أوهام ضعف الذاكرة وكيفية الاستفادة من الحواس للتذكر

يقع أغلب الناس تحت تأثير أوهام ضعف الذاكرة بدعاوى وذرائع مختلفة، ولعل أهم هذه الذرائع: خلقت هكذا ويصعب عليّ تقوية ذاكرتي.. لقد كبرت وشاخت الذاكرة.. هذا الضعف سببه مشكلات وضغوط الحياة اليومية.. أنا قوي الذاكرة وما من داع للتقوية.. وغير ذلك. فهل هذا صحيح، ألا توجد طرق عملية لتقوية الذاكرة؟ وهل قوة الذاكرة دليل ذكاء؟ وهل يوجد شخص أذكى من شخص آخر؟



تشكل قناعة الشخص بالوصول إلى ذاكرة قوية أهم دعامات نجاحه في ذلك، لذا يجب عليه بداية التخلص من الإيحاءات السلبية من قبيل: أنا لن أستطيع، ولن أتحسن في تقوية ذاكرتي، ولقد كبرت ولم يعد عمري يسمح بذلك، ظروفي وأحوالي لا تساعد على تطوير وتنمية الذاكرة.. وغير ذلك، وحتى يتسنى لنا الوصول لذاكرة قوية يجب إلغاء هذه القناعات السلبية كلها، والاستعاضة عنها بأخرى إيجابية مثل: أنا قوي الذاكرة، أنا أقدر، أنا أستطيع، لا شيء مستحيل مع التصميم والإرادة، إذا نجح شخص ما في أي مكان من العالم بتحسين ذاكرته فسوف أنجح بذلك لأن الناس متساوون في مهارات الذكاء والقدرة على الإبداع، وليس هناك شخص أذكى من آخر ولكن هناك شخص يسعى لأن يطور نفسه وآخر لا يفعل ذلك. وهذا سر تفوق إنسان دون آخر.

أنواع الذكاء

صحيح أن الناس متساوون في قدرات الذكاء، ولكن ثمة أنواع عديدة للذكاء وهي:

- الذكاء اللغوي: يمتاز صاحب هذا النوع من الذكاء بالقدرة على استخدام العبارات والأفكار، والتعبير عنها بطريقة شيقة ومؤثرة، كذلك الحديث المسترسل من خلال التلاعب بالألفاظ والتورية والفكاهة والبلاغة. كما يرغب الذكي لغويًا بقراءة ما يمر به من معلومات وإعلانات ولوحات شوارع ومحال تجارية. فضلاً عن أنه أكثر ميلاً لدراسة المواد الأدبية والاجتماعية، لأنه يعتبرها أكثر تعبيرًا وتشويقًا من المواد العلمية التي يعتبرها جافة.

- الذكاء المنطقي: هذا النوع من الذكاء يتعلق بالقدرة على فهم العلاقات بين الأرقام والقواعد والجداول، كما يتميز بقدرة كبيرة على حل الألغاز والألعاب المعقدة والتي تتطلب تفكيرًا معقدًا مترابطًا، إلى جانب ذلك يتمتع بقدرة كبيرة على فهم الأمور المجردة دون الحاجة إلى الوصف بالكلمات أو الصور. والذكي منطقيًا هو أكثر ميلاً للعلوم التطبيقية والطبيعية.

- الذكاء المكاني: نستطيع القول إن الذكي مكانيًا هو شخص صوري. بمعنى يستطيع تشخيص العالم والبيئة المحيطة به عبر الصور، بل ويستطيع أن يتعرف على الطرق التي يسلكها عبر الصور المطبوعة بذهنه للأشياء والأماكن، وهذا النوع من الأشخاص يستطيع تخيل الأشياء والأشكال بسهولة. فمثلاً عندما تصف للذكي مكانيًا عنوانًا أو موقعًا ما، فإنه يقوم برسم أو تخيل الرسم الكروكي للموقع، ويحدد كيفية الوصول إليه بأقرب وأيسر الطرق.

