أدباء عصر النهضة الغربية وأشهر أعمالهم

لم يكن الغرب على هذا القدر من التقدُّم الأدبي في الأزمان السالفة، ففي فترة العصور الوسطى تحديداً كان الأدب الغربي في قاع مسيرته؛ إذ تسيطر الكنيسة بأفكارها على عقول الناس، وتقصُّ الباباوية قوادم إبداعهم كلما نبتت، وفي مطلع القرن الرابع عشر، بدأ بركان عصر النهضة الغربية يثور وينفجر عن ملاحم أدبية وفنية ليس لها مثيل، أعادت إلى فلسفة الكائن الإنساني دورها المحوري في الفن والأدب _ تماماً كما كان الحال في العصور القديمة _ واستمرت حتى القرن السابع عشر، وفي هذه الفترة لمعت نجوم كثيرة في سماء الأدب الغربي تستحق الوقوف عندها، وهذا ما جعلنا في مقالنا هذا نختار الحديث عن أدباء عصر النهضة الغربية وأشهر أعمالهم.



أدباء عصر النهضة الغربية وأشهر أعمالهم:

فيما يأتي وقفة عند أشهر أدباء عصر النهضة الغربية وأشهر أعمالهم:

فرانشيسكو بتراركا:

أول أدباء عصر النهضة الغربية كما يجمع كثيرون هو "فرانشيسكو بتراركا"، مولود في "إيطاليا" عام 1304، ومتوفٍّ في عام 1374، وهو شاعر وأديب وفيلسوف وعالم، لُقِّب بوالد الإنسانية، وقد عمل "بتراركا" في المحاماة تحقيقاً لرغبة والده، ولكنَّه عدل عن مهنته بعد وفاته، فهو شغوف بالأدب اللاتيني، فكيف يمضي حياته في القانون؟

عاد ليدرس الأدب اللاتيني الكلاسيكي، وأول إبداعاته الكتابية ظهرت في قصائد الرثاء التي كتبها لوالدته عندما توفيت، ثمَّ كانت قصائده التي كتبها لأجل سيدة تدعى "لورا" وقد شغفه حبها، ومع أنَّها كانت متزوجة، وأُمَّاً لأطفال، ولم ترسم له أملاً في أفق أحلامه، فإنَّ حبه العذري لها جعل من كل كلمة قيلت في حقها ملحمة شعرية حقيقية.

هذا الأديب من أدباء عصر النهضة الغربية، كان الأكثر تنقلاً بين البلدان، وعمد في رحلاته إلى اكتشاف ذاته، فاتَّسمت أعماله بروحانية خصبة، ومن أشهر أعمال "بتراركا" نذكر: جزء من السوناتة إلى مستنكرة لورا، وإفريقيا، وكتاب الشعر الأغاني.

ويليام شكسبير:

ويليام شكسبير

لا يمكن الحديث عن أدباء عصر النهضة الغربية وأشهر أعمالهم دون أن تتلَّفظ ألسنتنا لا شعورياً باسم الكاتب والشاعر والممثل والمسرحي "ويليام شكسبير"، المولود في "إنكلترا" عام 1564؛ إذ نشأ "شكسبير" وسط أسرة نبيلة، وأسَّس أسرته الخاصة عندما تزوج في سن الثامنة عشر، وأنجب ثلاثة أطفال: سوزان، والتوأمان هامنت وجوديث، وقد فُجِعَ "شكسبير" بوفاة ابنه هامنت وهو في عمر الأحد عشر عاماً، فعزف عن الكتابة والأدب فترة أربع سنوات، ثمَّ عاد بمسرحية "هاملت" التي حقَّقت مجداً عظيماً وشهرة واسعة.

لقد استطاعت قِلَّة من أدباء عصر النهضة الغربية تحقيق المجد والشهرة اللذين حقَّقهما "شكسبير"، والذي تُدرَّس أشهر أعماله في المدارس حتى اليوم، وأهمها: "سوناتات شكسبير"، وقصيدة "العنقاء والسلحفاة"، ومسرحية "روميو وجولييت"، ومسرحية "هاملت"، ومسرحية "هنري السادس"، و"حكاية الشتاء".

توفي العظيم "شكسبير" عام 1616، ودُفن في مسقط رأسه في "ستراتفورد أبون آفون".

إقرأ أيضاً: أقوال وحكم رائعة للفيلسوف يوهان غوتة

جيفري تشوسر:

كاتب وشاعر إنكليزي من أدباء عصر النهضة الغربية، مولود في "لندن"، وامتدت حياته من عام 1343 حتى 1400، انحدر "تشوسر" من عائلة في الطبقة الوسطى، وشغل في حياته وظائف مراقب جمارك، وقاضٍ، وكاتب لأشغال الملك، وكانت له نظرة خاصة فيما يسمَّى "حب القصور"، أو الحب الارستقراطي أوضحها في كتاباته، كما شرحت أشعاره انتقاده للمثل الرفيعة المتمثِّلة في شخوص الراهب والناسك والداعي للمثول أمام الكنيسة.

