أهمية التثقيف الجنسي لتحقيق الاستقرار النفسي لدى المراهقين

تعد التربية الجنسية من أقدم أنماط التربية على الإطلاق، فقد وجدت بوجود الكائنات الحية وهي ذات صبغة اجتماعية، وتمارس من خلال التربية العامة ،. ويرى علماء النفس أن عملية تنظيم الغريزة الجنسية وضبطها من أبرز السمات التي تميّز الإنسان عن غيره من الكائنات الحية ؛ حيث إنها تساهم في بناء الإنسان واستقراره اجتماعياً ونفسياً وصحياً وثقافياً .



 ويتولد لدى المراهق في الفترة التي يتم فيها انتقاله من مرحلة الطفولة المتأخرة إلى مرحلة الرشد حالات نفسية يكون فيها النشاط الانفعالي عنيفا وشديداً ، بحيث يؤثر على مختلف أنماط سلوكه الأخرى التي يمارسها الفتى المراهق ، " فإذا لم يجد بيئة تتفهم حالته فإنه قد ينطوي على نفسه أو ينحرف لأن الدافع الجنسي يزيد في الغالب من ضيق المراهق وقلقه ." عبد اللطيف فؤاد 1980 . لذلك فقد جعلت شعوب العالم المتقدمة لهذه التربية محوراً محدد المعالم في مناهجها التربوية كضرورة من ضرورات المجتمع الحديث، فما أهمية التربية الجنسية للمراهقين في مجتمع اليوم ؟ وإلى أي حد يمكن مناقشتها بين الكبار والصغار ؟

أهمية الثقافة الجنسية :

     تتبلور أهمية التربية الجنسية للمتعلمين في أنها تلامس الأهداف الاجتماعية ، حيث إنها تمكن الفرد من تكوين أسرة متفهمة سلمية من الشوائب والمفاهيم الخطأ. إضافة إلى أنها تلعب دوراً مهماً في الاستقرار النفسي وبناء الشخصية المتكاملة، كذلك فإن الخلل الذي يصيب نفس الفرد نتيجة لنقص التربية الجنسية يؤثر سلباً على تكوين شخصيته ، مما قد يدفعه إلى ممارسة أعمال شاذة وفاسدة تؤثر في أمن المجتمع واستقراره . 

        ولا أحد ينكر بأن هناك بعض المفاهيم الاجتماعية الفاسدة حول الثقافة الجنسية تستدعي النظر إليها بواقعية ، ومن خلال منهجية علمية ،  لتصحيح ما اعوجّ منها ، ولتطهيرها مما يشوبها من أفكار فاسدة . ورغم أن الحياء مطلوب إلا أنه لا يجوز الخجل من البحث في المفاهيم الجنسية بحثا علميا ً، فهي قضية مصرّح بها في الكتب السماوية ؛ فأنت تقرأ في كتاب الله الكريم ألفاظاً غاية في الصراحة وآيات جنسية بينة مثل: " وانكحوا ما طاب لكم من الناس .. " وغيرها من الرموز التي تحدد معالم الثقافة الجنسية مثل: الزنا ، ممارسة العلاقة الحميمة ، وطر ، المحيض ، … الخ

        ولعل الخطأ الخطر الذي تقع فيه كثير من المجتمعات العربية والإسلامية المتزمتة ، وغيرها من المجتمعات الأخرى المغلقة ، هو أن الطفل لا يستقي المعلومات الجنسية من والديه ، وإنما من رفاقه ، وهكذا تكون هذه المعلومات في كثير من الأحيان مشوهة ومجانبة للصواب ، وبالتالي قد يترتب عليها ممارسات ضارة ومنحرفة . وكم من فتاة أصيبت بالرعب عند مشاهدتها دم الحيض لأول مرة ؛ لأن والدتها لم تتحدث معها بموضوعية حول هذه القضية ، رغم أن الإشارة إليها بارزة في أكثر من موقع في القرآن الكريم.

