ابن عطاء الله السكندري والحكم العطائية

كتب الفقيه ابن عطاء الله السكندري 264 حكمة تساعد مريدين الصوفية الشاذلية على الارتقاء بأنفسهم إلى مدارج الكمال والسمو طمعاً في كسب رضا الله ورحمته، وحرص ابن عطاء على استخدام الكلام البليغ الجامع ذي المعاني الواسعة والعميقة بأقل عدد من الكلمات مستنداً إلى الآيات الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فيما يلي سنتعرف بشكل تفصيلي على هذا الفقيه وعلى أهم الحكم العطائية.



من هو ابن عطاء الله السكندري:

  • هو تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن عيسى بن الحسين بن عطاء الله الجذامي، جاء أجداده الأوائل إلى مصر بعد الفتح الإسلامي وسكنوا في مدينة الإسكندرية وفي حوالي سنة 658 هـ الموافق 1260م ولد ابن عطاء الله ونشأ على حب الدين والفقه وأمضى فترة طفولته وشبابه في الانشغال بالعلوم الشَرعية واللغوية.
  • عرف ابن عطاء بسمعته الطيبة وأخلاقه الحميدة فقد كان رجلاً صالحاً وعالماً زاهداً أحبه الناس وتجمعوا حوله للاستماع إلى خطبه وبفضل فصاحته ومعرفته أحدث تأثيراً عميق في قلوبهم.
  • في البداية لم يكن ابن عطاء الله محباً للصوفية وحتى أنه قال في أحد الأيام "من قال أن هنالك علماً غير الذي بأيدينا فقد افترى على الله عز وجل" لكن شاءت الأقدار أن يجتمع بالشيخ أبو العباس المرسي فاستمع إلى أحد خطبه ومواعظه فترك في نفسه أثراً كبيراً وأعجب بكلامه إعجاباً شديداً، وأخذ عنه طريق الصوفية وأصبح من أوائل مريديه وصار يقول عن كلامه القديم: "كنت أضحك على نفسي في هذا الكلام".
  • وهكذا بدأت رحلة ابن عطاء في الصوفية وبفضل اجتهاده في علم الدين تمكّن من التدرّج في منازل العلم والمعرفة ولقد تنبّأ له أستاذه الشيخ أبو العبَاس يوماً فقال له: "الزم، فوالله لئن لزمت لتكونن مفتياً في المذهبين" وبالفعل وصل ابن عطاء إلى أعلى درجات العلم وأصبح أحد أهم أركان الصوفية الشاذلية حيث كان يلقب بقطب العارفين" و"ترجمان الواصلين" و"مرشد السالكين"
  • تتلمذ على يد ابن عطا الكثير من التلاميذ أهمهم تقي الدين السبكي شيخ الشافعية، وابن المبلق السكندري وكان له العديد من المؤلفات مثل أصول مقدمات الوصول، القصد المجرد في معرفة الاسم المفرد، التنوير في إسقاط التدبير، عنوان التوفيق في آداب الطريق.

الحكم العطائية:

أهم مؤلفات ابن العطاء الحكم العطائية التي سُميّت باسمه وهي:

