أثر عيش حياتنا دون أي عناء

يضحك الناس عندما أخبرهم أنَّني أعتقد أنَّ الحياة يجب أن تكون سهلة وبلا جهد، يظنون أنَّني أمزح؛ إذ يعلمُ الجميع أنَّ الحياة ليست سهلة، وأنَّ إنجاز المهام وتحقيق أي شيء يستحق العناء، يتطلَّب العمل الجَّاد والوقت وكثيراً من الجهد، وللنجاح ثمن، والشخص الذي ينجح دون أن يدفع أي ثمن يكون إما غشاشاً أو محتالاً أو محظوظاً فحسب.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّنة "إرين فالكونر" (Erin Falconer)، وتُحدِّثنا فيه عن قوة عيش حياتك دون أي جهد.

فكِّر قليلاً في التشابيه التي نستخدمها لوصف تجربتنا في الحياة؛ فغالباً ما نقول إنَّ الحياة صراع، وبمنزلة معركة أو حرب، أو نَصِفها بأنَّها رحلة صعبة تتخللها العقبات التي يجب التغلُّب عليها، أو اختبار علينا اجتيازه، لكن تؤثر الصور هذه في أفعالنا، وتحدد الطريقة التي نتبعها لإنجاز أمورنا، ولقد تعلمنا أن ننتزع مبتغانا من يد الحياة عنوة؛ فتحقيق النجاحات يعني أن تتغلب على الصعاب، وأن تعاني وتتحمل ولا تستسلم أبداً؛ فالنَّصر حليف من يتَّسم بالعناد ويصمد حتى آخر رمق.

أهمية تغيير نظرتنا للأمور:

ثمة عدسة أخرى نستطيع رؤية الأمور من خلالها، وطريقة أخرى لإنجاز المهام؛ طريقة تُرينا الحياة من منظور مختلف، وتجعلنا ندرك أهمية الانسجام والتوازن والعيش بسلام واتباع المسار الطبيعي للأمور.

يحمِل كل جانب من حياتنا، سواء كان علاقة أم العمل في منظمة أم العيش في مجتمع، بنية طبيعية تتدفق من خلالها جميع الأحداث، الأمر الذي في بعض الأحيان نطلق عليه اسم "ثقافة"، فيختلف كل جانب من جوانب حياتنا عن غيره، وأولئك الذين يحققون النجاحات بسهولة لا يضعون أي افتراضات؛ بل يراقبون الحالة بعين ثاقبة كي يفهموا بُنيتها، ليتمكنوا من التكيف معها، فلا يَهدرون بذلك طاقتهم في مقاومة طريقة سير الأمور؛ بل "يسيرون مع التيار".

تستطيع بالطبع تحقيق النجاح بالقوة؛ إذ يمكن للروح الثورية أن تغير الأمور، إلا أنَّ النتائج المستدامة لا تتحقق إلا من خلال السير مع التيار، والبحث عن الطريق الذي لا يتطلب المقاومة، ومن ثم الاستفادة من البنية الطبيعية للحالة.

يقول الفيلسوف الصيني "لاوتزه" (Lao Tzu): "كل الأمور ستُحل إذ تركتها وشأنها؛ فلا يحقق النجاح في العالم سوى أولئك الذين يتركون كل شيء يمضي وفق مساره الطبيعي، أما أولئك الذين يحاولون ويستمرون بالمقاومة، فلن ينالوا أي نجاح في العالم". 

يتجمَّع الماء دائماً في الأراضي المنخفضة ويخضع للمقاومة؛ ومع ذلك يحمل طاقة هائلة ويمكنه، على مدى سنوات عديدة، تفتيت الصخور وتحويلها إلى حصى صغيرة ناعمة، لتتشكل بعدها قنوات واسعة وعميقة عبر التضاريس الطبيعية.

