس التي لا تتلاءم مع السن وقصات الشعر ومحاولة لفت الانتباه ، أما بالنسبة للذكور فنجدها أكثر وضوحاً إلى حدٍ ما فيحاول أن يثبت لنفسه وللآخرين بأنه قادر على إحياء شبابه فيقدم على الزواج الثاني بدون أي أسباب ، وكأن السبب الحقيقي من الزواج هو إعادة الشباب .

 

[حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ] الأحقاف:15

 ولكن هناك حالات من الزواج الثاني تكون وراءها أسباب ودوافع غير ذلك فهي تستمر وتدوم وتحقق أهدافها ولكني أتحدث عن من يبكي ماضيه فقط .

ونلتقط صورة أخرى من صور منتصف العمر وهي الخلافات الأسرية ، ويبدأ الرجل ينعي حظه في زواجه وأنه كان بإمكانه أن يتزوج أفضل من هذه ولكنها الظروف والأقدار ، وتسيطر الفكرة عليه أو على الزوجة فيحدث النزاع والخلاف الذي ينتقل بدوره إلى الأبناء وتسمع عبارات [ ما يصبرني على هذا البلاء ، هم الأولاد ] وكأن الحياة تحولت إلى جحيم بين الزوجين .

ولو نظرنا إلى الجانب الآخر نجد هناك صورة أخرى من صور منتصف العمر وهي علامات وأعراض جسمية مثل: ظهور الشعر الأبيض وتجاعيد البشرة وقلة المجهود البدني ، وظهور الشكوى من الصداع وآلام الظهر والمفاصل ، وإن كانت آلام أسفل الظهر تظهر في الرجال أكثر من الناس على عكس آلام المفاصل التي تظهر في النساء أكثر من الرجال ، ويبدأ يظهر قلق المرض وقلق الموت .

وإذا بي أنظر إلى الخلف وجدت صورة أخرى أشد خطراً وهي التصابي عبر المعاكسات الهاتفية وعبر الإنترنت والشات مع فتيات أصغر من أبنائهم أو أمهات مع أولاد أصغر من أبنائهن .

وصورة أخرى بجانب الصورة الخلقية وهي اندفاع الصبية لدى رجل في منتصف العمر فهناك من يندفع وراء مشروع وهمي دون دراسة حقيقية للمشروع في محاولة لإثبات الوجود وتعويض ما فاته من العمر ويجب عليه أن يكون غنياً ويُسعد عائلته بهذا الغنى ، ثم تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ، وهذه الصورة كانت جلية في الاندفاع والتهور في المضاربة بالأسهم وما حدث من نكسات وأمراض جسمية ونفسية كان الرجال الذين في منتصف العمر لهم النصيب الأكبر من نصيب الأسد .

ثم أسمع البعض يقول هناك صور أخرى ، فأقول نعم مثل صور اليأس التي تنتاب مرحلة منتصف العمر حيث يشعر البعض بأنه العمر قد ولى ولا يستطيع أن ينجز أو يفعل شيء ونسمع كلمة تترد على الألسنة [كان زمان ، وخلاص اللي نجح نجح]

هيا بنا نجعل منتصف العمر أجمل وأفضل مراحل العمر عن طريق:

-          غير من حياتك: يرى [ عمر المفدا ] أن من أهم العوامل التي تساعد على ظهور أزمة منتصف العمر رتابة الحياة ففي هذه المرحلة يغلب أن تمضي الأيام على نفس المنوال سنة بعد سنة مع خلوها من المثيرات ، ولقد أظهرت بعض الدراسات أن ظهور هذه الأزمة يكون أعلى لدى من يعانون من رتابة حياتهم أكثر من الذين لديهم أهداف ونشاطات متعددة أو الذين تتسم طبيعة عملهم بالإثارة والتجديد ، ومن هنا ندعو الأزواج إلى تجديد حياتهم وتغيير رتم حياتهم ، ومحاولة الخروج سوياً إلى زيارة أماكن لم يزرها من قبل ...

-          النظر إلى هذه المرحلة على اعتبار أنها أفضل مراحل العمر بما فيها من طاعة واستقرار انفعالي ووجداني فهي أفضل مراحل العمر استقراراً وهدوءً وأعلى مراحل عدم الاندفاع وهي المرحلة التي أختارها رب العزة لرسله في تبليغ رسالته وهي أجمل وأعظم مراحل العمر للعبادة ومراجعة النفس ومحاسبة الذات واستغفار الذنوب وإخراج الصدقات .

-          المرحلة القيادية: هي مرحلة القيادة سواءً في المنزل أو في العمل فهي المرحلة الحقيقية التي يستطيع الفرد أن يترك فيها علامات مضيئة في حياته فهي مرحلة الإبداع الفكري والتفاعل الاجتماعي ومرحلة تحمل المسئولية .

-          مرحلة العطاء: يستطيع الفرد في هذه المرحلة أن يعطي الحنان والحب والوفاء لأهله ثم لبلده وقبل كل شيء لدينه ، ولا تحاول أن تعيش في الماضي وتقول لم أخذ شيء لكي أعطي ، بل قل ماذا أعطيت وما دوري في الحياة .

وفي نهاية المقال أقول يا من في هذه المرحلة تمتعوا بالحياة فهي حقاً جميلة وأجمل ما فيها طاعة الله ، وأذكركم واذكر نفسي بما بدأت به حديثي وهو قول المولى عز وجل : [حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ] الأحقاف:15.

 المصدر: حلول