أهمية الانضباط الذاتي في تحقيق الأهداف

لم يكن الانتظار وسيلةً لتحقيق الأهداف يوماً، ومع ذلك نحن نقوم بإضاعة وقتنا بالانتظار بدلاً من العمل على تحقيق أهدافنا، فلا شيء يمنعنا من البدء بالعمل وإحراز التقدم في حياتنا؛ لكنَّنا نتجنب القيام بما هو لازم، وهذه حقيقة صعبة؛ لأنَّنا لن نحصل على ما نريده إذا لم نعمل للحصول عليه، وإذا لم نطرح الأسئلة الصحيحة فسنحصل دائماً على الإجابات الخاطئة، وإذا لم نطوِّر أنفسنا سنبقى في المكان نفسه.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة "أنجل تشيرنوف" (ANGEL CHERNOFF)، وتُحدِّثنا فيه عن كيفية تحقيق أهدافنا من خلال العمل لا الانتظار.

إنَّ الحياة رحلة تتكون من خطوات صغيرة، والمفتاح هو القيام بهذه الخطوات كلَّ يومٍ حتَّى في الأوقات الصعبة التي تتطلب منَّا أن نكون أكثر قوة، ونحن نعرف هذا بالفعل، ومع ذلك كم مرة نكون عالقين في حلقة من القلق والخوف وأشكال أخرى من الإفراط في التفكير؟ وكم مرة يُصرَف انتباهنا بلا هدف؟ وكم مرة نختبئ من مشكلاتنا أو نماطل؟

لذا بعد العمل باستمرار على عاداتي الذهنية وإدارة الوقت، أصبحت بارعة في إنجاز الأمور بأقل قدر من الإلهاء والمماطلة حتَّى في أثناء العمل عن بُعد؛ فاليوم على سبيل المثال قمت بتدقيق فصل من كتاب جديد نتشارك أنا وزوجي مارك (Marc) في كتابته، وقمت بعملي، ورددت على التعليقات ورسائل البريد الإلكتروني من عشرات المتدربين والقراء، وعملنا على وضع الاستراتيجيات لعدد من المشاريع، وقضيت وقتاً ممتعاً مع عائلتي، وبالطبع أنا الآن أكتب الكلمات التي تقرأها حالياً، قد يبدو هذا عبئاً ثقيلاً من العمل؛ لكنَّني أقوم بهذه المهام بالتدريج خطوة تلو الأخرى بحضور وتركيز كامل.

مع ذلك سأكون أول من يعترف بأنَّنا ما زلنا نواجه صعوبةً مع بعض العادات الضارة التي تعوق قدراتنا؛ لأنَّنا بشر، وتوجد عادة معينة نكافح معها وهي شائعة جداً بين أصدقائنا وعائلتنا ومعارفنا وطلابنا على حدٍّ سواء؛ فهذا شيء نفعله جميعاً ويؤدي إلى إضاعة وقتنا الثمين، وقد تبدو كلمة مضيعة للوقت مبالغ فيها؛ لكنَّها في الحقيقة ليست كذلك؛ فبعد قضاء أكثر من عقد في تدريب مئات الأشخاص والعمل على حل مشكلاتي الشخصية ليس لدي شك في أنَّ هذه هي إحدى أكثر الطرائق شيوعاً التي نضيع فيها حياتنا:

شاهد بالفيديو: 9 التزامات للانضباط الذاتي

نضيع حياتنا بسبب الافتقار إلى الانضباط الذاتي:

الانضباط الذاتي هو مهارة، وهو القدرة على التركيز والتغلب على المشتتات والتصرف وفق ما تعلم أنَّه صحيح وليس وفق شعورك الحالي (التعب، الكسل، عدم الارتياح)، ويتطلب الأمر عادةً التضحية بالمتعة من أجل ما هو أكثر أهمية في الحياة، وغالباً ما يكون الافتقار إلى الانضباط الذاتي بالنسبة إلى معظمنا نتيجة لنقص التركيز.

بعبارة أخرى نقول لأنفسنا إنَّنا سنعمل على شيء ما؛ لكنَّنا لا نفعله بعد ذلك، وعندما يحدث هذا لي أولاً وقبل كل شيء أسامح نفسي على عدم الوفاء بالتزاماتي، ثمَّ أسعى جاهدةً لأكون أكثر وعياً لما يحدث بالفعل، فهل أنا أؤجل لسبب ما؟ وهل أنا مشتتة؟

لذا بدلاً من أن أقول لنفسي إنَّني سيئة أو غير منضبطة أحاول أن أكتشف المشكلة وأحدد الحل، ثمَّ أعالجها؛ فعلى سبيل المثال كنت أشعر بالإحباط البارحة في وقت الغداء؛ لذلك قمت بتدوين قائمة لما كان يسهم في هذا الشعور:

  1. لم أحصل على قسط كافٍ من النوم في الليلة السابقة.
  2. كنت غارقة في مجموعة من الالتزامات العائلية والعملية.
  3. لم أمارس الرياضة ليومين متتاليين.
  4. دخلت في جدال صغير مع مارك.
  5. الشعور بعدم اليقين والألم بسبب الأحداث الجارية.