محاذير التربية الجنسية المتطرفة :

        يرى الباحثون الاجتماعيون وعلماء النفس من أمثال عبد الواحد علواني 2001 أن اجتياح الفضائيات للبيوت لم يترك مجالاً للتستر حول المفاهيم الجنسيّة، وإن محاولات بعض الأسر لحجبها يزيد من رغبة الأطفال فيها على قاعدة كل ممنوع مرغوب فيه. ولعل أكثر الجوانب خطورة في موضوع الثقافة الجنسية هو الأشرطة الإباحية التي قد يشاهدها الكبار للتسلية، والبرامج المبتذلة التي تعدّ لأغراض الكسب المادي. وليس من مخرج من هذا المأزق إلا بأخذ القضية بواقعية، فالخطر يكمن في الكبت الذي قد يتولد عنه ممارسات تتمرد على محاولات القمع ، ويترتب عليها كارثة أو على الأقل جنوح عن جادة العفة.

      لقد تمخضت التربية الجنسية في مناهج الدول الغربية عن ممارسات غير محمودة تبلورت في إباحة ممارسة العلاقة الحميمة حتى بين الأطفال القاصرين ، وهم لا يرون في ذلك غضاضة إلا إذا كانت العملية اغتصاباً. والخلل – كما أرى – لا يكمن في الثقافة الجنسية ، وإنما في عدم وجود ضوابط تحكم التوجه القويم في هذا المسار .

        ومن أوضح مظاهر التنشئة غير السليمة للأطفال ؛ هذه الألفاظ الجنسية البذيئة والنابية التي يتبادلها بعض الأطفال في الحارة ، دون أن تجد من ينبههم إلى خطئها. ولكن ماذا بوسع الأسرة الواعية أن تعمل إزاء هذه الظاهرة ، وهي تدرك خطورة عزل الطفل عن أقرانه في الحارة على تكوين شخصيته ؛ إذ قد ينشأ انطوائياً عاجزاً عن التكيف مع البيئة ، وربما ينشأ عاجزاً عن ممارسة حياة جنسية سليمة في المستقبل. إن الأم المتزمتة التي تبالغ في تحذير ابنتها من خطر الرجال عليها قد تشب ابنتها وهي تكره الرجال ، وتخاف منهم ، وبهذا تكون حياتها الزوجية معرضة للفشل، والأم التي تهمل أناقتها في المنزل ، وتخجل من النوم مع زوجها في غرفة واحدة عندما يكون أبناؤهما يقطنون معهما في شقة واحدة ، هي بالتأكيد أم مريضة وتحتاج إلى رعاية نفسية.

        كذلك ، فإن كبح الغريزة الجنسية لدرجة الرهبانية تطرف لا مسوغ له ، كما أن الإغراق في ممارسة هذه النزعة باتخاذ الخليلات والجواري أمر فيه كثير من الانحطاط . كذلك فإن الزهد في العملية الجنسية الذي نلمسه في المجتمعات المغلقة ، والذي يرى في الجنس شراً لا بد منه من أجل التكاثر ، هو سلوك غير قويم ، ينشأ عن شخصية بائسة غير متزنة ، كما أن الذين ينظرون إلى الجنس هذه النظرة لا يأبهون غالباً بتعديل المفاهيم الفاسدة لدى أبنائهم.

        وفي المقابل فإن هناك من يرى في الجنس وسيلة للمتعة والتسلية ، ويذهب هؤلاء إلى أبعد من ذلك ، فيحثون الشباب على ضرورة ممارسة العلاقات الحميمة قبل الزواج ، ليتزودوا بخبرات جنسية ملائمة ، تؤهلهم للنجاح في حياتهم الزوجية. وهناك من يدعوا إلى الإباحية ، فهو يهاجم مبدأ الزواج من أساسه ، ويدعو إلى التحرر من ضوابطه ، وليس لهذه الفئة إلا شرط واحد ، وهو أن تكون العملية الجنسية برضى الطرفين دون إكراه. وهذه الفاحشة التي ينادي بممارستها هؤلاء قد تمخض عنها العديد من الأمراض الجنسية الفتاكة ، واختلاط الأنساب ، والتفسخ الأسري المدمر .