ابتُعث عظيم أدباء عصر النهضة الغربية في مهام دبلوماسية إلى إيطاليا وإسبانيا، وتأثر في أدباء كل منهما، وهو أول شاعر إنكليزي يستخدم الوزن الملحمي في قصائده، ومن أشهر أعمال "جيفري تشوسر": "حكايات كانتربيري"، و"كتاب الدوقة"، الذي يتضمَّن قصيدة تأملية عظيمة عن وفاة زوجته "جون جوانت".

نيكولو ميكافيلي:

نيكولو ميكافيلي

"نيكولو ميكافيلي" من أدباء عصر النهضة الغربية المعروفين، إيطالي الجنسية، مولود في "فلورنسا" عام 1469، وهو فيلسوف سياسي، ومن مؤسسي التنظير السياسي الواقعي في عصر النهضة الإيطالي.

توفي عام 1527، ونُشِرَ كتابه "كتاب الأمير" بعد موته ليكون عماد دراسات العلم السياسي، وغرض الكاتب من هذا الكتاب تقديم تعليمات عن الواقعية السياسية والحكام، وكان عبارة عن صورة استباقية للنفعية والواقعية السياسية، وقد فُصِّلت نظرياته في القرن العشرين.

كان "ميكافيلي" الشخصية المثالية لأدباء عصر النهضة برفقة "ليوناردو دافينشي"، ومن اسمه اشتقت ألقاب وتسميات "الذكاء الميكافيلي" و"ميكافيلي" الذي يدل على الأنانية وتقديم الذات، وهو صاحب مقولة: "الغاية تبرِّر الوسيلة".

دانتي أليغييري:

دانتي أليغييري

مؤلف الملحمة الشهيرة "الكوميديا الإلهية"، فهو واحد من أشهر أدباء عصر النهضة الغربية مع أنَّه ولد قبل مطلع القرن الرابع عشر، وتحديداً عام 1265 في "فلورنسا".

أديب، وفيلسوف، وشاعر إيطالي، اختبر مشاعر فقد الأم، وحب امرأة غير زوجته ثمَّ وفاتها، فكان لهذه الأحداث تأثيرات واضحة على أدبه، واتجه نحو الفلسفة والسياسة، وقد لقَّبه الإيطاليون بالشاعر السامي، وكان لإصداره كتاب "Vita Nuova"؛ أي "الحياة الجديدة" دور كبير في إرساء دعائم اللغة الإيطالية، ومن أشهر أعماله: "الكوميديا الإلهية" و"الحياة الجديدة"، توفي عام 1321.

جيوفاني بوكاتشيو:

لا يمكن ذكر أدباء عصر النهضة الغربية دون ذكر "جيوفاني بوكاتشيو" ثالث أشهر شعراء ذلك العصر بعد "بتراركا" و"دانتي أليغييري".

ولد في "إيطاليا" عام 1313، وكان والده تاجراً معروفاً، تميَّز بإعادة تفسيره للكتابات التاريخية، وتأثرت في نهجه قامات أدبية عظيمة، مثل: "ويليام شكسبير"، و"جيفري تشوسر، وقد عاصر "بوكاتشيو" اجتياح الطاعون لمدينته التي فقدت عدداً كبيراً من سكانها، فانخرط في الحانات والملذات والطبقة المبتذلة ليكسبه ذلك نظرة مختلفة، لتعود صداقته مع "بتراركا" لترفع من سويَّة حياته اليومية والأدبية، وقد باغته الاكتئاب والاستسقاء في نهاية حياته، ليتوفى عام 1375، تاركاً لنا أشهر أعماله: "ديكاميرون"، و"مطاردة ديانا"، و"حب الرؤية".

ميغيل دي سيرفانتس:

هو واحد من أشهر أدباء عصر النهضة الغربية، ملقَّب بأمير الذكاء بسبب أسلوبه السهل الذكي في الهجاء والمفهوم من قبل جميع القرَّاء على اختلاف مستويات ثقافتهم، ولد في "إسبانيا" عام 1547، قاسى الفقر طيلة حياته، ودرس الأدب والعمارة والفن والتحق بالبحرية الإسبانية، وأصيبت يده اليسرى في التدريبات.

اختُطِفَ في الجزائر فكان اختطافه نواة أشهر أعماله "رواية دون كيشوت" التي لم تحقِّق شهرتها الواسعة خلال حياته، ومسرحيتي "El Trato de "Argel، و"Los Banos de Argel"، ويذكر أنَّه لم يحظَ بالشهرة والمال اللذين نشدهما من المسرح، ومن أعماله الشهيرة أيضاً "جبل بارناسوس"، توفي عام 1616 في يوم وفاة شكسبير، فجُعِل 23 أبريل يوماً للكتاب.

