أسعدي زوجك

 

السعادة هدف يسعى إليه الناس أجمعون، ومَنْ مِنَّا لا يُحب أن يكون سعيداً؟! لا أحد فأكثرية الناس لو سألتهم عن أسباب تحصيل السعادة فسيذكرون لك الأمور التقليدية المعروفة من مال وأولاد، والأقلية منهم سيذكرون لك أن سعادتهم تكمن في إِسْعَاد غيرهم، وأرى أنَّ قابلية السعادة لدى هذه الأقلية أوفر حَظاً من غيرهم! لِمَ؟ لأنَّ السعادة عندهم مرتبطة ببذل يستطيعون تقديمه من تلقاء أنفسهم، فهم يملكون القرار، والجهد الذي يحيل الرغبة إلى الواقع..عكس الآخرين الذين تسيطر عليهم الرغبة، و في كثير من الأحيان لا يستطيعون تحقيقها، لأنَّ مفرداتها ليست كلها أو معظمها في أيديهم.. فما رأيك لو حاولنا أَنْ نكون سعداء بإسعادنا غيرنا؟ وقد يسأل سائل: من تقصد بغيرنا؟ أقصد بغيرنا في هذا المقال شريك حياتنا! ما رأى كل امرأة في أَنْ تَسْعى إلى إِسْعَاد زوجها؟ وبدأت بالمرأة لكون هذه المجلة مجلة نسائية، وسأثني بعد ذلك بالسؤال للرجل عدلاً وإنصافاً، فالذي أراه أنَّها مسؤولية مشتركة. ولا تقع على عاتق واحد منهما دون الأخر.



 

ولأنَّ الاهتمام بهذه القضية قديم، فدعونا نسمع وَصْفَتَه مِنْ أَهْلِه، وأَهْلِه أُمَامةُ بنت الحارث امرأة عوف بن ملحم الشيباني التي أَوْصَتْ بنتها في ليلة زفافها بهذه الوصية التي قالت لها فيها:

 

أي بنية إن الوصية تذكرة للغافل، ومعونة للعاقل، ولو أَنَّ امرأةً استغنت عن الزوج لغنى والديها وشدة حاجتهما إليها كُنْتِ أَغْنَى النَّاس عنه، لكنَّ النساء للرجال خُلقن، ولهنَّ خُلق الرجال. أي بنية إِنَّك فارقت بيتك الذي منه خرجت، وعشك الذي فيه درجت إلى أليف لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فكوني له أرضاً يَكُنْ لكِ سماء، وكوني له مِهَاداً يَكُنْ لك عماداً، وكوني له أمةً يَكُنْ لك عبداً، واحفظي له خصالاً عشراً يَكُنْ لكِ ذُخْرَاً:

 

فأمَّا الأولى والثانية فالخشوع له بالقناعة وحُسن السمع له والطاعة،

وأمَّا الثالثة فالتفقد لموضع عينه وأنفه. فلا تقع عينه مِنْكِ على قبيح، ولا يَشُمُّ مِنْكِ إلا أَطْيَب ريح، وأمَّا الرابعة فالتفقد لوقت مَنامِه وطَعَامِه، فإنَّ تَوَاتُرَ الجوعِ مَلْهَبَةٌ، وتنغيص النوم مَغْضَبَةٌ،
أمَّا الخامسة فالاحتراس بماله والإرْعَاء على حشمه وعياله، ومَلال الأمر في المال: حُسْنُ التقدير، وفي العيال: حُسْن التدبير،

أمَّا السادسة فلا تُعْصِينَ له أَمْرَاً، ولا تُفْشِينَ له سِرّاً، فإنَّك إِنْ خَالَفْتِ أَمْرَه أَوْغَرْتِ صَدْرَه، وإِنْ أَفْشَيْتِ سِرّه لَمْ تَأْمني عُذْرَه.