  1. إن رغبتك البدايات زهدتك النهايات، وإن دعاك إليها ظاهر نهاك عنها باطن، إنما جعلها محلا للأغيار ومعدنا لوجود الأكدار تزهيدا لك فيها.
  2. علم أنك لا تقبل النصح المجرد فذوقك من ذواقها ما يسهل عليك وجود فراقها.
  3. العلم النافع هو الذي ينبسط في الصدر شعاعه وينكشف عن القلب قناعه.
  4. خير علم ما كانت الخشية معه، فالعلم إن قارنته الخشية فلك وإلا فعليك.
  5. متى آلمك عدم إقبال الناس عليك أو توجههم بالذم إليك، فارجع إلى علم الله فيك، فإن كان لا يقنعك علمه فمصيبتك بعدم قناعتك بعلمه أشد من مصيبتك من الأذى منهم، إنما أجرى الأذى على أيديهم كي لا تكون ساكنا إليهم، أن أراد أن يزعجك عن كل شيء حتى لا يشغلك عنه شيء.
  6. إذا علمت أن الشيطان لا يغفل عنك فلا تغفل أنت عمن ناصيتك بيده، جعله لك عدوا ليحوشك به إليه، وحرك عليك النفس لتديم إقبالك عليه.
  7. من أثبت لنفسه تواضعا فهو المتكبر حقا، إذ ليس التواضع إلا عن رفعة، فمتى أثبتت لنفسك تواضعا فأنت المتكبر، إذ ليس المتواضع الذي إذا تواضع رأى أنه فوق ما صنع ولكن المتواضع هو الذي إذا تواضع رأى أنه دون ما صنع.
  8. التواضع الحقيقي هو الناشئ عن شهود عظمته، وتجلي صفته.
  9. لا يخرجك عن الوصف إلا شهود الوصف، المؤمن يشغله الشاغل لله عن أن يكون لنفسه شاكرا، وتشغله حقوق الله عن أن يكون لحظوظه ذاكرا.
  10. ليس المحبّ الذي يرجو من محبوبه عوضا، أو يطلب منه غرضا، فإن المحب من يبذل لك، ليس المحب من تبذل له.
  11. لولا ميادين النفوس ما تحقق سير السائرين.
  12. لا مسافة بينك وبينه حتى تطويها رحلتك، ولا قطيعة بينك وبينه حتى تمحوها وصلتك.
  13. جعلك في العالم المتوسط بين ملكه وملكوته ليعلمك جلالة قدرك بين مخلوقاته، وأنك جوهرة تنكوي عليك أصداف مكوناته، وسعك الكون من حيث جثمانيتك، ولم يسعك من حيث ثبوت روحانيتك.
  14. الكائن في الكون، ولم يفتح له ميادين الغيوب مسجون بمحيطاته، ومحصور في هيكل ذاته.
  15. أنت مع الأكوان ما لم تشهد المكون، فإذا شهدته كانت الأكوان معك.
  16. لا يلزم من ثبوت الخصوصية عدم وصف البشرية، إنما مثل الخصوصية كإشراق شمس النهار، ظهرت في الأفق وليست منه.
  17. تارة تشرق شموس أوصافه على ليل وجودك، وتارة يقبض ذلك عنك فيردك إلى حدودك، فالنهار ليس منك إليه، ولكنه وارد عليك.
  18. دل بوجود آثاره على وجود أسمائه، وبوجود أسمائه على ثبوت أوصافه، وبوجود أوصافه على وجود ذاته، إذ محال أن يقوم الوصف بنفسه، فأرباب الجذب يكشف لهم عن كمال ذاته ثم يردهم إلى شهود صفاته، ثم يرجعهم إلى التعلق بأسمائه ثم يردهم إلى شهود آثاره، والسالكون على عكس هذا، فنهاية السالكين بداية المجذوبين، وبداية المجذوبين نهاية السالكين، فإن مراد السالكين شهود الأشياء لله، ومراد المجذوبين شهادة الأشياء بالله، والسالكون عاملون على تحقيق الفناء والمحو، والمجذوبون مسلوك بهم طريق البقاء والصحو، لكن لا بمعنى واحد، فربما التقيا في الطريق هذا في ترقية وهذا في تدلية.
  19. لا يعلم قدر أنوار القلوب والأسرار إلا في غيب الملكوت، كما لا تظهر أنوار السماء إلا في شهادة الملك.
  20. وجد أنّ ثمرات الطاعات عاجلا بشائر العاملين بوجود الجزاء عليه آجلا.
  21. كيف تطلب العوض عن عمل هو متصدق به عليك، أم كيف تطلب الجزاء عن صدق هو مهديه إليك.
  22. قوم تسبق أنوارهم أذكارهم، وقوم تسبق أذكارهم أنوارهم، وقوم تتساوى أذكارهم وأنوارهم، وقوم لآ أذكار ولا أنوار نعوذ بالله من ذلك.
  23. ذاكر ذكر ليستنير قلبه، فكان ذاكرا، وذاكر استنار قلبه فكان ذاكرا، والذي استوت أنواره وأذكاره فبذكره يهتدى وبنوره يقتدى.
  24. ما كان ظاهر ذكر إلا عن باطن شهود وفكر، أشهدك من قبل أن استشهدك فنطقت بألوهيته الظواهر وتحققت بأحديته القلوب والسرائر.
  25. أكرمك ثلاث كرامات، جعلك ذاكرا له، ولولا فضله لم تكن أهلا لجريان ذكره عليك، وجعلك مذكورا به إذ حقق نسبته لديك، وجعلك مذكورا عنده ليتم نعمته عليك.
  26. رب عمر اتسعت آماده وقلت أمداده، ورب عمر قليلة آماده كثيرة إمداده، فمن بورك له في عمره أدرك في يسير من الزمن من منن الله ما لا يدخل تحت دوائر العبارة ولا تلحقه الإشارة.
  27. الخذلان كل الخذلان، أن تتفرغ من الشواغل ثم لا تتوجه إليه، وتقل عوائقك ثم لا ترحل إليه.
  28. الفكرة سير القلوب في ميادين الأغيار، والفكرة سراج القلب، فإذا ذهبت فلا إضاءة له.
  29. الفكرة فكرتان، فكرة تصديق وإيمان وفكرة شهود وعيان، فالأولى لأرباب الاعتبار والثانية لأرباب الشهود والاستبصار.

 

لقد ترك ابن عطاء أثراً عميقاً في الفقه الإسلامي وإلى اليوم لا تزال كتبه وأحكامه العطائية تدرس في أهم الجامعات ويتعلمها الكثير من مريدين الصوفية.




مقالات مرتبطة