أربي أبنائي بالهاتف

قٌدم شاب لينفذ فيه حكم الإعدام، فقيل له ماذا تتمنى قبل أن تموت، فقال: أريد أن أودّع أمي، فأوقفوه حتى أحضروا والدته، فرآها، وبكي ثم قال لها: يأمي أريد أن أقبلك وأودعك، فاحتضنها ثم قبّل خدها، فأخذوه لينفذوا فيه الحكم، فقال: أريد أن أقبل لسان والدتي ليكون آخر عهدي بها فسمحوا له، فلما وضع فمه على لسانها أطبق أسنانه على لسانها فقطع لسانها، فقيل له: لم فعلت ذلك؟ فقال: إن هذا اللسان هو السبب في وقوفي هذا الموقف، لينفّذ فيّ حكم الإعدام، فقد كنت منذ الصغر أتصرف أمامها تصرفات خاطئة ولم توجهني أو تحسن تربيتي حتى تعلمت ارتكاب الجرائم، وصدر عليّ حكم الإعدام فأحببت أن أعاقبها قبل موتي، وأردت أن يعتبر الأمهات فلا تشغلهن عاطفتهن عن حسن تربية أبنائهن وتقويمهّن.



أردت أن أستفتح المقال بهذه القصة المعبرة، ولكن قليلاً من الناس من يعتبر من الأحداث، كما قال أحد الصالحين: {ما أكثر لعبر، وما أقل الاعتبار} ، فالتربية مهمة عظيمة ورسالة شريفة، ولعل الأجيال السابقة كانت تربيتها أسهل لقلة المؤثرات الخارجية على الأسرة ووجود التربية الجماعية فالوالدان يمارسان التربية، والجار يمارس التربية والمجتمع يمارس التربية، أما في زماننا هذا وهو زمن الفردية والحرية، فإن التربية أصبحت صعبة، وكل ملقاة على الوالدين، وهما تخليا عن تربية أبنائهما...

أكتب هذا المقال ونحن على مشارف القرن الواحد والعشرين، وهو زمن "العولمة" وثورة الاتصالات، فالعولمة لها إيجابياتها وحسناتها، كجعل الكرة الأرضية قرية كونية واحدة، ولكن سلبياتها على الأسرة أشد وأعظم، أجمل مافي الدنيا أن يكون لكل مجتمع وأسرة عاداتها وتقاليدها وقيمها ليتعارف الناس وتحلو الحياة، أما في عصر العولمة فإنه يسعى للتشبه في كل شئ ليكون الناس كلهم وكلاء ومسوقين، ولعل الأسرة مستقبلاً تصبح كمطاعم الوجبات السريعة، إذا ذهبت إلى أي دولة تراها تقدم الطعام نفسه والديكور نفسه وأصبحت القرى والمدن كأنها ألعاب تركيبية لا طعم فيها ولا لون ولا رائحة ..

وأخاف أن يأتي زمن ونحن في هذه العولمة فتصبح الأسرة هكذا، فأي دولة ومجتمع تزوره تجد مشاكل الأسرة واحدة وشكل الأسرة واحداً وديكورها محدداً كمطاعم الوجبات السريعة.. إن أخشى ما أخشاه على الوالدين أن يتعلما مع أبنائهما في منهج ثورة الاتصالات فتكون تربيتهم سريعة، وتقويم أبنائهم بالفاكس، وتوجيههم بالهاتف النقال، ومساعدتهم على الدراسة من خلال التفويض التربوي، يقول لي أحد الآباء "والله يا بومحمد أنا مشغول وليس عندي وقت، وإني أدرس أبنائي عن طريق الهاتف كل يوم".

فأقول ختاماً، إن التربية رسالة مهمة وعظيمة، ولهذا قطع الشاب لسان أمه قبل إعدامه ليوجه جميع الآباء والأمهات إلى أهمية التوجيه والتقويم، وأن نتائج الأبناء من كسب الآباء.

فكيف نتعامل مع التكنولوجيا تربوياً؟ وكيف نستثمر ثورة الاتصالات في تربية الأجيال؟ وكيف ندخل في العولمة ولا تذوب هويتنا؟ وكيف نْربي أبنائنا تربية صالحة؟ كل ذلك تحديات للأسرة في القرن القادم، ولكن أملنا في الله كبير...

بقلم: د. جاسم المطوع

 

 

موقع الأسرة السعيدة