إضاعة الوقت قد تجعلك لامعاً في العمل

كنا مؤخرا في المراحل الأخيرة لإتمام عدد جديد من مجلة فوربس عندما ذكر ريتشارد هايفلر، أحد المحررين، أنه قد وجد وصفة جديدة ولذيذة لإعداد صلصة البيستو الخضراء. وما لبثت أن جلست على مكتبي حتى وصلتني رسالة منه على بريدي الإلكتروني الخاص معنونة بـ "صلصة البيستو". ونظرت بطرف عيني لأقرأ النص الذي تلا الرسالة والذي يقول: "لماذا تقرئين هذا الآن؟ عودي إلى عملك".


ضحكت بعدها بصوت عال، وعدت إلى عملي وأنا أفكر بمدى السعادة التي يشعر بها الإنسان عندما يعمل في شركة يحيط به فيها موظفون مبدعون ودمثو الأخلاق.

خطر هذا الموقف ببالي عندما استلمت بيانا صحفيا قبيل رأس السنة الجديدة يتمحور حول كتاب يعنى بكيفية تحسين الإنتاج. وكان العنوان المكتوب بحروف بارزة على المواد الإعلانية كالآتي: "تجنب الموت بتنفيذ ما يرد في لائحة المهام: 15 طريقة للتغلب على ضغط العمل والعمل بذكاء في عام 2012". وقد أثار انتباهي كتاب جديد ألفه جايسون ووماك عنوانه (أفضل ما لديك قد أصبح أفضل: اعمل بذكاء، فكر بطريقة أوسع، واحصل على المزيد – Your best just got better: Work smarter, Think bigger, Make more)، والذي سيصدر في شباط / فبراير. وقد شحذ الكتاب شهيتي بشكل أكبر حيث سرد بعض وسائل إدارة الوقت المألوفة التي تساعدنا على تجنب مصادر الإلهاء والتركيز على العمل. أستعرض لكم بعض الأمثلة على ذلك:

خصص أوقاتا يقاطعك فيها الآخرون: في هذه الأوقات، تفاعل مع زملائك، وتفقد بريدك الإلكتروني. وابق غارقا في عملك فيما تبقى من الوقت.

حدد أكبر مصدرين للإلهاء: قد تكون إما الانغماس في الرسائل الإلكترونية، أو مقاطعة الموظفين والزملاء لك كي يطلبوا بضع دقائق من وقتك.

قلل المصادر التي قد تلهيك: قم بإلغاء اشتراكك مع الرسائل الإلكترونية المتعلقة ببعض النشرات الإخبارية أو المجلات لمدة 3 أشهر. وبعد انقضاء المدة، أعد ما ينقصك من الاشتراكات.

اجعل هاتفك الذكي بعيدا عن سريرك: يقول ووماك: "بهذه الطريقة لن تقوم بتفقد بريدك الإلكتروني حالما تستيقظ من النوم، بل ستستغل صباحك بشكل مثمر".

أعتقد أن هذه نصائح منطقية للأشخاص الذين يشعرون بالإجهاد أو بالتشتيت إلى حد يمنعهم من إنهاء أية مهمة. أما بالنسبة لبقيتنا، فأنا لا أتفق مع الافتراض الأساسي الذي طرحه ووماك، كما لا أتفق مع أي من هذه الخطوات المذكورة أعلاه.

بما أنني كنت أعمل لحسابي الخاص منذ 23 سنة مضت، عشت خلالها في بيئة عمل انفرادية، فأنا أشعر بسعادة غامرة حيال ما يطلق عليه دان بيغمان، محرر قسم الأخبار الاقتصادية في مجلة فوربس، اسم "التجول في المكتب". يبدو أن الثقافة في مجلة فوربس تتمثل في أننا لا نقاطع بعضنا البعض من أجل الدردشة فحسب؛ ولكن عندما يتعلق الموضوع بالعمل نكون جميعا حاضرين لمساندة بعضنا بعضا.

في الواقع، كان لمحادثة مرتجلة (وهي ليست محادثة أجريت خلال الوقت الذي يسميه ووماك: وقت يقاطعك فيه الآخرون) أجريتها مع دان في كانون الأول / ديسمبر الماضي، دور أساسي في صياغة الجملة التي نشرتها على المدونة الخاصة بي، وهي: "يمكنك أن تصبح أغنى بترشيد الإنفاق مثل وارين بافت".

إليكم ما حدث: قلت له مباشرة ودون توقف أنني أنوي كتابة مقال عن القرارات التي يتخذها المرء في بداية السنة وينفذها بالفعل؛ وذلك فيما يتعلق بالأهداف صعبة التحقيق التي نميل إلى التخلي عنها خلال شهر واحد (من مثل هذه الأهداف خسارة الوزن). تمحورت فكرتي آنذاك حول فهرسة الأمور التي يمكن أن تقلل الميزانية دون الشعور بوطأتها، واقترح علي دان حينها أن أقرأ كتاب (بافت: صنع رأسمالي أمريكي – Buffett: The Making of an American Capitalist)، وهو سيرة ذاتية لـ وارن بافت، كتبها روجر لوينشتاين. ومن بين الأمور الرائعة التي يحتويها الكتاب؛ بعض الأمثلة الرائعة على التدبير المتطرف الذي يقوم به بافت، منقادا بالفكرة التي تقول أن المبالغ الصغيرة تتضاعف.

