8 أسئلة تساعدك على اتخاذ الخيار الأنسب لتنعم براحة البال

لقد أثمرت عبقرية الصحفي والكاتب "مالكولم جلادويل" (Malcolm Gladwell) في جمع البيانات وتحليلها لتفسير رؤى جديدة ثروةً من المعرفة العملية التي تساعدنا على تحسين حياتنا، وفي خطاب له عام 2004م تحدَّث عن مهنة الاختصاصي النفسي "هوارد موسكوفيتز" (Howard Moskowitz) الذي اشتُهر بأبحاثه التسويقية التي بدأها في سبعينيات القرن الماضي لمصلحة شركة "بيبسي" (Pepsi)، وشركة "فالسيك" للمخللات (Vlasic Pickles)، وشركة "بريجو" لصلصة المعكرونة (Prego Spaghetti Sauce)، والتي غيرت صناعة المواد الغذائية إلى الأبد.



قد يبدو الأمر واضحاً لنا بحكمة الإدراك المتأخر، لكن بالمختصر اكتشف "هوارد" أنَّه لا يوجد مخلل مثالي، ولا نوع مشروب غازي مثالي، ولا وصفة مفضلة عالمياً لصلصة المعكرونة، كما يشرح السيد "جلادويل" في خطابه: "نظر جميع العاملين في صناعة المواد الغذائية إلى ما فعله "هوارد" حينها وقالوا: "يا إلهي! لقد كنا نفكر في كل شيء تفكيراً خاطئاً!"، وكانت هذه اللحظة التي بدأ فيها تصنيع أنواع مختلفة ومتنوعة من مختلف المنتجات".

في النهاية حتى شركة "ريجو" (Ragù) - أكبر وأعرق شركات الصلصة في العالم - قامت بتوظيف "هوارد" الذي فعل تماماً ما فعله في الشركات الثلاث السابقات، واليوم تُصنِّع شركة "ريجو" 36 نوعاً مختلفاً من الصلصة، وقد يبدو ذلك جيداً، والآن نستطيع جميعاً الحصول على ما نريده بالضبط في أي وقت، دون تضحية أو تنازلات أو بذل جهد، وبدلاً من الالتزام بالأسعار المنخفضة والمنافسة، عملوا على رفع الأسعار واستخدام الإعلانات للترويج أنَّ السعر الأعلى يعني جودة أفضل، مع السيارات الفاخرة والممثلين الوسيمين وبطل الصلصة الذي ينقذ الموقف.

كان الدرس الذي تعلمه الجميع من ذلك هو أنَّ الطريقة لإسعاد الناس تكمن في منحهم شيئاً أكبر قيمة، شيئاً يطمحون إليه، ويشجعهم على التخلي عن المنتجات التي يستخدمونها واستبدالها بالأفضل، لكن في النهاية، أهمُّ الدروس التي يمكن تعلُّمها من "هوارد موسكوفيتز" هو أنَّ احتضان تنوع البشر هو الطريقة الأكثر ضماناً للسعادة الحقيقية.

السعادة ووفرة الخيارات:

لكن هل السعادة تكمن في حرية اختيارنا للمنتجات التي نريد؟ وهل القهوة المثالية هي الوسيلة المثلى التي نُسعِد بها أنفسنا؟ وبالنسبة إلى دفع مزيد من المال مقابل منتج لأنَّ ممثلاً مشهوراً يقود سيارة فاخرة في إعلان له، يزرع في أذهاننا علاقة لا شعورية بين القهوة والرقي، فهل هذا دليل على مجتمع سعيد وصحي نفسياً؟

في خطاب لعالِمة الاقتصاد النفسي "شينا إينغار" (Sheena Iyengar) عام 2010م، وصفت دهشتها عندما اكتشفت أنَّ المهاجرين الجدد من الدول الشيوعية سابقاً لم يروا أنَّ وجود سبعة أنواع من الصودا يُعَدُّ خياراً على الإطلاق؛ بل رأوا خياراً واحداً وهو الصودا، إذن من هو الأفضل حالاً؟ الشخص الذي يملك العديد من الخيارات، أم الشخص الذي لا يرى حاجة إلى الاختيار؟

