أجوبة أسئلة.. فلسطين القضية

كنت قد كتبت مقالين حول "فلسطين القضية"، وقد جاءت التعليقات تحمل أسئلة مهمة حول هذه القضية المحورية للأمة وكيفية التعامل معها، وقبل أن أجيب على أهم الأسئلة المطروحة أتوجه بالشكر إلى كل من شارك بتعليقه وإبداء رأيه حول ما كتبت.



وأنوه إلى أن الأسئلة التي أجبت عليها هي التي تتعلق مباشرة بالموضوع، حيث أن البعض علق دون أن يقرأ المقالين وذكر أشياء لم أتناولها في المقالين باعتبارها آرائي. وهؤلاء سيجدون الأجوبة على ما ذكروه في صلب المقالين إن قرأوهما بتأن.

 

هل حقاًَ الحركات والأحزاب (خصوصا الإسلامية منها) تفتقد لرؤية حول التعامل مع قضايا الأمة؟ فهل يا ترى الخلل في غياب "التحضير لعمل طويل النفس"؟ أم أن هناك استراتيجية موجودة ومحددة لكنها غير فعالة؟ أم أن ما نشاهده من تحركات وأعمال للحركات والأحزاب هو كل ما تستطيع القيام به؟

 

- يفضل أن يُسأل في مثل هذه الأسئلة كل حزب أو حركة بشكل مباشر، ليعرض تصوره ورؤيته للتعامل مع القضية الفلسطينية، وأعني هنا السؤالين المتعلقين بامتلاك الحركات لرؤية واضحة لمسار التحرير، واحتمالية وجود رؤية محددة ولكنها غير فعالة. لكننا كمتابعين للأحداث نستطيع أن نرصد بوضوح ظواهر الأمور، فاثر السير يدل على المسير كما ذكر الأعرابي الذي كان يبصر بنور الفطرة، وباستقراء ممارسات أغلب الأحزاب والحركات باستثناء الفصائل المقاومة داخل الأرض المحتلة لا نتلمس تغيراً في نمط التفكير والفعل في التعامل مع القضية.

 

ما دور إنسان النهضة تجاه قضايا الأمة وتحديدا "فلسطين القضية" ؟

- دور إنسان النهضة يختلف بحسب موقعه، فإن كان داخل فلسطين فدوره هو الثبات والمقاومة والمناصحة لإخوانه في الجهاد. وإن كان خارج فلسطين فدوره هو تقديم الدعم المالي والمعنوي والضغط السياسي .. الخ، وهذا يتوقف على موقعه. فإن كان في منظمات خيرية سيكون دوره الدعم الإغاثي، وإن كان في منظمات سياسية سيكون دوره تقديم الدعم المالي والمعنوي والضغط على الحكومات، وإن كان في منظمات مدنية سيكون دوره التواصل مع شعوب العالم والعمل الإعلامي، وإن كان ذي منصب مؤثر في اتخاذ القرار في الحكومة فسيكون دوره هو إبداع الاستراتيجيات الأفضل للتعامل مع القضية. فالعنوان العريض لمن هو خارج الأرض المحتلة هو دعم القضية في كل المجالات. ولمن هو في الداخل إبداع رؤى للمقاومة الفعالة والصمود والمثابرة من أجل تحقيق تلك الرؤية.

إن القضية تحتاج في السلم والحرب إلى شباب مدرب يقوم منفرداً وفي مجموعات بمهام الإسناد المادي والمعنوي ولديه خطط جاهزة للتنفيذ على المستوى المحلي والإقليمي والدولي ...خاصة مع توفر أدوات العصر ...وأن لا يكون تحت عنصر المفاجأة في كل مرة ...وكأنها المرة الأولى .

