أمل الأمة !

 

الشباب هم أمل الأمة.. حاضرها ومستقبلها.. هم أغلى ثروتها.. وقد كان رسول الله يرعي الشباب رعاية خاصة يقربهم إليه ويجالسهم ويستمع إلى آرائهم ليشعرهم بذواتهم ويربي فيهم الشخصية الاستقلالية. ويعتبر التزام الشباب بالإسلام ونشوئهم على طاعة الله من أجل الأعمال وأرقاها فكان يوصي بهم خيرا لأنهم أرق أفئدة وألين قلوبا وأنه? قال في بدء بعثته: "آمن بي الشباب وكفر بي الشيوخ".



 

ونرى الفاروق عمر بن الخطاب يجعل من الشباب محلا للثقة وأهلا للشورى فكان يقدم عبد الله بن عباس رضي الله عليهما وهو حديث السن في مجالس كبار الصحابة ويستمع إليه ويميل إلى رأيه.
ولذا فمن أحب الأشياء إلى قلبي أن أتواصل مع الشباب وأجيب بكل حب وتفهم عن ما يدور في عقولهم من تساؤلات وما يجتاح قلوبهم الغضة من هموم وأعتبر أن ذلك من أكبر النعم التي من الله على بها، ومن أكثر الموضوعات أهمية العلاقة بين الجنسين، الاختلاط، الحب والشباب وبداية السؤال عن الحب كان أكثر الأسئلة إلحاحا.


فالحب من أعظم نعم الله سبحانه وتعالي على البشر وهو من أسمى المشاعر ولكن نقصد بذلك الحب الطاهر العفيف ولهذا كان الله الخالق العظيم العليم بعباده قد جعل لهذه المشاعر إطاراً يحفظها وهو الحب النقي الذي يكون سبباً في السعادة في الدنيا والآخرة لا سببا للمعاناة والتشتت والإحباط والوقوع في الحرام، فالإسلام أحرص ما يكون على القلوب الخضراء أن تتكسر أو يصيبها الذبول والبوار وأرفق بالنفس أن تغرق في بحار الحيرة.

 

وقد جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنه "لم ير للمتحابين مثل النكاح" أي مثل الزواج وذلك لأن جماعه جاءوا شكوا للنبي عليه الصلاة والسلام وقالوا: عندنا ابنة تقدم لها اثنان رجل معسراً ولكنه شاب ورجل موسر ولكنه شيخ وابنتنا تهوى الشاب وإن كان معسر، فالنبي قال لهم: "لم ير للمتحابين مثل النكاح" أي لا علاج للمتحابين إلا أن يقترنا بهذا العقد الشرعي الزواج "لم ير للمتحابين مثل النكاح" مثل الزواج ومثل هذا الرباط المقدس.

 

ولكن حين لا ينتهي هذا الحب بالزواج ستسبب هذه التجربة الكثير من المعاناة والتعاسة ولو أن صاحبة هذه التجربة تزوجت من آخر ستظل تتذكر وتقارن مما يفسد عليها حياتها ولذلك جعل الإسلام العلاقة الزوجية هي السياج الذي يحمي ويصون مشاعر الحب الرقية ولنا في حب رسول الله لزوجاته أروع قدوه ونظرة الإسلام للحب هي نظرة شاملة.

 

فالمؤمن يملئ قلبه الحب فيفيض علي كل الكون من حوله. فالمؤمن يرى جمال الله في كل ما خلق، فيحب الجمال ويحب الكمال ويحب الإحسان لأن الإنسان مغمور بإحسان الله من قرنه إلى قدميه (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) فأول ما يجب أن يحبه الإنسان هو حب الله تعالى. ولذلك لما ذكر القرآن الحب، ذكر حب الله قبل كل شيء من مثل قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) وقوله تعالى (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) والأحاديث كثيرة فالنبي حينما جاءه رجل وقال: يا رسول الله متى الساعة؟ فقال: وماذا أعددت لها؟ قال: والله ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام غير إني أحب الله ورسوله، فقال "أبشر، أنت مع من أحببت" قال أنس: فما فرح الصحابة بشيء فرحهم بهذا الحديث لأنهم يحبون رسول الله? فهم يكونون معه إن شاء الله فحب الله وحب رسول الله بصفته أنه هو الذي جاءنا بالهداية وهو الذي أخرجنا من الظلمات إلي النور وهو الذي هدانا إلى الصراط المستقيم، نحب رسول الله كما قال: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ).