أمَّا السابعة فإيَّاك والفرح بين يديه إِنْ كان ترحاً (حزيناً) أو الترح بين يديه، إن كان فَرِحاً، فإنَّ الأُولَى مِنَ التَّقْصِير، والأُخْرَى مِنَ التَّكْدِير،

أمَّا الثامنة فلا تلحقي به فَيُقْلال ولا تُبَاعدي عنه فينسال " إن دنا منك فاقتربي منه، وإن نأى عنك فابعدي عنه".

أمَّا التاسعة فكوني أشدَّ ما تكونين له طاعة يَكُنْ أشدَّ ما يكون لكِ إِكْرَاماً، وأشدَّ ما تكونين له مُوَافَقَةً يَكُنْ أطول ما يكون لك مُرَافَقَةً،

أمَّا العاشرة فاعْلَمِي أنَّك لا تَصِلين إلى ما تُحِبِّين حتى تُؤْثِري رضاه على رضاك، وهواه على هواك فيما أحببت أو كرهت، والله خير لك.


انتهت الوصية التي أَرَى أنَّها لا تحتاج إلى تعليق قدر ما تحتاج إلى طُولِ تأمّل، لما فيها مِنَ الحكم، والحكمة دائماً ضَالَّةُ المؤمن، أنَّى وجدها فهو أَحَقُّ الناس بها، وإذا كانت هذه الوصية قد أَجْمَلت عدة أصول، لاشك أنَّها تُسعد الرجل، إلا أنَّنِي أود أَنْ أُلْفِتَ الانتباه إلى عدة أمور أخرى قد تَغْفُل عنها الزوجة، ولها أَعْظم الأثر في إِسْعَاد زوجها...


أول هذه الأمور: قضية الجدال.. قد تختلف امرأة مع زوجها في وجهة النظر, وهذا طبيعي وَصِحِّي ولا غضاضة فيه، ولا تُعَاب المرأة عليه، لكنَّها تُعاب إذا حوّلت هذه القضية محل الخلاف إلى جِدَال لا ينتهي وعِنَاد ليس له حل، خصوصاً في القضايا المشتركة بينهما، والتي لابد لها في النهاية من رأي واحد ينفذ فيها، فلنفرض مثلاَ أنَّ رجلاً وزوجته اختلفا في إدخال أولادهما مدرسة معينة..

الرجل يرى كذا، والمرأة ترى غير ما يراه، وبدأ النقاش، واستمر, وانتهى، وكل طرف مازال مقتنعاً بوجهة نظره، وفي النهاية لابد للأولاد من دخول مدرسة واحدة معينة فما الحل؟ هل الحل أن تستمر المرأة في جدال زوجها ليلاً ونهاراً في هذه القضية حتى تُرْغِمَه على ما تُرِيد، وإذا لم يفعل فلا بأس من الخناق المستمر بينهما؟! لا ليس هذا حلاً، إنما الحل – ببساطة – أن توافق الزوجة على رأي زوجها طالما أنَّها قد عرضت وجهة نظرها بوضوح، وهو قد استمع إليها مرة واثنتين.


إنَّ هذا المنطق في التعامل مع الأحداث والقضايا التي قد يُخْتَلَف فيها، منطق مريح، ومِنْ شَأْنه ألاَّ يستثير الرجل بصفة مستمرة، وهذه الموافقة من امرأة على رأي زوجها ليست خُضُوعَاً بل هي حصافة، وإعطاء كل ذي حق حقه، وعدم منازعة الأمر أهله، قد تكون المرأة بالمناسبة هي الأرجح عقلاً، والأبعد نظراً، والأصوب رأياً، وقد تُثْبِت الأيام كل هذه الميزات، وأفضلية رأيها على رأى زوجها, ومع ذلك كل هذا ليس مبرراً لإلغاء قرار رجل البيت، وليس معناه إرهاقه بالجدال المستمر، وللحديث بقية في الأسبوع المقبل إن شاء الله.

 

عمرو خالد يكتب لمجلة المرأة اليوم بتاريخ 5 نوفمبر 2005