لذا كانت لدي خمسة عوامل ساهمت في إصابتي بالإحباط، وفي البداية شعرت بالاكتئاب عندما فكرت في كل الأشياء التي كنت بحاجة إلى التركيز عليها من أجل الشعور بتحسن والمضي قدماً، وبالطبع كنت أعلم أنَّني لا أستطيع التركيز على هذه الأشياء كلها دفعة واحدة؛ لذلك بدأت بخطوة واحدة صغيرة؛ فمارست تمرينات التأمل لمدة خمس دقائق، ومن ثمَّ اتَّخذت خطوة أخرى، لقد وضعت قائمة بما يجب أن أفعله ونظمت التزاماتي، ومن بعدها ذهبت في نزهة، وبعدها جلست مع مارك واعتذرت منه.

فجأة من خلال هذه الخطوات الصغيرة بدأت أشعر بتحسن؛ لذلك انتقلت إلى الخطوة الصغيرة التالية والخطوة التي تليها، ومن ثمَّ أخذت قسطاً من الراحة وقضيت بعض الوقت مع ابني وأكلت وجبة صحية وفكرت في الشعور بعدم اليقين والألم بطريقة إيجابية، وذهبت إلى الفراش باكراً.

لقد فعلتُ ذلك كله من خلال القيام بخطوة تلو الأخرى، ومثلما ذكرت استيقظت هذا الصباح وقمت بمهامي كلها؛ لأنَّ تلك الخطوات الصغيرة كلها التي اتخذتها بعد ظهر أمس غيَّرت مزاجي ومساري، ويمكن أن ينطبق هذا الأمر عليك أيضاً.

يمكن لخطوات صغيرة واحدة تلو الأخرى بحضور وتركيز أن تحدث فارقاً كبيراً في العالم:

قد يبدو مفهوم اتخاذ خطوة واحدة في كل مرة واضحاً، لكن عندما تصبح الحياة صعبة فإنَّنا نميل إلى فقدان تركيزنا؛ فنحن جميعاً ننشغل باللحظة ونجد أنفسنا نتوق إلى الإشباع الفوري، وغالباً ما يخدعنا هذا التوق ويدفعنا إلى الاضطلاع بمهام والتزامات كثيرة في وقت قصير.

لقد رأينا أنا ومارك أنَّ هذا يحدث مئات المرات على مر السنين؛ فقد يريد عميل أو متدرب تحقيق هدف كبير أو تغيير في حياته أو عدة أهداف كبيرة أو تغييرات في الحياة دفعة واحدة، لكن لا يمكنك حمل 1000 كغ دفعة واحدة، لكن يمكنك بسهولة رفع كغ واحد ألف مرة؛ إذ تقربك الجهود الصغيرة والمتكررة ممَّا تريد تحقيقه في النهاية، ولا يحدث ذلك في لحظة؛ لكنَّه أفضل من عدم اتخاذ أي إجراء على الإطلاق.

إقرأ أيضاً: ما هي حالة التركيز؟ وكيف تصل إليها لتعزيز إنتاجيتك؟

ماذا تفعل إذا كانت حياتك في حالة فوضى كاملة؟

ماذا تفعل إذا كانت حياتك في حالة فوضى كاملة وبالكاد يكون لديك أي انضباط ذاتي أو روتين ثابت ولا يمكنك التمسك بأي شيء وتماطل باستمرار وتشعر أنَّ حياتك خارجة عن السيطرة تماماً في الوقت الحالي؟ فكيف تبدأ في إنشاء روتين صحي من الانضباط الذاتي عندما يكون لديك كثير من التغييرات التي يتعين عليك إجراؤها؟

عليك أن تقوم بخطوات صغيرة لتحقيق غايتك، وإذا كنت لا تعرف من أين تبدأ، دعني أقترح عليك أن تبدأ ببساطة بغسل أطباقك؛ إذ إنَّها مجرد خطوة صغيرة، لكن تشكل هذه الطقوس روتيناً يوميَّاً، وبمجرد القيام بذلك باستمرار لمدة أسبوعين يمكنك البدء في التأكد من أنَّك أزلت عبئاً عن نفسك، ومن ثمَّ ضع ملابسك في مكانها عند خلعها، وبعدها ابدأ في القيام ببعض التمرينات كل صباح، والخطوة التالية تناول قليلاً من الخضار على العشاء.

إقرأ أيضاً: ما هو الانضباط الذاتي؟ وما هي طرق تنميته والاستفادة منه؟

في الختام:

افعل مهمة واحدة في وقت محدد لها، وستبدأ في إنشاء روتين صحي من الانضباط الذاتي، وأخيراً تكون قادراً على فعل ما يجب القيام به، لكن في الوقت الحالي اغسل أطباقك فقط، ثمَّ انتقل إلى مهام أخرى؛ والنتيجة أنَّك ستقدر على فعل هذه الأشياء كلها بسهولة؛ لأنَّها أصبحت عادة تمارسها كل يوم.




مقالات مرتبطة