عندما كنتُ صغيرة، علمني والدي كيفية قطع الخشب بالمنشار، فلا يجب قطع الخشب من أليافه؛ لأنَّه سيكون عملاً شاقاً، وسيتشقق الخشب المنشور ويتناثر، كما علَّمني كيفية إمساك المنشار؛ فلا نمسكه بإحكام شديد، ولا نضغط على الخشب، بل ندعه يتحرك بصورة طبيعية وبكل انسيابية، ونوجهه برفق، لقد لخَّص شرحه قائلاً: دعي المنشار يقوم بالعمل؛ فالحرفي الماهر لا يحتاج إلى استخدام القوة.

يتابع "لاوتزه" قوله: "تتمهل الطبيعة بطبيعتها، إلا أنَّ كل ما فيها يأخذ مجراه ومساره الصحيح"، لذا محاولاتنا لتسريع الأمور وإنجازها بطريقتنا الخاصة وفي الوقت الذي يناسبنا عادة ما تزيد الأمور سوءاً؛ فمَثَلُ من يسير عكس التيار، كمثل من قطف فاكهة قبل نضجها؛ فلن يستفيد ولن ينال طعماً سوى طعم الحموضة.

نادراً ما يجري النهر وفق مسار مستقيم، بل يتعرج عبر التضاريس الطبيعية، ويظل في أدنى النقاط، ويتحرك حول الجبال والتلال، لكنَّ المياه تستمر في التدفق بقوة، وهذا يؤدي إلى تشكُّل وديان كبيرة، ومثل الطبيعة، يمكن أن تستغرق إنجازاتنا وقتاً لتتحقق؛ فهي تحدث بطريقتها الخاصة وبالوتيرة التي تناسبها.

شاهد بالفديو: 9 خطوات عملية لاتخاذ القرارات الصعبة في الحياة

أهمية تقبُّل أحداث الحياة:

مقاومة المسار الطبيعي للأمور والسير عكس التيار أمر مرهق ولا طائل منه، وأولئك الذين يحاولون ذلك لن ينالوا سوى التعب دون أن يبلغوا أي شيء، لكنَّ أولئك الذين يتقبلون حقيقة الموقف، ويستفيدون منها، ويبدعون في استخدامها، يحققون نجاحاً هائلاً؛ فبدلاً من مقاومة طبيعة الأمور، يستخدمون قوتها وطاقتها لتحقيق النتائج، ودونما عناء.

يتقبل أولئك الذين يحققون النجاح بلا جهد التجارب الجديدة، وهم مقتنعون بأنَّ المستقبل مجهول، فنحن لا نعرف سوى القليل جداً، فمثلاً: حياتي ليست كما تخيلتها أبداً؛ فلم أكن لأختار كثيراً من جوانبها لو كان الأمر عائداً إلي؛ لكنَّ الأمور لم تكن لتسير على نحو أفضل، وبرأيي أنَّنا عندما نسترخي ونتوقف عن التظاهر بأنَّنا نسيطر على كل شيء، ستعمل الحياة عندها لصالحنا.

الحقيقة هي أنَّنا لا نعرف ما نريد؛ وعلى الرغم من بحثنا عن اليقين ورؤية واضحة للمستقبل، لا يمكننا معرفة ما يخبئه لنا ذلك المستقبل، لا نعلم الفرص الجديدة التي ستفتحها لنا أبواب الحياة ما إن ننطلق في مسارنا، بل كل ما يمكننا القيام به هو أن نراقب الفرص، ونسترخي ونستمتع برحلتنا: "الاعتقاد بأنَّك تعلم كل شيء هو نوع من المرض؛ ولأنَّ الحكماء سئموا المرض، فهم بخير".

إقرأ أيضاً: 35 قول وحكمة عن أهمية الصبر في حياة الإنسان

في الختام:

الحياة التي نَحياها دون عناء هي حياة فعالة للغاية؛ فعندما لا نهدر طاقتنا في محاولة التحكُّم بالأمور، ونتبع المسار الطبيعي للأحداث، يمكننا أن نكون فعالين جداً؛ فنجد نقطة التحول ونُحدِث تغييراً هائلاً ومستداماً، وعندما نتقبل التجارب الجديدة، ونستعد للتكيف مع كل ما يحدث معنا، يمكننا أن نحيا حياة مليئة بالحيوية والمعنى.




مقالات مرتبطة