تشرح الدكتورة "إينغار" الأمر بهذه الطريقة: "عندما لا يستطيع شخص ما رؤية كيف يختلف أحد الخيارات عن الآخر، أو عندما تتوفر عدة خيارات للمقارنة، يمكن أن تكون عملية الاختيار مربكة ومحبطة، وبدلاً من اتخاذ خيارات أفضل، نتوه في عملية الاختيار وأحياناً نخاف منها؛ وحينها تصبح وفرة الخيارات أمراً مقيِّداً بدلاً من توفير المناسب للجميع، وإنَّها ليست علامة على حرية الاختيار؛ إنَّما الاختناق بتفاصيل لا معنى لها، وبمعنى آخر، يمكن أن يتحول الاختيار إلى خلاف كل ما يمثله".

شاهد بالفيديو: أنت لا تجد السعادة بل تبنيها كاتارينا بلوم Katarina Blom

تمضي لتقترح أن نعيد النظر في ثلاثة افتراضات أساسية عن الاختيار:

  1. من الجيد دائماً اتخاذ اختياراتك الشخصية بنفسك.
  2. مزيد من الخيارات يؤدي إلى خيارات أفضل.
  3. يجب ألا تقول لا للاختيار.

إذا كنا نختار بناءً على فروقات تافهة، أو إذا كنا غارقين في الخيارات، أو إن لم نحظَ بالمعلومات الكافية للاختيار بحكمة، فهل من المنطقي الاعتقاد أنَّنا أفضل حالاً لمجرد أنَّ لدينا الحق والفرصة للاختيار؟

تضيف الدكتورة "إينغار": "أظهرت العديد من دراساتي أنَّ الناس عندما يحتاجون إلى أخذ خيار وتمنحهم 10 خيارات أو أكثر، فإنَّهم يتخذون قرارات أسوأ، سواء كانت رعاية صحية أم استثماراً أم مجالات هامة أخرى، ومع ذلك ما يزال كثيرون منا يعتقدون أنَّنا يجب علينا اتخاذ جميع خياراتنا الشخصية بأنفسنا والبحث عن مزيد منها".

الغرق في بحر الخيارات:

هل سبق لك أن وقفت في السوبر ماركت تحاول تحديد ما إذا كانت هذه العلامة التجارية أفضل من تلك العلامة التجارية، وما إذا كان الصندوق الكبير يوفر عليك المال أكثر من الصندوق الصغير، وما إذا كان الأمر يستحق المجازفة بتجربة منتج غير معروف قد تحبه أو قد تكرهه على التمسك بعلامة تجارية تعرف أنَّك تحبها.

هل شعرت يوماً أنَّ حياتك ستكون أبسط بكثير إن أعطاك السوق خيارات أقل؟ وهل ستجرب كل الأنواع المتوفرة في السوق لمنتج ما حتى تحدد الأفضل من بينها؟ وهل يمكنك أن تقول بصدق إنَّك أكثر سعادة مع وفرة الخيارات؟

إن فكرت ملياً، فستجد خلاف ذلك، فكلما زاد عدد الخيارات، ازدادت توقعاتنا بالحصول على ما نريده بالضبط، ونصبح أكثر انتقادية وأكثر قناعة أنَّنا فقدنا خياراً أفضل.

شرحت الدكتورة "إينغار" ما حدث عندما أُعطِيَت النساء خياراً بين لونين من طلاء الأظافر الوردي، فقد اعتقد نصفهن أنَّهن تعرضن للخداع، وأنَّ اللونين متطابقان، بينما اختار نصفهن العبوات التي عليها ملصقات تجارية، واخترن العبوات الأخرى عندما لم يكن على أي من العبوات ملصقات تجارية.

في النهاية لم يكن اللون هو الفاصل؛ إنَّما التسويق؛ إذ تفوقت العلامة التجارية التي أسمت المنتج "حذاء راقصة الباليه الوردي" على اللون ذي اسم "وردي لطيف"، فهل نحن جميعاً محكوم علينا أن نبقى تائهين بين خيارات لا معنى لها؟ أم لدينا شيء يمكننا القيام به حيال ذلك؟

8 أسئلة تساعدك على اتخاذ الخيار الأنسب:

إليك 8 أسئلة تساعدك على اتخاذ الخيار الأنسب لتنعم براحة البال:

