أفراح الروح: البعد الغائب

الإيمان فكرة يقينية بوجود مدبر وراء هذه المحسوسات تدفع إلى شعور بخيرية الوجود ( الحياة ) في ظل الإله الواحد المهيمن ينتج هذا الشعور  سلوكا نفسيا بدنيا متوازنا مع مقتضيات الواقع المعاش وتطلعا إلى رحابة المستقبل المأمول مع انفصال جزئي عن إخفاقات الماضي المقيدة.

إذا هو الحرية في أبهى وأرقى صورها المدركة المتضمنة للاستفادة والحماس والاستشراف فالمؤمن مستفيد من ماضيه متحمس لحاضره متشوق ومتطلع لمستقبله في ظل ورعاية الشعور الدائم بمعية الخالق المدبر المتصرف وهو الله سبحان وتعالى.



إذا الإيـمـان ضاع فلا أمان ... ولا دنيا لمن لم يحي دينا
ومن طلب الحياة بغير دين ... فقد جعل الفناء لها قرينا

( محمد إقبال )

إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ..؟
( ابن تيمية )

كما يصبح الإنسان نظيفا إذا مارس الوضوء حتى لو لم يكن مسلما كذلك يناله الخير إذا مارس سلوكيات العبادة كالتفكر والخشوع والتأمل لأنها توظف مراكز أشبه ماتكون بمراكز الإيمان داخل المخ تعمل على الارتخاء والتخلص من المشاعر السلبية مثل
الخوف والقلق والاكتئاب وينتقل الإنسان من حالة التوتر إلى حالة الراحة والسكينة .. !؟

الاستغراق في العبادة يفتح آفاقا من الشعور بالتسامي ويقدم عونا على التخلص من آلام ومعاناة النفس والشفاء من الاضطرابات كالقلق والتوتر والكآبة وتأثيراتها البدنية..! وتكرار ممارسة العبادة بانتظام يجدد القدرة على التغيير الإيجابي إلى وضع تسترخي فيه النفس وعلى جنباته تستريح .. وفي تلك الحالة يفقد الاهتمام بالعالم الخارجي بل ربما عند درجة ما تزداد قدرته على احتمال الألم العضوي . .
وقصة عروة بن الزبير مشهورة عندما أصيبت قدمه بمرض يستلزم بترها طلب أن لايتم قطعها إلا أثناء الصلاة تجنبا للألم . . !

إن هذه القصة تدل على أن الاستغراق العميق في العبادة يدفع إلى حالة روحية لا يدركها إلا من عاشها وتلبس بها..
حتى قال أحدهم : إن كان أهل الجنة في مثل ما نحن فيه فهم في عيش طيب ..! مخبرا عن حالة من التحليق الروحي والتسامي الإيماني تشعر الممارس خلال أداء الأذكار والصلوات بعدم الاهتمام بالعالم الفيزيائي المحيط وأنه في مكانة عليا تأسر الفؤاد وتملك الوجدان يتضاءل معها كل شيء ويفقد أهميته ... !!

يقول د/ لورنس ميكيني عميد مؤسسة علاج الاضطرابات الذهنية :

( إن ممارسة التأمل العميق باعتباره صورة من الخشوع قد يساعد في حد ذاته على التغلب على الشعور بالألم النفسي والإحباط ويعيد توازن توزيع النشاط في مراكز المخ ويفرغ شحنات الشعور بالتعاسة وفقدان الأمل ...)

وقد نشرت دراسات علمية بينت كيف أن الإيمان بالله فطرة مغروسة في النفس البشرية وتوظيف آليات هذه الفطرة طريق إلى الصحة والسعادة .

وهناك أبحاث علمية أجريت على المخ بتقنية جديدة للأشعة السينية قام بها فريق علمي يرأسه د / اندرو نيوبيرج أستاذ علم الأشعة بجامعة بن سلفانيا .. هي : ( أن الإيمان بالله تصميم داخل المخ ) ولايمكن لأحد التخلص منه إلا تعاميا عن الفطرة السوية . . .؟

أما الذي يشفي صدور قوم مؤمنين هو سبق الإسلام في الحث على ذكر الله وإقامة الصلاة ودور الإيمان والخشوع في راحة النفس

( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب . الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب )

( قد أفلح المؤمنون . الذين هم في صلاتهم خاشعون )

وفي الأثر قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أرحنا بها يابلال ..)أي بالصلاة .

فهذا الفراغ الوجداني لايسده الركون إلى ثروة مادية ولا إلى قوة منصب أومكانة اجتماعية أو قدرة فكرية وبلاغية ...؟ فالثروة المادية تنهار عند أول هزة اقتصادية عامة والمنصب والمكانة الاجتماعية قد تتبخر عند أول ترتيب إداري أو نكسة سياسية والقدرات الفكرية لامعنى لها عند اختلال ميزان خلايا النطق أو الذاكرة أو خلايا الأعصاب!؟

إذا هذا الإنسان المحاط بهذه الآمال والآلام هو بحاجة إلى تلقي القوة من مصدر أقوى من كل هذه العوامل البائسة أمام أضدادها فليس له إن كان عاقلا مدركا إلا الاعتماد على القوة التي لاتتزعزع ولاتهون إنها قوة الإيمان بأن الأمر كله لله وحده فهو المستحق للعبادة ...

وقد أحسنت الشاعرة الإسلامية المصرية روحية القليني حينما قالت:

يـارب أنــت على الحيـاة معـيـني ... ومن الأذى ومن الشرور تقينـي
يارب أنت معي فلا أخشى الردى ... ترعـى إلـه الكــون كل شــؤونـي
وتحيل شوك العيــش زهرا يانـعـا ... فأرى الـحـيـاة بديـعـة التكويـنـي
لا أبـتـغـي إلا رضـاك بـعـالـمـــي ... هو غايـتـي وسـواه لا يـعـنـيـني

سعد بن عبدالله الحارثي .