أملك 6 عمارات فمن مثلي؟!

في أحد المجالس العائلية دار حوار بين الأبناء والآباء عن أشقاء الأب والأم، وما يملكون من مال وغنى، إلا أنهم البيت الوحيد في العائلة الذين لا يملكون مثل ذلك، فهم يعيشون حياة الكفاف.



كانت الأم جالسة تسمع الحوار واستوعبت في ذهنها ما يدور على ألسنة أبنائها من رؤية مظاهر الغنى عند أبناء أخوالهم وأعمامهم، وهم لاينعمون به، فقالت وبصوت مرتفع «لكني أملك ست عمارات فمن مثلي»، فالتفت إليها الحضور باستغراب وقالوا: «نحن نعرف رصيدك بالبنك، ونعرف دخلك وممتلكاتك، فمن أين لك بالعمارات الست التي تتحدثين عنها؟»، وقد شارك بالسؤال أبوهم كذلك، والكل ينتظر الإجابة من الأم، فرفعت الأم يدها مشيرة إلى أبنائها الستة، وقالت: «أنتم ثروتي، وأنتم العقارات الستة التي أمتلكها»، ثم سألت أبناءها: «أيهما أفضل أن يستغنى الإنسان مالياً، أم أن يكون غنياً تربوياً؟!، فسكت الجميع وقد صدموا بإجابة أمهم وهي تؤكد على معنى الغنى بالقيم، والفخر بالتربية والجمال بتماسك الأسرة، والسعادة في وجود أبناء صالحين والثروة في زرع المحبة والتعاون بين أفراد الأسرة، وكأنها تلفتهم إلى الجوهر، وتقول لهم لا تلتفتوا إلى المظهر، وهذا الموقف يؤكده الشاعر عبد العزيز الأبرش بقوله:

أدب المــرء كلحـــــم ودم مــا حـــواه رجـــــل إلا صـــلـح

لو وزنتم رجــلاً ذا أدب بألوف من ذوي الجهل رجح

نعم التربية قيمة مضافة للإنسان يزداد وزنه وقيمته عندما يكتسبها، بل ويكون أغلى من العقارات والدولارات، ولهذا ازداد سعر الحيوانات بعضها على بعض بسبب قبولها للتأديب، فالفرس شرّف على الحمار لقبوله للأدب، بل حتى الببغاء الذي يتعلم ويتكلم ولديه الاستعداد للترويض قيمته أغلى من الببغاء الذي يغرّد فقط، فإذا كان ذلك على مستوى الحيوان فكيف به على مستوى الإنسان، بل إن المتربي ليستفيد من تربيته في الآخرة بالإضافة إلى الدنيا، كما قال تعالى: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم، فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون، واما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون}، وما الفرق بين سواد الوجه وبياضه إلا أن بيض الوجوه صرفوا من الأوقات على تربية أنفسهم وتزكيتها ومجاهدتها، فاستحقوا رحمة الله تعالى.

نعم نؤكدها مرة أخرى «ولكني أملك ست عمارات فمن مثلي».

بقلم: د. جاسم المطوع

 

 

موقع الأسرة السعيدة