أدب الكلام والصحة الاجتماعية

مازلنا ننهل من الدراسة العلمية المتميزة : أدب الكلام وأثره في بناء العلاقات الإنسانية في ضوء القرآن الكريم للدكتور عودة عبدالله ، ومن الموضوعات التي أعرضها عليكم في هذا المقال : أدب الكلام وأثره في حل المشكلات الاجتماعية.



حيث يصفي أدب الكلام القلوب ويزيل منها الضغائن والأحقاد ، ويجعلنا نتجاوز الكثير من المشكلات الاجتماعية ، فمما لا شك فيه أن القول السيء وما يتبعه من ردود أفعال قد يحدث مشكلات ومضاعفات يكون لها أسوأ النتائج , وهنا كما قال الدكتور عودة عبد الله : يأتي دور مقابلة الإساءة بالإحسان وإغلاق مداخل الشيطان في الإصلاح النفسي والاجتماعي لنفوس الناس وطبائعهم وهذا المنهاج في الإصلاح الاجتماعي واضح في قوله تعالى : " خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين " [الأعراف: 199] ، وقد فسرها شرعنا الحنيف بأن نعفو عمن ظلمنا ونعطي من حرمنا ونصل من قطعنا كما قال أبو الفتح البستي :

خذ العفو وأمر بعرف كما            أمرت وأعرض عن الجاهلين

ولن في الكلام لكل الأنام          فمستحسن من ذوي الجاهلين

وبين الإمام الشافعي بكلمات بليغة منظومة كيف أن العفو وعدم الرد على السيئة بمثلها يجنب الإنسان الكثير من العداوات ، الأمر الذي يسهم في حل الكثير من المشكلات الاجتماعية فيقول :

لما عفوت ولم أحقد على أحد            أرحت نفسي من هم العداوات

إني أحيي عدوي عند رؤيته              لأدفع الشر عني بالتحيات

وأظهر البشر للإنسان أبغضه            كأنه قد حشى قلبي محبات

ولست أسلم من خل يخالطني         فكيف أسلم من أهل العداوات

الناس داء وداء الناس قربهم              وفي اعتزالهم قطع المودات

هذا فعل الكلمة الطيبة وآداب الكلام على مستوى المجتمع ، ونحن أحوج ما نكون إلى أدب الكلام لنزيل الوحشة بيننا وبين الناس ، فكلما قربنا من بعضنا بعضًا وتبادلنا التحيات والكلمات الطيبة ائتلفت القلوب ، وتقاربت النفوس , وتيسرت المعاملات , وإذا كان هذا فعل الكلمة الطيبة وأدب الكلام مع الأباعد ، فمن باب أولى أن نطبق هذه القواعد مع أرحامنا ومع أزواجنا ، فالوعظ بالكلمة الطيبة في بداية المشكلات هو الخطوة الأولى والمهمة في رأب الصدع الناشيء بين الزوجين ، قال تعالى : " واللآتي تخافون نشوزهن فعظوهن " [النساء: 34] وعن الزوج قال الله تعالى للزوجة : " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحًا والصلح خير " [النساء: 128[

فالوعظ بالكلمة الطيبة والأسلوب الحسن هو طريق حل المشكلات من بدايتها مع الزوجة ، والتفاهم والمودة والصلاح من الزوجة هو طريق حل المشكلات من بدايتها مع الزوج ، فإذا فعلن ذلك أغلقن مداخل الفتن والمشكلات والتدخل الخارجي في الحياة الزوجية وتغلبا على المشكلات من البداية بهذه الوقاية ويكون وعظ الزوجة بتذكيرها بما أوجبه الله من حسن الصحبة وجميل العشرة في الحياة الزوجية التي أسسها الله تعالى على السكن النفسي والاجتماعي والمودة والرحمة القلبية والسلوكية .

والكلمة الطيبة أغلى عند الزوجة السوية من الحلي الثمين ، والثوب الفاخر لأن العاطفة التي تبثها الكلمة الطيبة تغذي الروح ، فكما أنه لا حياة للأبدان بلا طعام وشراب وأكسجين وكذلك لا حياة للروح بلا كلام حلو لطيف ، وأن السعادة كلها ربما كانت في كلمة فيها صدق ومؤانسة وعفو وصفح وحب يقولها أحد الزوجين لصاحبه ، وجاء في البحث العلمي القيم والمحكم للدكتور عودة أن كثيرات من الزوجات يستجبن لهذا الأسلوب المهذب والرقيق .

إن الزوجين في أشد الحاجة إلى سماع كل واحد منهما الكلمة الطيبة من صاحبه ، وأدب الكلمة أساس متين تبنى عليه علاقات الحب والمودة والرحمة والإنتاج والتربية في الحياة الزوجية ، فعلى كل منا أن يتعلم أدب الكلام مع الناس ومع زوجه ، لنسعد في الحياة الدنيا ونتغلب على مشكلات الحياة الدائمة والممرضة .