أبحاث الاقتراب من الموت وما تكشفه عن مغزى الحياة
ماذا يحدث عندما نموت؟ هل يبقى الوعي؟ وما هو المغزى من الحياة؟
توصل بحثٌ جديد في تجارب الاقتراب من الموت (Near-Death Experiences) إلى بعض الاستنتاجات المذهلة، إليك فيما يأتي ما قاله بعض الأشخاص الذين خاضوا هذه التجربة:
قال كريس (Chris) البالغ من العمر خمس سنوات لطبيبه بعد إنعاشه بعد الغرق: "عليك أن تخبر جميع كبار السن ألا يخافوا من الموت"؛ لقد فقدَ والده السيطرة على سيارته حين كان يقودها ليلاً، وسقط في المياه المتجمدة في نهر بالقرب من مدينة سياتل (Seattle)، وعندما غاصوا في المياه الجليدية تمكنت والدته من سحب أخيه الأكبر إلى بر الأمان، لكنَّ الأمر استغرق خمس عشرة دقيقة أخرى لإنقاذ كريس، وعندما أُنقذ إلى الشاطئ كانت أنفاسه ودقات قلبه متوقفة؛ وعندما أفاق بعد أن تمكن الأطباء بأعجوبة من إنعاشه، قال لهم:
"لقد دخلت في متاهة ضخمة وطويلة عندما مت، حسناً، لا بدَّ من أنَّها كانت نفقاً طويلاً؛ لأنَّني لا أظنُّ أنَّ المعكرونة فيها أقواس قزح"؛ فما اختبره كريس كان تجربة قريبة من الموت أو تجربة الاقتراب من الموت.
إليك فيما يأتي نمطاً عن الأحداث التي يمكن أن يمرَّ بها الناس عند الاقتراب من الموت:
- الشعور بالراحة وعدم الإحساس بالألم.
- الإحساس بمغادرة الجسم، وأحياناً القدرة على رؤية الجسد المادي وهو يطفو.
- زيادة نشاط العقل أكثر من المعتاد.
- الإحساس بالانجذاب إلى نفق أو ظلام.
- رؤية ضوء لامع في بعض الأحيان في نهاية النفق.
- الشعور بالسلام الغامر أو الحبِّ المطلق غير المشروط.
هكذا اختبرت أيضاً الممرضة غريس بوبولكا هاتميكر (Grace Bubulka-Hatmaker) تجربة الاقتراب من الموت: "عندما اقتربت من الشعاع الدافئ المتوهج أمامي شعرت بنشوةٍ خالصة كنت في بداية النور، اتحدت معه كأنَّني جزء منه، ومرَّ شريط حياتي واضحاً أمامي، وكأنَّه أعادني ليس إلى بدايتي فقط؛ بل إلى بداية الخلود".
عندما تتوقف ضربات القلب ويتوقف التنفس - وفقاً للعلوم التقليدية - يغلَق الدماغ ويتوقف الوعي؛ إذ تؤمن تلك المدرسة الفكرية أنَّه دون الدماغ يكون الوعي مستحيلاً.
شاهد بالفيديو: كيف نتجاوز فقدان شخص عزيز؟
الوعي لا يقتصر على الدماغ:
تختبر دراسة جديدة نظرية مختلفة مفادها أنَّ: الوعي لا يقتصر على الدماغ، والعقل يمكن أن يستمر في العمل وإن توقف الدماغ عن العمل.
يقود هذه الدراسة الدكتور سام بارنيا (Dr. Sam Parnia) العالم الرائد الذي يدرس حالياً تجارب الاقتراب من الموت التي ستفحص 1500 ناجٍ من السكتة القلبية، ويشارك فيها أربع مراكز طبية رئيسة من أوروبا وكندا والولايات المتحدة.