        لكن العلماء المستنيرين يدعون إلى تنظيم هذه الغريزة وضبطها ؛ لتكون أداة لبناء أسرة متماسكة متحابة مؤسسة على الحب. يرى أحمد علوان 1985 في كتابة تربية الأولاد في الإسلام أنه: " يجوز للمربي أن يصارح ابنه أو ابنته في القضايا التي تتعلق بالجنس، وترتبط بالغريزة، بل أحياناً تكون المصارحة واجبة إذا ترتب عليها حكم شرعي ".

أساليب وقائية :

    وللوقاية من الانحرافات التي يمكن أن تحدث لدى المراهقين، فإن التنشئة الجنسية السليمة والواعية داخل الأسر يمكن أن تجنب الأطفال كثيراً من مضار البرامج غير اللائقة ،  أما إذا ابتليت الأسرة بأم تعشق النوم العميق ، وتنفق معظم وقتها في مشاهدة القنوات الغازية ، أو بأب غير مبالٍ إلا بإشباع غرائزه والجري وراء ملذاته، فإن مصيرها سيكون معرضاً للتصدع أو الدمار.

        إن الغريزة الجنسية من متطلبات استمرار الحياة البشرية ، وهي هبة ربانية مقدسة ، أنعم الله بها على بني الإنسان لإسعادهم إذا هم أحسنوا ضبطها وتصريفها،  وإن النظر إليها كعمل مشين أو اجتنابها  أمر قد  يؤدي إلى خلل خطير في تكوين الفرد النفسي.

        وإن تضمين المناهج الدراسية معلومات جنسية وافرة يمكن أن تساعد على توجيه الغريزة الجنسية ، إضافة إلى تنمية القيم وضبط الممارسات التي لها مساس مباشر بالسلوك الجنسي ، مثل الحياء والعفة والاحتشام وستر العورة وما شابه ذلك. كما يمكن توظيف الأدب العفيف في صقل ذوق الطفل الأدبي ، وتغذية وجدانه بأشعار الغزل العفيف والقصص المربية التي تجيب على أسئلة الأطفال، وتلائم البيئات الشرقية.

    إن التربية الجنسية السليمة القائمة على نظرة واقعية للطبيعة الجنسية،  وعلى تزويد الأطفال بثقافة جنسية سليمة قبل البلوغ ، تمكنهم من تخطي مرحلة المراهقة بسلام ، ولعل السبيل الوحيد لحماية الطفل مما قد يشاهده أو يتعرض له  من مواقف جنسية مبتذلة هو التوعية الأسرية ، فإذا استطاعت الأسرة أن تتفهم هذه المسألة بعمق فإنها تكون بذلك قد هيأت المناخ لأطفالها ليشبوا وقد اكتمل ركن مهم من الأركان المكونة لشخصياتهم ، بحيث تأنف أنفسهم من ممارسة الأعمال المخجلة ، والتي تتنافى مع الفطرة السليمة. لذلك فنحن ندعو إلى أن تتضمن المناهج الدارسية ثقافة جنسية مناسبة للأطفال ، وإلى توظيف عملية التكاثر بين الكائنات الحية بوعي ، وبمنهجية علمية ، وبأساليب مدروسة ، ومناسبة لعمر المتعلم ، بحيث نحصنه من المفاهيم غير السليمة ونضمن له التمتع بوعي جنسي صحي .

        ولا بد أن يتربى الأطفال على أن الجنس حاجة سامية ونظيفة ومقدسة ، وإنها وجدت لأغراض نبيلة ، وهنا فإنهم بالتأكيد سيعرضون عن مشاهدة أي شيء مبتذل ، بل وسيشعرون بالخجل والاشمئزاز عند رؤيته.