 

أليست المقاومة بأجندة صفرية، هي نوع من التفاوض السياسي مع عدو لم يسلم من البشر والشجر وحتى الحجر؟

- في فن التفاوض الطرف الأقوى هو الذي يستطيع رفع سقف الأجندة ليجعلها صفرية أو غير صفرية، فالأجندة الصفرية ليست هوى أو أماني، وإنما تنتج عن استعدادات حقيقية، فلم يتمكن الرسول في الحديبية من فرض أجندة صفرية رغم أنه نبي مرسل، وظن الصحابة أنهم غبنوا في هذه الاتفاقية، فتاريخ القيادة الإسلامية الأولى يعكس وعياً بفكرة التفاوض وما تحتمله الطاولة التفاوضية لتنقلهم خطوة إلى الأمام. بل لقد وجد الرسول صلى الله عليه وسلم في إحدى مراحل التفاوض أن يعطي اليهود ثلث ثمار المدينة، وهو رأي رفضه سعد بن معاذ وأيد الله سعداً من فوق سبع سماوات، فقد كان رأي سعد هو الأكثر عملية، لكن كون الرسول ابتداء يفكر فيه فهو يعني بالضرورة وضوح البعد التفاوضي والتحرك في إطار الممكن ورفع سقف الممكن مع الوقت. والمقاومة من حقها أن تقدر المسار الذي تريد أن تتخذه سواء كان بأجندة غامضة أو بأجندة صفرية أو بأجندة واضحة، بل وتوقيت إخراج أي من هذه الأجندات، ومن حق المحبين المناصحة وإبداء الرأي دون تردد والدين النصيحة ..,هي تقدر ماذا تأخذ وماذا تترك .

 

هل تحقق شيء إيجابي بالنسبة للمقاومة الفلسطينية؟

- بالتأكيد هناك إيجابيات كثيرة للمقاومة الفلسطينية، ويكفيها أنها عكست أن الأمة بإمكانيات محدودة وإيمان قوي قادرة على الصمود، ويكفيها أن جعلت القضية الفلسطينية تستعيد مكانها من اهتمام الناس بعد أن عجت الساحة لسنوات بالخلافات بين حماس وفتح مما شوه صورة الفلسطينيين أنفسهم في نفوس العامة، ويكفيها أنها أثبتت حيوية الأمة وعدم فتورها إزاء قضاياها الكبرى، واستعداد الناس للبذل في حالة رؤيتهم مساراً واضحاً للفعل...أضف إلى ذلك الخبرات التي تتراكم لها في عمليات التفاوض والكر والفر السياسي والإعلامي ....

 

أريد تفسير ماذا يعني النفس الطويل هل الإستمرار في تحويل القضايا الكبرى إلى دورات! أم خطب!  أم مواقف سلبية! أم ماذا!

- أعني بالنفس الطويل إيجاد آلية واضحة للشعوب العربية للمقاومة بحيث تصبح المقاومة نمطاً للفعل لايخبو مع توقف الإعلام (قبل وأثناء وبعد الأحداث).. ألا ترى معي أن مشكلتنا أننا طالما هناك دماء تنزف فنحن منفعلون وما إن ينتهي المشهد حتى تنطفئ شيئاً فشيئاً تلك الشحنة؟ هل يمكن أن تصبح القضية فعلاً مركزية ليس في عواطفنا ولكن في يومنا وأسبوعنا وشهرنا هكذا على الدوام حتى يحدث التراكم الداعم للمقاومة وتكون هناك خطوط فعل مستمرة وليست موسمية ...فخير العبادات أدومها ولو قل. الخطب والدورات ليست مذمومة في حد ذاتها فهي أداة مثل كل الأدوات، ولا غنى للمجتمعات عنها ...ولكن هل الإنسان يقوم بنشاط واحد لا غير في عمره ويومه وزمانه؟ أم أن الإنسان يقوم بأنشطة متعددة .., هل يمكن أن يقال للأخ طارح السؤال... هل كل ما يمكن أن تساهم به هو هذا النوع من الخطاب؟ أم نقول أن هذا هو الجهد الظاهر له في الذب عن المقاومة ومهاجمة من يعتقد أنه ينتقص منها وله مع ذلك أعمال خيرة أخرى لا يعلمها الا الله...