أما حب الطبيعة فالمسلم يحب الطبيعة لأنها خلق الله وهي مصدر الخير للإنسان ومصدر النعم للإنسان وقد مهدها الله سبحانه وتعالى للإنسان وجعل الأرض فراشا والسماء بناء وجعل الأرض ذلولا، لذا فهناك مودة بين المسلم والطبيعة، حتى أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما جاء من إحدى الغزوات وظهر جبل أحد قال لهم: "هذا أحد جبل يحبنا ونحبه" انظر إلى هذه العبارة الرقيقة مع أنه قد وقعت بجواره معركة وخسر فيها المسلمون.

 

والمسلم يحب الحياة ولا يعتبر الحياة مثلما اعتبرها "ماني" الفيلسوف الفارسي حيث يرى القديم شرا، والعالم شرا، ويجب التخلص من هذا الشر بالتعجيل بفناء العالم بعدم الزواج وعدم الاستمتاع بالحياة لينتهي الناس من شر الحياة،.. لا فالمسلم يرى العالم خيراً ويرى أن كل يوم يعيشه لن يزيد المؤمن من عمره إلا خيراً، ولذلك نهانا النبي أن نسأل الله الموت: قال: لا يتمنى أحدكم الموت لضر نزل به ولكن يقول: "اللهم أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي".


والحب أنواع ومراتب، وأعظم أنواع الحب هو الحب في الله. بمعنى أن يحب الإنسان غيره لا لمنفعة ولا لشهوة ولا لقرابة ولا لخدمة أداها له ولكن يحبه لله، ولذلك جاء في صحيح مسلم: أن رجلا أراد أن يزور رجلا فأرسل الله له على مدرجته ملكا في الطريق في صورة رجل وسأله: أين تذهب؟
قال: أريد أن أزور أخي فلانا، قال ألقرابة بينك وبينه؟ قال: لا، قال أفبنعمة له عندك؟ أي قدم لك خدمة فأنت ذاهب لتكافئه، أي خدمة بخدمة وإحسان بإحسان؟ قال: لا، قال فما الذي؟ قال: أحبه لله، قال أبشر فإن الذي تحبه من أجله بعثني لأبشرك بأنه يحبك لحبك إياه. هذا التحاب في الله والذي جاء فيه الحديث "رجلان تحابا في الله عز وجل اجتمعا عليه وتفرقا عليه" اجتمعا على الحب في الله وتفرقا على الحب في الله، وهؤلاء يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

 

وفي الحديث القدسي: "وجبت محبتي للمتحابين من أجلي ووجبت محبتي للمتبادلين من أجلي ووجبت محبتي للمتزاورين من أجلي" فهؤلاء الذين يتحابون من أجل الله هم الذين جاء في ذكرهم القرآن الكريم (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) وقد جاء عن النبي? كما روى أبو مالك الأشعري أنه قال: "إن من عباد الله من ليسوا بأنبياء ولا بشهداء يغبطهم النبيون والشهداء لمكانتهم من الله عز وجل" فقام رجل أعرابي من قاصية القوم _ من بعيد _ وألوى بيده وقال: "يا رسول الله صفهم لنا _ جلهم لنا فمن هؤلاء الناس الذين ليسوا بأنبياء ولا شهداء ويغبطهم ويتمنى الأنبياء والشهداء أن يكونوا في مكانهم؟ قال: "هم قوم تحابوا بروح الله عز وجل على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها فوالله إن وجوههم لعلى نور وإنهم لعلى منابر من نور يخاف الناس يوم القيامة وهم لا يخافون ويفزع الناس وهم لا يفزعون وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون..

 

الأستاذ/ عمرو خالد بمجلة اليقظة بتاريخ 11/2/2004