        ويقع على مؤسسات الأمم المتحدة مسؤولية أن تمارس دوراً لكبح جماح تلك الفضائيات التي تخدم أغراضاً شيطانية وأفكاراً فاسدة مفسدة.

مبررات الاهتمام بالتربية الجنسية:

    يتمخض عن التربية الجنسية السوية العديد من الفوائد أهمها :

أ- تهذيب وصقل القيم الجنسية التي يتربى عليها المتعلم ، بحيث تلعب دوراً في تنظيم وضبط سلوكه.

ب- تزويد المتعلمين بثقافة جنسية علمية ومسؤولة تجنبهم الشذوذ أو الانحراف الجنسي وتحررهم من مخاوفهم الناجمة عن تنامي الغريزة الجنسية، وتمكينهم من تنظيمها بصورة متوازنة.

ج- التعامل مع المسائل الجنسية بوعي وتوجيه طاقات الشباب إلى ميادين نافعة.

د- اختلاف طبيعة المجتمع المعاصر عما كان عليه في الماضي.

هـ- التصدي للمفاهيم الموروثة والمغلوطة.

و- القنوات الفضائية غير الملتزمة التي تقدم برامج غير مدروسة قد يترتب عليها آثار سلبية تثير الغرائز، وذلك بهدف الربح المادي.

ز- إيجاد المواطن الصالح القادر على حماية مجتمعه والمساهمة في بنائه.

كيف يمكن تجنيب الأطفال القلق النفسي الصادر عن الضغوط الجنسية ؟

    يقتدي الأطفال بالوالدين بممارساتهما ، لذلك ينبغي أن تكون هذه القدوة صالحة في القول والعمل ، والتحلي بالخلق الكريم ، والالتزام بالتصرفات الجادة الموزونة. ولا شك أن تربية الأطفال على الفضيلة ومكارم الأخلاق يمكن أن تلعب دوراً في تجنيبهم القلق والمخاوف الناجمة عن التطور الجنسي، ويمكن ممارسة هذه التربية من خلال:

- توفير جو أسري قائم على الثقة المتبادلة والصدق بحيث يتقبل الطفل نصائح الوالدين ويصغي إليها بانتباه.

- تدريبه على الاستئذان قبل الدخول ، وتنفيره من العادات المذمومة كالتنصت من خلف الأبواب.

- تقبل أسئلة الأطفال والإجابة عليها بالصراحة التي يسمح بها المنطق دون تهرب أو مراوغة.

- عدم ترك الطفل فريسة للفراغ ، وإشغال وقته بهوايات ونشاطات اجتماعية وممارسة رياضات مفيدة وذات صبغة تعاونية.

- مراقبة بيئة الطفل بحذر ، وذلك بدراسة البرامج التي يشاهدها ، والقصص التي يقرؤها ، وتجنيبه رفاق السوق ، وترغيبه بمصاحبة الصالحين.

- الرفق واللين بالمعاملة ، وتحاشي القسوة والزجر والتهديد والكبت أثناء التوجيه.

- تدريبه على الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية.

- الاعتماد على الحوار والإقناع وليس على الزجر والإكراه.

- تبصير المراهق بالأمراض الجنسية التي يمكن أن تترتب على الممارسات المنحرفة.

- تدريب المراهقين على ضبط النفس والالتزام بقواعد السلوك القويم.

   فإذا استطاعت الأسرة أن توفر لأبنائها مناخا يسوده الحب والاحترام ، وأن تزوده بثقافة جنسية نظيفة سامية ، فإنها تكون بذلك قد أهلته لبناء حياة زوجية هادئة ، يسودها الحب والتفاهم المشترك . كما تنهض المناهج الدراسية ، ووعي المعلمين بدور مهم في تبصير المراهقين بالتطورات التي تطرأ على أجسامهم في مراحل نموهم المختلفة .