يمكن أن تظهر العلامات الثلاثة للموت السريري في أثناء السكتة القلبية وهي: غياب التنفس التلقائي، وضربات القلب، فضلاً عن فقدان النشاط العصبي في جذع الدماغ والقشرة الدماغية؛ ثم تتبع ذلك مدة قد تتمكن فيها الجهود الطبية من إعادة تنشيط القلب وإيقاف عملية الاحتضار.
إليك هذا اللغز:
يستيقظ بعض الناس بعد الإنعاش، ويصفون تجارب الاقتراب من الموت على الرَّغم من أنَّه - وفقاً للمعرفة الطبية - لا يمكن إجراء عمليات فكرية في أثناء فقدان نشاط الدماغ.
كانت لوريلين مارتن (Laurelynn Martin) في أوج مسيرتها الواعدة في رياضة التنس عندما خضعت لعملية جراحية روتينية أجريت لها بطريقةٍ مغلوطة مسببة كارثة، وفيما يأتي سرداً لقصتها: "ساعدتني الممرضة على الاستلقاء على طاولة العمليات، وأحاطتني بحنانها قائلةً: "لا تقلقي، سنجعل هذه التجربة ممتعة للغاية بالنسبة لك".
بهذه الكلمات المطمئنة استسلمت للنوم، ثم استيقظت وشعرت بنفسي أطفو فوق جسدي، ناظرةً للأسفل أشاهد محاولات الفريق الطبي لإحياء ذاك الجسد الهامد المستلقي على الطاولة، وكان الفريق الجراحي مذهولاً وخائفاً، واللون الأحمر يغطي المكان متناثراً على معاطفهم البيضاء وعلى الأرض، وبركةً مشرقة من مادة حمراء متدفقة في التجويف البطني المفتوح الآن على مصراعيه.
طفتُ وسط السواد، ولم يكن هناك خوف ولا ألم؛ بل شعورٌ بالسلام؛ فقد أحاطني النعيم الكامل في جو من الحب والقبول غير المشروط، ومن بعيد كان أفق من الضوء الأبيض الرائع والذهبي يجذبني إليه.
مع ازدياد الضوء وامتداد الأشعة لملاقاتي شعرت أنَّ الوقت كما نعرفه لم يكن موجوداً؛ فقد كان الوقت والوجود يجمعان الماضي والحاضر والمستقبل في لحظة واحدة؛ وكلُّ جزء من وجودي كان راضياً عن حبٍّ غير مشروط يفوق الوصف".
تُظهر تجارب لوريلين وآخرين أنَّ الأشخاص الذين يختبرون تجربة الاقتراب من الموت، يتمتعون بالوضوح، ويمكنهم التفكير والتذكر، وقد دفع هذا الدكتور بارنيا لكي يقول: "أشارت الدراسات الطبية الحديثة التي أجريت على مرضى السكتة القلبية أنَّ العقل والوعي ربما هما ما يبقى منا بعد الموت".
ماذا يمكن أن تعلِّمنا تجارب الاقتراب من الموت عن الهدف من الحياة؟
يقول معظم الأشخاص الذين مرُّوا بتجارب الاقتراب من الموت (NDEs) إنَّهم عرفوا المغزى من حياتهم؛ فدروس الحياة هذه متشابهة تشابهاً ملحوظاً، ويمكن أخذ تجربة لوريلين مارتين على سبيل المثال: كانت الرسالة من تجربتها هي أنَّ: الحبُّ يسمو فوق أيِّ شيء آخر؛ إذ يجب على المرء أولاً أن يتعلم كيف يحب نفسه دون محاكمة ودون قيد أو شرط، وعندها بإمكانه تقديم الحبِّ لكلِّ الناس وكلِّ الأشياء بالطريقة نفسها.
في الختام:
تكشف لنا هذه التجارب أهمية الأشخاص في الحياة، ومدى أهمية قبولهم وحبِّهم، وأنَّ الأحداث كلَّها في حياتك هامة بطريقةٍ ما، كما أنَّ فهم الأشياء كلَّها حتى التجارب التي تحسبها غير هامة، ستوصلك إلى نوع من الوعي والتعاطف.