 

لقد كان المسلمون محددين أهدافهم في الصراع (إما النصر أو الشهادة) ولهذه الإستراتيجية العظيمة حققوا ما لا يستطيع بعض مفكرينا الإستراتجيين التفكير به لم يكن المسلمون دائماً شعارهم "النصر أو الشهادة"، وغزوة مؤتة خير شاهد على عبقرية خالد بن الوليد حين لم يضع نفسه بين هذين الخيارين، إما خوض معركة محسومة نتيجتها بالهزيمة، أو الاستشهاد. خالد بن الوليد كان رمزاً للقائد الاستراتيجي المدرك لمعنى "النصر أو الشهادة"، فالنصر أو الشهادة هي شعار كل فرد على حدته ليكسر حاجز الخوف وطمعاً في الجنة، فهو سيقاتل وفق خطة وهو كفرد معرض أن ينتصر أو يستشهد على طريق تنفيذ هذه الخطة. لكن من العبث أن يكون جوهر الخطة تخيير أمة بين أن تنتصر أو تستشهد، أي تباد إبادة جماعية ويبقى الاحتلال، إذن لم التنديد بالإبادة الجماعية طالما أنه خيار أمة؟! على كل حال الحمد لله ...أن فكر المقاومة في التخطيط أرقى من ذلك على المستوى الاستراتيجي وهو واضح في أدائها سواء اتفقنا معه أو اختلفنا.

 

لقد أسقط الكاتب خيار كبير اختارته دول عربيه مهمة وهو "السلام خيار استراتيجي وحيد " دون أن يخبرنا لماذا أسقطه...فهل من تفسير؟

- لأن طرح السلام بعيداً عن أية مقاومة يجعلنا نتساءل؟ ما الذي سيجبر الطرف الآخر على الجلوس على مائدة المفاوضات، فالمفاوضات تعني تنازلات متبادلة، ما الذي يملكه الفلسطينيون لإجبار الإسرائليين على التفاوض سوى المقاومة؟! المقاومة هي الأداة التي تجعل للتفاوض لغة وتجعله تفاوض أنداد.

 

بين الخيارين المطروحين وهي ان المقاومة بلا أجندة أو أن المقاومة داعمة لأجندة تفاوضية ودخول العرب والمسلمين في حرب شاملة مع الاسرائيلين .. هذه النظرة ثنائية القطب أو دعني أسميها (النظرية القطبية) ... هل لا توجد خيارات أخرى بين الفكرتين؟

- هذه ليست نظرة ثنائية، هي نظرات أساسية بينها طيف من الألوان. فالسؤال الذي سألته مبدئياً يشتمل على ثلاثة أفكار:

الفكرة الأولى: مقاومة بدون أجندة تفاوضية (باعتبارها قادرة على التحرير التام).

الفكرة الثانية: مقاومة بأجندة تفاوضية، والمقاومة تنقل التفاوض كل مرحلة من مستوى إلى آخر. والتفاوض يعني تقديم تنازلات متبادلة.

الفكرة الثالثة: دخول العرب والمسلمين في حرب شاملة، وهذا خيار ثالث وهو خيار لا تملك تحديده المقاومة، لأنه مرهون بقرار القادة العرب. وعندما تخطط المقاومة الواعية فهي تخطط باعتبار ما تملكه وما هو خاضع لقرارها، ولا تعتمد على احتمالات مثل تدخل العرب، أو إنصاف المجتمع الدولي لهم، فما الذي تستطيع المقاومة أن تحققه وفق إمكانياتها، وإن كانت الإمكانيات محدودة، فما الذي ستفعله حتى تزيد من قدراتها؟ وعندما تخطط المقاومة يمكن أن تخلق طيفاً من الأفكار يمتد بين تلك الثلاثة أفكار. أي أن الثلاثة أفكار يمكن اعتبارها كالمسطرة، لكن المسطرة تحتوي على خيارات بينية يستطيع العقل المقاوم إبداعها.