إشارات الوصول العينية

أنماط حركة العينين غالباً ما تكون أكثر إبهاراً وأسراً للناس حينما يكتشفون عالم  البرمجة العصبية اللُغوية الناس يحركون أعينهم باستمرار، ولكن الجديد في الأمر هو أن هذه الحركة تتبع نموذجاً منتظماً وأنها تتلازم مع ما يمر بالإنسان من أفكار نلاحظ أن الطلاب حينما يُسألون سؤالاً فإنهم غالباً ما ينظرون إلى السقف ولكننا نعتبر ذلك أمراً اعتيادياً.


السؤال الآن هو: كيف اكتشف مؤسسوا البرمجة هذا النموذج ؟

سأل وايت ودسمول  ( مؤسس الإتحاد العالمي للبرمجة اللُغوية العصبية INLPTA) مرة ريتشارد باندلر هذا السؤال. فأجاب قائلاً أنه كان يدرس مع جون جريندر وكانا إذا سألا الفصل سؤالاً وجدا أن الطلاب ينظرون إلى اتجاه واحدٍ قبل الإجابة على السؤال، لذلك فقد بدأ كلاهما في البحث عن النموذج في هذه الحالة وهذا قادهما إلى اكتشاف "إشارات الوصول العينية" لاحظا كذلك أن الناس حين يتكلمون يستخدمون ألفاظاً موحية بالمعاني اكتشف الرجلان أن بعض الناس لا ينطبق عليهم ذلك النموذج ولكنهم كانوا يتبعون نموذجاًَ آخر وهذا النموذج مضطرد ومنتظم. هذا كله يبدو واضحاً. كل من يزاول البرمجة تأكد من صحة هذا النموذج بنفسه آلاف المرات ولكن هل المسألة سهلة ومباشرة كما تبدو؟ فيما يظهر أنها ليست كذلك، ولكى نفهم العقبات الممكن وجودها فإن من الضروري أن ندرس الموضوع باستفاضة.

في كتاب "تركيب السحر" الجزء الأول والثاني المنشور عام 1975 و 1976م  وصف جريندر وباندلر الأنظمة التمثيلية ولحن الخطاب وإشارات الوصول, ولكنهما لم يذكرا إشارات الوصول العينية الذى ذكر للمرة الأولى في كتاب "تحويل الضفادع إلى أمراء" والذي نشر عام 1979م من ذلك يتضح أنهما "اكتشفا" إشارات الوصول العينية فيما بين كتابتهما لكتاب "تركيب السحر" وبين عملهما للحلقة الدراسية التي نقحت لتصبح كتاب "تحويل الضفادع إلى أمراء".

لم يكن جريندر وباندلر هما الوحيدان اللذان يدرسان حركة العينين في ذلك الوقت. اكتشاف الدماغ المنقسم إلى نصفين أدى إلى دراسة للتعرف على وظائف كل نصف بعض هذه البحوث ركز على حركة العينين، وكان من أوائل الدراسات في هذا المجال مقالاً كتبه م. داى (M. Day) يسمى "ظاهرة حركة العينين وعلاقتها بالانتباه، والأفكار، والقلق" نشر عام 1964م وذلك في "مهارات الحركة الإدراكية" استنتج داى أن الأفراد يبدون حركات مميزة للعينين تشكل نموذجاًَ من سن ثلاث سنوات وذلك عند الإجابة على أسئلة متفاوته، أما جيه دوك (J. Duke) كتب في مقال بعنوان "سلوك الحركة الجانبية للعينين" والذي نشر في "مجلة علم النفس" عام 1968م كتب يقول: إن الأفراد يظهرون حركة أعظم للعينين حين الإجابة على أسئلة تحتاج تفكيراً عميقاً على عكس الإجابة على أسئلة عن حقائق ثابتة هذه الدراسات تبعها بحث نشر في مقالين عام 1972م هذان المقالان همــا لكوسل (K. Kocel) تحت عنوان "حركة العينين الجانبية والحالة الإدراكية" في دورية سايكون العلمية (.Psychon Sci) كذلك مقال كينسبورن (M. Kinsbourn) المسمى "حركة العينين والرأس تعني التجانب الدماغي" في دورية العلوم.

أعاد كينسبورن "Kinsbourne" دراسة دوك حينما قدم لأشخاص أسئلة لفظية، حسابية، وأسئلة تتعلق بالفراغ. وجد في حالة الأشخاص الذين يستخدمون اليمين كيد رئيسية أنه كان هناك حركة للعينين باتجاه اليمين دائماً وذلك عند الإجابة على أسئلة لفظية وهناك كذلك حركة للعينين باتجاه اليسار عند الإجابة على أسئلة تتعلق بالحيز أو الفراغ.

والدراسات الموسعة على الأنظمة التمثيلية وإشارات الوصول العينية أجريت في المعهد العصبي النفسي لـ لانجلى بورتر في سان فرانسيسكو (Langley Porter) في أوائل السبعينات قامت بها كاثرين كوسيل، ديفيد جالين، روبرت أورنستين، وأدوارد ل. مرن (Katherine Kocel, DavidGalin, Robert Ornstein, Edward L. Merrin) بعض النتائج نشرت لهذه الدراسات عن طريق جالن وأورنستين عـام 1974م في مقال في نيوروسيكولوجيـا (Newropsychologia) المجلد الثاني عشر، وتحت عنوان "الاختلافات الفردية في الأساليب الإدراكية – حركات العين الانعكاسية" النتائج التي أعلنوا عنها أكدها كل من بوني ب. مسكين وجيرمي ل. سينجر (Bonnie B. Meskin . Jerome L. Singer ) في دراسات مشابهة في جامعة ييل (Yale University ( وكلاهما عالم نفس. هذه الدراسات استنتجت أن اتجاه حركة العينين مرتبط بالتخصص المتعلق بواحد من نصفي الدماغ. فحركة العينين إلى اليسار تنشط العمليات الإدراكية الواقعة في النصف الأيمن من الدماغ وحركة العينين إلى اليمين تنشط العمليات الإدراكية الواقعة في النصف الأيسر من الدماغ.