1. هل يهم حقاً؟

إذا كان عليَّ النظر بتمعُّن لمعرفة الفرق بين لونين من طلاء الأظافر، أو خمسة أنماط من الأحذية، أو 27 نوعاً من فرش الأسنان، فمن المحتمل أنَّني لن أنتبه إلى الفرق بطريقة أو بأخرى بعد أن أقرر ما أختار، فلماذا أقلق بشأن كيفية الاختيار؟

2. هل فاتني شيء؟

تحاول أقسام التسويق إغواءنا بما تطلق على منتجاتها من صفات، مثل منعش وجديد ومحسَّن وأفضل ومتميز وفريد وحصري، لكن إن كنت ما زلت أجد ما أريد في المنتجات المألوفة، فلماذا عليَّ البحث عن شيء آخر؟

3. هل أنا أقوم بمقارنة خاطئة؟

يشير البروفيسور "دان جيلبرت" (Dan Gilbert) إلى أنَّ الأشخاص الذين يقبلون بعرض مخفَّض بقيمة 1600 دولار لقضاء عطلة بدلاً من 2000 دولار، ويعدُّون ذلك عرضاً سخياً، هم نفسهم من يتخلون عن نفس العرض إن فاتهم للتو عرض آخر بكلفة 1000 دولار، وبعبارة أخرى انظر إلى الاختيار نفسه، وليس الخيارات من حوله.

4. ماذا لو لم أختر؟

هل ستكون هناك أيَّة عواقب جيدة أم سيئة؟ وهل هناك شخص أكثر تأهيلاً أو أكثر موضوعية أو أكثر استنارة يساعدني على اتخاذ القرار؟ وإذا لم أتَّخذ أي خيار على الإطلاق، فهل سيلاحظ أي أحد؟

5. هل أنا غارق في الخيارات؟

غالباً ما تخطئ عقولنا الاختيار عندما تبدأ كثير من الخيارات بالتشابه؛ لذا ابدأ بتقليص الخيارات من خلال التخلص من أسوأ البدائل أولاً، وإذا تمكنت من الوصول إلى عدد منطقي، فيمكنك التفكير في اتخاذ القرار، وإن لم تتمكن من ذلك، فأجِّل الشراء لوقت لاحق.

إقرأ أيضاً: التغلب على العجز عن اتخاذ قرار عن طريق تقليل الخيارات

6. هل نفد صبري؟

يشير البروفيسور "جيلبرت" إلى أنَّ الأبحاث تفيد بأنَّ معظم الناس يفضلون أخذ 50 دولار الآن على أخذ 60 دولار بعد شهر من الآن، ولكنَّهم يختارون 60 دولاراً بعد 13 شهراً بدلاً من 50 دولاراً بعد 12 شهراً، فإذا كان بإمكاننا الانتظار وقتاً طويلاً، فيجب أن نكون قادرين على الانتظار الآن، فالإشباع الفوري يشوه منطقنا في التفكير.

7. هل أفكر بعقلانية؟

تؤدي العواطف دوراً غير مناسب في عديد من قراراتنا، فحين تشعر بحماسة واندفاع لتحقيق الإشباع الفوري، فقد حان الوقت للتمهل، وإذا فشل كل شيء آخر، فاتصل بصديق تعدُّه مستشاراً عقلانياً بالنسبة إليك لمساعدك على اختيار الأفضل.

إقرأ أيضاً: 7 أفكار غير عقلانية تعطل حياتك

8. هل لديَّ معلومات كافية للاختيار بحكمة؟

عندما يتعلق الأمر بالقرارات الهامة، مثل الجامعة والزواج والانتخابات الرئاسية، هل تعرف ما الذي تلتزم به؟ غالباً ما نختار هذه الأشياء بناءً على مشاعرنا؛ وذلك لأنَّ طوفان العواطف يعمينا بسهولة عن جهلنا وتهورنا، والاختيار عن جهل هو مرادف للغباء.

في الختام:

كن واقعياً كي تجد أفضل خيار ممكن، حتى لو كان ذلك يعني اتخاذ خيارات أقل من مجموعة خيارات أقل، وفي النهاية من المحتمل أن نكتشف أنَّنا باتخاذ قرارات أقل، سننعم بمزيد من الوقت وراحة البال، وبالطبع السعادة، ولا تنصت لمن يروِّجون أنَّ السعادة تكمن في اختياراتك.




مقالات مرتبطة