- الذكاء الموسيقي: الذكي موسيقيًا هو شخص يملك قدرات كبيرة على سماع الأصوات والألحان والمؤثرات الصوتية، وعادة يرغب الأذكياء موسيقيًا بسماع الأصوات والتفاعل معها أكثر من قراءة الكتب أو استعراض الصور مثلاً، كما يكونون أكثر ميلاً لإصدار الأصوات والصفير والهمهمات أثناء ممارسة أعمالهم.

- الذكاء الوجداني: الأذكياء وجدانيًا هم أشخاص يتصفون بالقدرة على التعامل مع الذات والتواصل مع الآخرين عبرها، كما يكونون أكثر قدرة على فهم معاناة الآخرين، ويميلون للتضامن مع ما يقعون فيه من مصاعب ومحن. وهم شغوفون بالتأمل والتفكير الطويل المعمق، والتعبير الصادق. ويعتبر الشعراء الوجدانيون خير مثال على هذا النوع من الذكاء.

- الذكاء الاجتماعي: الذكي اجتماعيًا قريب من الذكي وجدانيًا، لكن التعامل هنا منصب ليس على الذات (كما في الذكاء الوجداني)، بل على الآخر. فالذكي اجتماعيًا مشغول بالجماعة وهمومها ومستقبلها، وهو يفضل قيادة الجماعة لأنه صاحب خطط، ويستطيع أن يوجهها الوجهة المثلى، كما أنه لا يرغب في الجلوس منفردًا، بل يجد نفسه مع الجماعة وبها، وهو لسان حالها، والناطق الرسمي باسمها. لذا تظهر أهمية الأذكياء اجتماعيًا أوقات الأزمات، وبلورة رأي عام حول مشكلة أو ظاهرة. كالانتخابات والأنشطة الجماهيرية والرياضية.

- الذكاء الحركي: الأذكياء حركيًا يميلون إلى استخدام حركات الجسم والوجه للمساعدة على التعبير، كما يميلون لمعاينة الأشياء باليد وتقليبها عند الشراء، وهم ماهرون باستخدام أطرافهم. ومن أوضح الأمثلة على هذا الذكاء الرياضيون، لأنهم يملكون قدرات كبيرة على التحكم مثلاً بالكرة عبر القدم أو اليد أو الرأس. ومثلهم أيضًا الحرفيون والمهنيون الذين يبرعون في استخدام مهارات اليد في صنع التحف والقوالب والأغذية وغيرها. وهناك أيضًا الفنانون التشكيليون والنحاتون والممثلون وخصوصًا ممثلو الأداء عبر الحركات والإيماءات (التمثيل الصامت).

الاستفادة من الحواس

رأينا كيف أن من الخطأ الاعتقاد أن الذاكرة تشيخ، كما أن من الخطأ أيضًا الاعتقاد بوجود شخص أكثر ذكاء من شخص آخر. ولكن يبقى السؤال الأهم هو: ما السبيل لتقوية ذاكرتنا؟ وكيف يمكن الاستفادة من الحواس في ذلك؟

لا بد عند تقوية الذاكرة من الاعتماد على عدة طرق تتمثل في الاعتماد على النظام الترقيمي. عندما نرغب بحفظ رقم طويل كرقم الهاتف أو بطاقة الفيزا، ويكون ذلك بمقابلة كل رقم بحرف، بحيث يتشكل الرقم في النهاية من مجموعة من الأحرف مكونة كلمة أو عدة كلمات تدل على صور معينة، ما يجعلها أكثر رسوخًا في الذاكرة. ولتوضيح ذلك، فإن هذا الترقيم يصبح كما يلي:

وما عدا ذلك من الأحرف فهو مهمل. أي أحرف (أ، ء، ؤ، ى، د، ذ، ر، ز، ن، ف، ق، ل، ي). بمعنى أنه يتم تجاهله عند تكوين الكلمات. ولك أن تستخدم الأحرف المهملة كيفما شئت، المهم ألا تكون في بداية الكلمات

فلو أردنا حفظ الرقم 13 فإننا نتبع الخطوات التالية:

- نجد أن رقم 3= ع، ورقم 1=و.
- فيصبح لدينا حرفان هما: واو وعين.
- نبحث عن كلمة على شكل صورة وتحتوي على هذين الحرفين.
- نكتب مثلاً كلمة (وعل)، وهو نوع من أنواع الغزلان الجبلية.
- لاحظ ترتيب الواو (1) قبل العين (3).
- أما حرف اللام فهو من الحروف المهملة كما مر معنا.