إدموند سبنسر:

من أشهر أدباء عصر النهضة الغربية الشاعر الإنكليزي "إدموند سبنسر"، المولود في "لندن" عام 1523 أو 1553، لا يعرف المؤرِّخون بدقة، بسبب احتراق سجلات عائلته في حريق لندن عام 1566.

حاصل على بكالوريوس وماجستير في الآداب، ومتقن لكل من اللغات اللاتينية والعبرية واليونانية، تأثرت بداياته الشعرية في شعراء النهضة وخاصة "بتراركا"، وألَّف قصائد مشابهة لقصائده، ثم ألَّف "أربع ترانيم" المستوحاة من فلسفة أفلاطون، ومن أشهر أعماله الشعرية: قصيدة "آستروفيل"، وقصيدة "كولن كلاوتس"، وهو مؤلف الملحمة الشهيرة "ملكة الجن" بعد أن انتقل إلى إيرلندا بصفته نائباً، وتفرغ للكتابة، وفيها وضع أساسات جديدة للشعر أسماها السبنسرية، توفي عام 1599 في لندن.

جان باتيست بوكلان (موليير):

موليير

شاعر وكاتب ومسرحي فرنسي شهير من أدباء عصر النهضة الغربية، ولد في "فرنسا" عام 1622، تميَّز بلمسته الكوميدية المميزة في أعماله، درس القانون، ومارس مهنة المحاماة حتى قرَّر عام 1643 تكريس نفسه للمسرح، وغيَّر اسمه إلى "موليير" ليتجنَّب إلحاق العار باسم عائلته، كون المسرح في تلك المرحلة لم يعد مهنة مرموقة.

دخل السجن مرات عديدة بسبب الديون المالية التي ترتَّبت على فرقته، ليكون عرض "الطبيب العاشق" الكوميدي هو أكثر ما نال إعجاب الملك لويس الرابع عشر، فتحول أخ الملك إلى داعم كبير لفرقة موليير، ومن أشهر أعماله "مدرسة الزوجات" التي لاقت احتجاجاً، واتهم بأنَّه سرقها عن كاتب آخر، فكان رده عن طريق تقديم مسرحية أخرى "انتقاد مدرسة الزوجات".

من أعماله الشهيرة أيضاً: "طرطوف المنافق"، و"دون جوان"، و"البرجوازي النبيل"، و"خيانات اسكابان"، و"المريض الوهمي"، توفي عام 1673 بسبب إصابته بمرض السل.

إقرأ أيضاً: أقوال وحكم للمؤلف الأميركي ديل كارينجي

جون دون:

شاعر إنكليزي من أشهر أدباء عصر النهضة الغربية، ولد في "لندن" عام 1572 لعائلة كاثوليكية، وقد عانى من الفقد الكبير في طفولته؛ إذ توفي والده، ثمَّ والدته، ثمَّ شقيقتاه، ثمَّ نفض عن كاهله غبار الأحزان والتحق بقاعة "هارت"، ثمَّ جامعة "أوكسفورد"، ثم بجامعة "كامبريدج"؛ إذ درس فيها ثلاث سنوات، ولكنَّه لم يحصل على الشهادة لكونه "كاثوليكي" ولا يستطيع تأدية قسم التفوق.

انتخب بصفته عضواً في البرلمان، وكان في تلك الفترة يكتب قصائد شعرية في مدح الأثرياء، ثمَّ أصبح قسيساً ملكياً وقارئاً للاهوت، وعانى من الأمراض الكثيرة وسوء الحالة المادية، هذه الأسباب إلى جانب الفقد الذي قاساه في طفولته كانت سبباً في سيطرة طابع الحزن على قصائده.

لكنَّه مع كل ذلك كان رائداً في الشعر الميتافيزيقي في القرن السابع عشر، واتَّسمت مؤلفاته بالذكاء وخفة الظل والحكمة، وأشهرها: "الشهيد الكاذب"، و"صلوات للمناسبات الطارئة"، توفي عام 1631 بسرطان في المعدة.

في الختام:

كانت هذه القائمة لأشهر أدباء عصر النهضة الغربية الذين حملوا على عاتقهم مهمة نفض غبار الكنيسة واللاهوت عن أجنحة الأدب، وإعادة الكائن الإنساني ومشاعره والأحداث التي تمر به إلى مقدمة الموضوعات الأدبية، ونحن ندين لأدباء عصر النهضة الغربية وأشهر أعمالهم لمنحنا هذا الأفق من الإبداع والفلسفة والتفكير العميق.




مقالات مرتبطة