البحوث في التجانب الدماغي تظهر أن النصف الأيسر من الدماغ يتعامل مع العمليات الإدراكية التسلسلية ويتخصص في المهارات اللُغوية اللفظية بينما يتعامل النصف الأيمن مع العمليات الإداركية المتزامنة ويتخصص في المهارات البصرية المكانية (المتعلقة بالحيز والمكان) حقيقة أن كل عين تقدم معلومات لكلا النصفين. الذي يحدث أن الحقل البصري الأيسر لكل عين يتحد مع الآخر من العين الأخرى في التقاطع البصري ومن ثم يندفع إلى القشرة البصرية اليمنى. كذلك فإن الحقل البصري الأيمن لكل عين يتحد مع الآخر من العين الأخرى في التقاطع البصري كذلك ثم يسير إلى القشرة البصرية اليسرى. هذا يتفق مع حقيقة أن التحكم الحركي يتم بأن يتحكم النصف الأيسر من الدماغ بالجهة اليمنى من الجسم ويتحكم النصف الأيمن من الدماغ بالجهة اليسرى من الجسم.

وحينما نربط بين هذه المعلومات ونموذج البرمجة العصبية اللُغوية فإن الاستنتاج الذي نحصل عليه هو أن المستفيد حينما يدخل على المعلومات البصرية والسمعية المتذكرة وحديث النفس (عالم المعانى) فإنه يُعمل النصف الأيمن من الدماغ والذي تتحرك فيه المعلومات متزامنة ( في نفس الوقت ) ومتوازية وهو الذي يتخصص في الصور، النماذج، والأشياء الكاملة. هذا النصف من الدماغ ليس عقلانياً بل عاطفي انفعالي، حدسي، أدبي ويتفاعل مع المؤثرات البصرية والحسية. حينما يدخل المرء على تركيب بصري وسمعي وحركي فإنه يستخدم النصف الكروي الأيسر من الدماغ والذي يتعامل مع المعلومات بطريقة خطية، متسلسلة، ومتتابعة، كذلك فإنه متخصص فى الكلمات، الأرقام، والأجزاء. وهذا النصف منطقي، عقلاني، وتحليلي، ويستجيب بقوة للمؤثرات اللفظية اللُغوية. الجزء الحسى يبدو لنا أنه يجب أن يكون من النصف الأيمن والسمعي الرقمي من النصف الأيسر. كذلك تشكيل صورة أو صوت يبدو أن مصدرها النصف الأيمن أكثر مما يبدو وتذكر صورة، أو صوت من النصف الأيمن، يجب أن نتذكر أن النصفان الأيمن والأيسر ونموذجهما تنطبق على الرؤية الخارجية وأن نموذج (البرمجة العصبية اللُغوية) يتعامل مع الرؤية الداخلية. ربما أن العملية تنعكس نوعاً ما داخلياً، وربما كذلك أن إغراق نصف الدماغ المقابل بمؤثرات خارجية يؤدي على جعل الدخول إلى نفس النصف الكروي من الدماغ  داخلياً أمراً أسهل. وعلى كل حال فإن من الصعب أن توفق بين نموذج التجانب الدماغي ونموذج (البرمجة العصبية اللُغوية). الجدير بالذكر أن بحوثاً أخرى تجري الآن في هذا المجال بالتأكيد.

وبدمج نموذج الدماغ الأيمن والأيسر ونموذج (البرمجة العصبية اللُغوية) توصل الباحثون إلى أن الذاكرة البصرية والسمعية وكذلك السمعية الرقمية تعتبر غير عقلانية (عاطفية) حدسية أدبية، متزامنة ومتوازية. أما البصرية والسمعية التركيبة والحسية، من جهة أخرى، تعتبر عقلانية، منطقية، تحليلية، خطية، متسلسلة، ومتتابعة.

ومما يجدر الإشارة إليه أنه ليس كل البحوث عن نماذج العين تتفق مع نموذج إشارات العين الذي أعده باندلر وجريندر. هناك شخص من خارج الـ (البرمجة العصبية اللُغوية) قام بالجهد الأكبر لنشر نماذج مسح العين من أمريكا وهو العالم النفــسي والتربوي ستيفـــن ديفور (Steven Devore). ديفور هو مؤسس ورئيس سايبر فيجين (Syber Vision) والذي هو أكبر موزع للأشرطة المرئية لتحسين الأداء الرياضي في العالم. انجز ديفور برنامجه المســمى البرمجة العصبيـــة العضليـــة مع الدكتور كارل بربرام (Karl Pribram) من جامعة ستانفورد. قام الدكتور بريبرام بتطوير نموذج الدماغ الذي يشكله صاحبه. هذا الرجل كذلك اشترك في التأليف مع جالنتر وملر (& Miller  Gallanter) لكتاب "خطط و تراكيب السلوك" والذي قدم نموذج توت (TOTE) والذي بدوره كان الأساس لنموذج استراتيجية البرمجة العصبية اللُغوية.