ولا يختلف الأمر مهما تعددت الأرقام طالما أننا نستخدم نفس القاعدة.

ومن الأشياء التي تساعد على الحفظ أيضًا الترميز. أي عندما تحفظ معلومة يجب أن تعطيها رمزًا ويفضل أن يكون الرمز على شكل صورة، لأنها أبقى في الذاكرة من المعلومة المجردة أو الكلمات. فمثلاً عندما أود أن أحفظ معلومة حول فرنسا، ربما أقوم بربطها من خلال برج «إيفل» بوصفه رمزًا لفرنسا، كذلك تساعد المبالغة في حفظ المعلومة مثلاً أن نتخيل نملة تحمل فيلاً. طبعًا هذا غير ممكن، ولكن طرافة المشهد تساعد على حفظه، وهناك أيضًا الربط بين الأسماء والأشياء. فمثلاً عندما نتعرف على شخص فيقول لك اسمي «حسن الحسين» مثلاً فإنك تستطيع على الفور ربط اسمه مع أولاد سيدنا علي الحسن والحسين- على أبيهما وعليهما رضوان الله- وهكذا بشأن المعلومات جميعًا.

ومن أهم العوامل المساعدة على تقوية الذاكرة الحواس بطبيعة الحال، إذ إنها البوابات التي تعبر منها المعلومات التي يختزنها دماغ الإنسان، وبالتالي فإننا نستطيع من خلال البصر والسمع واللمس والحس والشم والتذوق أن نربط بين المعلومات ونساعد أنفسنا في تذكرها، فعندما أقرأ معلومة عن الليمون مثلاً، فما الذي يخطر في بالي في المقام الأول؟ ربما يقول أحدهم الطعم الحامض. نقول إن مثل هذا الشخص اعتمد في التذكر على حاسة الذوق، بينما يخطر في بال شخص آخر اللون الأصفر لليمون. وهذا يعني أن هذا الشخص اعتمد على حاسة البصر، وهكذا.

تمارين التركيز

الحديث عن تقوية الذاكرة يستدعي الحديث عن وسائل وأدوات التركيز. ومن هذه الوسائل نذكر:
- الأصوات الطبيعية والمؤثرات الصوتية كصوت الأشجار وخرير المياه وصوت العصافير.
- شرب الماء ببطء على شكل رشفات وكأننا نشرب ماء ساخنًا.
- التمارين الذهنية والرياضية كحل الألغاز والمسابقات.
- تمارين التنفس، التي تساعد على الاسترخاء ويكون بسحب أكبر قدر ممكن من الهواء النقي ثم حبسه لأطول فترة ممكنة داخل الرئتين، ثم إخراجه من الفم ببطء.وميزة هذا النوع من التنفس أنه يؤمن كمية الأكسجين اللازمة للدماغ عبر الدم.

وهكذا، نجد أن تقوية الذاكرة ليست بالأمر الصعب، بيد أنها تحتاج إلى المران والممارسة، هذا إلى جانب التخلص من العادات غير الصحية في الأكل والشرب والنوم وطريقة الجلوس. إلى جانب التركيز أثناء الدراسة، أو أثناء التعرض للمعلومات التي نرغب بتذكرها عن طريق أي من الحواس.

  • المعرفة الأرشيفية
  • نحو الذات -العدد 135
  • أوهام ضعف الذاكرة
  • المصدر منتدى المدربون المحترفون