قرأت الكتاب وأنا في زمن كنت فيه مشتتة التفكير تماما – وهو وقت قضاء عطلة عيد الميلاد المجيد مع العائلة في صحارى ولاية كاليفورنيا – واستمتعت بقراءته جدا. وفي غضون ذلك، وكما اتضحت الأمور بالنسبة لي، وضعت قائمة تضم جميع الخطوات التي اتبعتها عائلتي في ترشيد الإنفاق. وعندما عدت إلى المنزل، دمجتها جميعا في مقال نشرته الكترونيا. (توصلت إلى العنوان الرئيسي أثناء رحلة العودة إلى الديار).

وكما يوضح هذا المثال، فإنه ليس بالإمكان جدولة الإلهام والإبداع والابتكار؛ بل إن معظم الوقت الذي قضيته في التفكير فيما سأكتب كان خارج المكتب. وقد اختبر الآخرون تجربة ملهمة أكثر في خضم "الوقت الضائع". فعلى سبيل المثال، كان يجلس آرثر فراي، عالم متقاعد حاليا ومؤسس شركة (مينيسوتا للتعدين والتصنيع – 3M Company)، في جوقة الكنيسة في أواخر السبعينات عندما خطرت بباله فكرة استعمال ورقة لا تسقط من كتاب التراتيل الخاص به في حين يمكن التخلص منها متى فرغ من استخدامها، ومن هذه الفكرة استطاع تطوير الأوراق الصغيرة الملصقة.

ويصف ديفيد أوغيلفي في سيرته الذاتية (أوغيلفي والإعلان – Ogilvy on Advertising)، حلما يقود فيه الخباز عربة تجرها الخيول عبر شارع في المدينة. وبعد استيقاظه من الحلم، كتب أوفيلفي إعلانه التجاري الشهير الخاص بخبز (بيبرج فارم – Pepperidge Farm) متأثرا بهذا السيناريو فقط.

لذا تناسى قرار بداية العام الجديد المتعلق بتجنب مصادر التشتيت؛ فهذه المصادر تعتبر مصدرا جيدا لإنتاجيتك. وقد لاحظ المدراء الأذكياء ذلك أيضا؛ خذ على سبيل المثال مركز (بيوبوليس – The Biopolis) للبحث والتطوير في مجال علوم الطب الحيوي، والذي تم إنشاؤه قبل 9 سنوات في سنغافورة. ومن الأمثلة الأخرى، فيليب يو وعقله المدبر، الذي قام بتوظيف علماء معروفين على مستوى العالم ليأتوا ويصبحوا مستشارين لأولئك العلماء السنغافوريين المدربين في الخارج. ويتحكم هؤلاء "الحيتان"، كما يصفهم يو، بزمام الأمور في مختبراتهم السنغافورية، وذلك من أجل السعي وراء ما يعتقدون أنها أفكار رائعة.

والنصيحة التي يقدمها يو للمدراء هنا هي: لا تفترض أنه وبمجرد عدم وجود ممثلين نجوم على مد بصرك فهذا يعني أنهم لا يعملون؛ فالخروج من بيئة العامة الاعتيادية يوسع أحيانا آفاقهم العقلية. وفي مقابلة أجريتها مع يو قبل عامين من الآن قال فيها: "إن المدراء الذين يطلبون من موظفيهم أن يكونوا عبيدا لهم تماما كفرعون مصر لن يجدوا يوما الأشخاص الموهوبين؛ بل سيجدوا العبيد".

ومنذ ذلك الحين ونحن نتوافق مواضيع تخدم مصالح مشتركة، تتضمن تنمية رأس مال الإنسان، وتعزيز الإبداع، والاستمتاع بطعام مطبخ سنغافورة. وغالبا ما يرسل لي يو، المتعطش للقراءة، بعضا من المقالات ذات فائدة، التي قد يدرجها ووماك تحت عنوان "حاول الحد مما يخطر ببالك"؛ بعبارة أخرى ادحض الأفكار!

وبدلا من الحد من كمية المعلومات المتزاحمة في عقلك، من الأفضل إدراك أنك لا تستطيع قراءتها كاملة، وسيكون هناك بعض المنافع الناتجة عن استيعاب ما نقوم به مهما كان.

ويعتبر هذا النهج مألوفا للأشخاص الفعالين على مواقع التواصل الاجتماعي تويتر فيسبوك ولينكد إن، مع وجود بعض الفروقات في التردد؛ فهم يغوصون في بحر الإعلام الاجتماعي دونما أي شعور بضرورة الحاجة لمواكبة الوضع الحالي. وإذا فاتتهم جملة ما، فلن يلقوا بالا لهذا أبدا.

كما أنني لا أتفق مع ووماك في نصيحته المتعلقة التي تقضي بعدم أخذ هاتفك الذكي معك إلى السرير؛ فأنا غالبا ما أقرأ باستخدام جهاز الآي باد الخاص بي والعزيز علي، فأنا أضعه على الطاولة جنبي عندما أنام. كما أنني أستخدمه في تفقد بريدي الإلكتروني حالما أستيقظ من النوم؛ حيث أقوم فقط بالرد على الرسائل المستعجلة، إلا أنني في بعض الأحيان أفكر في الآخرين بعدما أبدأ استكمال روتيني الصباحي اليومي؛ فقد توصلت إلى الفكرة التي ألهمت وكيل العلاقات العامة الخاصة بـ ووماك والتي أوصلته إلى نشر ما قد نشره.